-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
سوق السيارات في سطيف خاو على عروشه

بيع السيارات مؤجل.. والسماسرة تحت الصدمة

سمير مخربش
  • 24244
  • 0
بيع السيارات مؤجل.. والسماسرة تحت الصدمة

عرفت سوق السيارات بمدينة سطيف مع نهاية الأسبوع المنقضي، أي أيام الأربعاء والخميس والجمعة، أجواء خاصة خيّم عليها طيف الإعلان عن قرار استيراد السيارات، الذي قلب الموازين وغيّر معايير البيع والشراء، وخلق صدمة وسط السماسرة الذين أدخلوا مرحلة جديدة في الحركة التجارية للمركبات.

سوق سطيف تعد أفضل مقياس لتجارة السيارات في الجزائر، باعتبارها واحدة من أكبر الأسواق على المستوى الوطني، يقصدها الناس من مختلف الولايات. في سوق تنفرد بامتلاكك لسيارة تشتريها بسعر مرتفع وتكسبها لمدة 5 سنوات فتنال منها ما تنال، وعندما تقرر أن تبيعها يمكنك أن تظفر بفائدة معتبرة، وهي الظاهرة التي تنفرد بها سوق السيارات في الجزائر في تناقض صارخ مع كل النظريات الاقتصادية.

وأما سوق سطيف فقد فضلنا زيارتها في أمسية الأربعاء الأخير، أين يفترض أن تكون الأسعار قد دخلت اللعبة، وتجاوب الزوار مع عملية البيع والشراء، لكن المفاجأة التي صدمتنا هي الفراغ الكبير الذي تعرفه السوق، حيث لفت انتباهنا أن المركبات لم تدخل بالعدد المعهود بل وحتى بنصف العدد، فسوق سطيف تعني عادة زحمة كبيرة في الطريق المؤدي إلى موقع العرض، لكن هذه المرة الولوج إلى السوق كان سهلا للغاية والركن كذلك، والمساحات الشاغرة كانت بارزة في كل الأرجاء تصلح للعب مباراة كرة، والتي تعني أن الباعة فضلوا عدم التردد على المكان خوفا من الخذلان الذي قد يصيبهم بسبب الأسعار الجديدة، التي فرضها قرار استيراد السيارات التي يقل عمرها عن 3 سنوات، والذي حرك الحظيرة وخلط أوراق الباعة والراغبين في الشراء على حد سواء.

السوق هنا تبدو منظمة ومقسّمة حسب نوعية المركبات فهناك جهة مخصصة للسيارات القديمة ومعها المخصصة للفئة الضعيفة والمتوسطة، وهناك جهة ثانية مخصصة للسيارات الغالية والفارهة، والجهة الثالثة مخصصة للمركبات التجارية والنقل الجماعي، أما نحن فقد فضلنا النزول بالمنطقة المخصصة للفئة المتوسطة، وهي التي تحظى بشعبية كبيرة وبعدد أكبر من الزوار، وعلى أهميتها لم تكن تعرف تلك الزحمة المعهودة والحركة بها كانت سهلة للغاية، والألسن هنا تتداول عبارة “السوق اليوم فارغ”.

وقد لاحظنا الحيرة والتحفظ الباديان على البائع والشاري، فالأسعار ظاهريا تبدو قد تراجعت بشكل كبير أو كذلك أرادها الزبائن. فأول بائع التقيناه وهو تاجر خضر وفواكه في الثانية والأربعين، يقول السيد عماد بأن سيارته من نوع يبجو 206 سنة أول استعمال 2003، تلقى عرضا في سوق الأسبوع الماضي بقيمة 98 مليون سنتيم، وفي هذه السوق العرض لم يتجاوز 69 مليون سنتيم، أما صاحب سيارة “داسيا” سنة 2004، وهو شيخ قارب السبعين فقد تلقى عرضا بـ 60 مليون سنتيم، وهو الذي كاد أن يقترب من 100 مليون في سوق سابق، مما جعل العم زواوي يغادر باكرا، في حين أن صاحب سيارة “بارتنير” سنة 2011 قد تلقى عرضا بـ 175 مليون سنتيم، ويقول صديقه بأنه اشترى مثيلة لها منذ شهر فقط بسعر 240 مليون سنتيم، وهي قيمة تبقى صعبة المنال في الوقت الحالي. نفس الشيء بالنسبة لبائع آخر حيث يقول “يونس.ب” بأن هناك تراجع في عرض الأسعار يتراوح ما بين 20 و30 مليون سنتيم، صاحبنا يؤكد على تراجع في عرض الأسعار وليس في البيع والشراء. وبالنسبة للذين اشتروا سيارات في الأيام القليلة الماضية فقد أصيبوا بحمى وآلام في البطن لأنه حسب الأسعار المعروضة سيتكبدون خسائر معتبرة، بل إنهم قد تكبدوها فعلا.

الدخول إلى السوق مثل الخروج منها

بالفعل ما لاحظناه من خلال جولتنا، عملية البيع معلقة والسوق تسير تحت شعار لا بيع ولا شراء، والناس يتجولون في فسحة بين المركبات وهناك شح وتراجع في عرض الأسعار مع تحفظ كبير.

وما وقفنا عليه ميدانيا أن الوقت اقترب من زمن المغرب دون تسجيل أي عملية بيع، فلا توجد سيارة مغلقة والغلق يعني أنها بيعت في لغة السوق، فكل السيارات ظلت مفتوحة مثلما هي مفتوحة أفواه أصحابها، وهناك من لم يتلق أي عرض وهو مرشح للخروج من السوق دون ذلك.

ومع هذه الأجواء الغامضة الصدمة كانت أكثر وسط السماسرة، الذين انسحب أغلبيتهم من السوق خوفا من مغامرة مجهولة العواقب، وهو ما أكده لنا أحد العارفين بالميدان، حيث يقول أن تجميد حركة البيع سببها انسحاب السماسرة الذين صدموا بالوضع، ويؤكد أن الرافضين الأوائل لقرار استيراد السيارات هم السماسرة باعتبارهم الخاسر الأكبر فقد اعتادوا على تحقيق هامش ربح كبير يصل إلى 50 مليون سنتيم أو يزيد، وهناك سماسرة يتحكمون في السوق ولهم في كل أسبوع أكثر من سيارة تباع وتشترى بأسعار خيالية، وهم من المتسببين في ارتفاع أسعار السيارات في الجزائر لكن هذه المرة أصيبوا بصدمة وهم في حيرة من أمرهم. في حين يقول أحد السماسرة الذي التقيناه في سوق سطيف بأن الأسعار لم تتراجع فلا توجد عمليات بيع وشراء والناس متخوفة فقط بفعل قرار الاستيراد، فالباعة تمسكوا بسياراتهم ولم يتنازلوا عنها في انتظار اتضاح الرؤية أكثر في الأسواق المقبل.وفي كل الأحوال يقول السمسار الذي تحدثنا معه الوضع صعب للغاية والتريث أفضل من أي خطوة أخرى.

تراجع افتراضي للأسعار وللسوق لغة أخرى

هذا الركود قابلته ملامح للبهجة والفرح وسط المقبلين على الشراء، وأغلبيتهم كانوا من الفئة المتوسطة ومن الفضوليين الذين جاؤوا إلى السوق للاستمتاع بما أسموه بتراجع الأسعار، وهي الفكرة التي غذّتها مواقع التواصل الاجتماعي التي تحدثت عن انهيار كبير في أسعار السيارات، وكل الناس باتوا يحلمون بامتلاك سيارات والتخلص من معاناة وسائل النقل.

وكما قال أحدهم كل الجزائريين باتوا يضغطون على دواسة البنزين ودخلوا في زحمة كبيرة للمركبات لكن كان ذلك في الأحلام فقط. فبالنسبة لسيارة “الماروتي” التي يضرب بها المثل في الصغر في كل شيء وبأنها سيارة الفقراء، والتي قالوا افتراضيا إن سعرها وصل إلى 20 مليون سنتيم، فكل ذلك أضغاث أحلام لأن الواقع غير ذلك تماما.

وأما بالنسبة للسيارات الفارهة من “المرسيدس” وأخواتها فالتخوف كبير جدا، لكن هناك من تلقوا عروضا عادية ومعتادة في الأسواق الماضية، ولا حديث عن تراجع الأسعار، بل يقول أحد الباعة والعهدة على الراوي أنه باع منذ شهر سيارة قولف ” جي تي دي” بسعر 500 مليون سنتيم، وقد وجدها اليوم معروضة للبيع وصاحبها تلقى عرضا بـ 570 مليون سنتيم، فهو يتساءل أين هو تراجع الأسعار الذي يتحدثون عنه، لقد أنزلوها في الفايس بوك فقط في حين الواقع شيء آخر.

هذه هي سوق السيارات في سطيف والجزائر مملوءة بالتناقضات وتضارب الآراء والتخوف والحيرة، والأغلبية تطبق نظرية تريث وترقب فالسوق خداعة أحيانا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!