-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

بنو آدم جاليات مهاجرة في الأرض

أبو جرة سلطاني
  • 785
  • 0
بنو آدم جاليات مهاجرة في الأرض

وجود البشريّة في الأرض وجود طارئ، لأنّ الإنسان آخر مخلوق جعله الله خليفة، فأبناء آدم وذريّته، منذ بداية الخلق إلى يوم النّفخ في الصّور، جالياتٌ مهاجرة في هذه الأرض المسخّرة لهم بإذن ربّهم ليخلفوها بميثاق من خلقهم. والأرض مخلوقة لهم طيّعةً ذلولا لا تتأبّى على أحد، ولا تحابي أحدا. والأخذ بالأسباب فيها متاح لهؤلاء وهؤلاء.

لكنّ الفرق بين الأخذ بالأسباب إيمانًا بقهرها الحتميّ وبين الأخذ بالأسباب شكرًا لمحرّكها وحمْدًا لمُودِع أسرار الحياة فيها، هو الذي يجعل التّفويض إلى المسبّب عبادة لله وإصلاحا للأرض، بينما يجعل الخوض في “حتميّة” الأسباب، أو الاعتماد عليها، ضلالا في الدّين وفسادا في الأرض.

هذه هي الفاصلة المهمّة التي جعلت الخلاف واسعًا حول هُوية ذي القرنيْن وحول صفته ودينه وزمنه وحول ما ترك من أثر. لكنّ ظاهر الوحي يفيد أنه كان مؤمنا، وأخذ الأسباب من طريق التّفويض الخاص؛ أيْ أنّ الله هو الذي مكّن له في الأرض: ((إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآَتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا)) (الكهف: 84)، فالله -جل جلاله- هو الذي مكّن له في الأرض، وهو الذي يسّر له الأسباب بما أودع فيها من أسرار خضوع له بأمر المسبّب، فعلم أنها مسخّرة له بفعل قهريّ فوق كلّ مقهور. وأدرك أنه يتحرّك في الأرض بقدرة الفاعل وبطلاقة المهيمن على الأسباب.

لما فقه عن الله سرّ التّسخير لم يعاند السّنن بل سايرها واتّبع سُخْرتها: ((فَأَتْبَعَ سَبَبًا)) (الكهف: 85)، أيْ ساير الأسباب أو سار خلفها بيقين أنها مسخّرة بقهر خالقها ذليلة بما أودع فيها من أسرار؛ فلم يغالبها لعلمه أنها غلاّبة بكونها مسخّرةً عابدةً لخالقها لا تتأبّى على أحد ركضها ولا تتخلّف عن أحد استدعاها ولا تحابي مسلما لإسلامه ولا تعاقب كافرا بكفره.. ولكنها لا تُغالَب لأنها غلاّبة. فيكون معنى الاتّباع توسّد خُطَى الأثر السّائر في حركة لا تتوقّف حتىّ تتوقف حياة الإنسان بسلب حيويته بمرض مُقعد أو بنزع حياته بموت مُفند.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!