-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين الرجل والمرأة في عيد المرأة

محمد بوخطة
  • 2371
  • 3
بين الرجل والمرأة في عيد المرأة

أبهرتني السيدة نعيمة عميار، عضو اتحاد النساء الجزائريات، وهي تتحدث عن المرأة في المجتمع، كادت تقنعني بأن الحياة حرب بين الجنسين ـ وما هي كذلك ـ لا أشك أن ثقافة المرأة الجزائرية وفكرها أرقى مما قدمته السيدة نعيمة، مع كامل الاحترام لشخصها.

لقد استفزت قلمي لا للرد عليها فما أرى منطقها في الحديث يستحق، ولكن لأشارك قراء “الشروق” بعض شجوني في هذا الشأن:

1ـ إن الحياة ليست حربا بين الرجل والمرأة تتداول الأيام معاركها بين انتصار مرة وانهزام أخرى، إنها تكامل بين الاثنين لا يطيب الوجود إلا به.. لن يستمتع بالحياة رجل ليس في حياته أنثى ولن تستعذبها أنثى ليس في حياتها رجل، إنها الأم، إنها الأخت، إنها الزوجة، إنها البنت، إنها الزميلة، وإنه الأب والأخ والزوج والولد والزميل.. بهذا المنطق الإنساني النزيه تدار العلاقة بينهما في المجتمعات وبمثله تعالج إشكالات الحياة عندهما.. 

 ألسنا نضفي على أحكام القضاء قدسية ونعاقب على الطعن فيها بمقتضى القانون ونعتبر ذلك جريمة لأنه يخلُّ بأداء السلطة القضائية ودورها في حماية المجتمع وتحقيق العدالة فيه؟ فهل كثير على المُحْكَمِ في الدين أن تكون له هذه القدسية؟ إنني لا أصدر أحكاما، ولكني أستفزُّ العقل ليعيد النظر في مساحات غفل عنها أو أغفلها؟ 

 2ـ إن طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع الجزائري في عمومها وسَطِية جدا فليس فيها جمود الشرق ورجوليته، وأقصد سيطرة الرجل على العلاقة، وليس فيها تحلل الغرب وإباحيته التي لا تقيم وزنا للفوارق الطبيعية بينهما، فالمرأة عندنا قد تبوأت أعلى المناصب والوظائف ومارست المسؤولية على الرجال والنساء سواء، تعمل النساء تحت سلطة الرجال ويعمل الرجال تحت سلطة النساء ولا يثير ذلك أي حساسية أو توجس في المجتمع بل إن المرأة عندنا قد نالت مكانة أرقى حتى من نظيراتها الأوروبيات في ما يتعلق بتشريعات الوظائف العمومية مثلا، وحتى إن وُجد الخلل فلن يصلحه فرض أحدهما على الآخر بقانون “الكوطة” مثلا فليس ذلك إلا إذكاء لشرارة الفتنة بينهما، إنما يحصل بترقية ثقافة المجتمع ليفرض من ذاته الإنصاف والتصحيح. 

3ـ ليس الرجل أفضل وليست المرأة أفضل، بل كلاهما أفضل، وليس أحدهما تكراراً للآخر ـ هكذا لا يكون لاختلافهما معنى، فلا مجال للمقارنة بينهما، ولم يفرق الخالق بينهما عبثا، كل منهما نسيج وحده، وكل منهما ميسر لما خلق له، وكل منهما لا يستقيم وجود الآخر إلا به، ولا مجال لحشرهما في دائرة المقارنة بل إن الدعوة إلى المساواة المطلقة بينهما ظلم لكليهما فالعدل والإنصاف أولى بهما، هذا العدل الذي قد يفرض المساواة أحيانا ويفرض تقديم أحدهما على الآخر أحيانا أخرى.

4ـ إن أي مشروع مجتمع يحمل فلسفته الخاصة به في مختلف مناحي الحياة التي تتكامل بمقتضاها منظوماته القانونية المختلفة وفق نسق منسجم لتستجيب لهذه الفلسفة، ولذلك فإن التلفيق غير الواعي للنظم القانونية التي تنتمي إلى مشاريع مجتمعية مختلفة سيبدو نشازا ولا يمكن أن يحقق الأفضل، بل سيُربك المشروع كله فيصبح ضرره أكثر من نفعه..

وإذا كان قانون الأسرة عندنا يستمد أغلب أحكامه من الشريعة الإسلامية، فلا يُنتظر منه أن يكون مثاليا في ظل منظومات قانونية في مجالات حياتية أخرى متداخلة معه لا تناغم بينها وبينه، سيبدو نشازا، وكلما حاولنا إصلاحه أفسدناه أكثر حتى نجعله عرضة للهمز واللمز ممن يفهم، وفي كثير من الأحيان ممن لا يفهم، بالضبط كما حاولت المتحدثة أن تفعله حين عَرَّضَت بنصيب الأنثى في الميراث الذي هو نصف نصيب الذكر في رأيها، والحقيقة غير ذلك تماما فما للذكورة والأنوثة علاقة بتحديد أنصبة الميراث بل الأمر متعلق بمعايير أخرى مرتبطة بالحياة وأعبائها ودرجة القرابة، أما الاستدلال بقوله تعالى: “يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنثَيَيْنِ”.. على هذا الادعاء فلا قيمة له عند العقلاء، الله تعالى لم يقل: يوصيكم الله في النساء والرجال ـ على المطلق ـ للذكر مثل حظ الأنثيين.. أبدا وإنما قال: “في أولادكم” فهي حالة خاصة يتفاوت فيها نصيب الذكر والأنثى كما قد يتفاوت في حالات أخرى بين ذكر وذكر أو أنثى وأنثى باختلاف الصفة لا الجنس.. وتمام نفس الآية دليل على ذلك: “فَإِن كُنَّ نِسَاءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ”.. فالأب ذكر ولكن نصيبه هاهنا أقلّ من نصيب البنت التي تأخذ نصف التركة لوحدها كما أن نصيب الأم مساو لنصيب الأب في استحقاق السُّدس كما ترى وهما ذكر وأنثى، ليتأكد أن معيار التفريق غير الذكورة والأنوثة.

 ثم إن الذين يتنكرون لذلك ينسون أو يجهلون أن القانون الإسلامي لم يجعل المرأة منفقة على نفسها أبدا ولم يكلفها ذلك، بل جعل حاجتها المادية واجبة على أقرب ذكر إليها تُؤخذ منه عنوة بقوة القانون إن امتنع عن أدائها أي عناية مادية أفضل من هذه.

5 ـ أعجب لمن ينظر في مسالك بعض المنتسبين إلى الدين ثم يتخذها حجة لمعاندة الدين والتجني على الحقيقة بل على الله أحيانا، أدرك جيدا أن بعض نماذج المتدينين التي تعرض نفسها في سوق البشر ليست بضاعة رائقة بله أن تكون رائجة، غير أن الله لم يوجِّه خطابه بدينه إلى لحية أو جلباب إنما وجهه إلى الإنسان بصفة العقل فقط، إن كثيرا من مسالك بعض المنسبين إلى الدين تعبِّر عن بُعدهم عنه لا عن قربهم منه، فأي منطق يُعقل في اتخاذها معيارا للحكم على الدين ذاته؟

 غير أن الالتزام جزء من الحقيقة الدينية بل هو جزء من كل انتساب في دين أو دنيا نمارسه في تفاصيل حياتنا، ألا ترى أن لكل المؤسسات سياسية كانت أم مدنية أنظمة داخلية وقوانين أساسية إذا خَرجتَ عنها إلى حد ما حرمتك من نسبها واستبعدتك من كيانها ولا تنكر أنت ذاتك ذلك لأنك تراه من التنظيم والمدنية؟ فهل تستكثر مثل ذلك على الله حين تنتسب إلى دينه طائعا غير مكره؟

 ألسنا نضفي على أحكام القضاء قدسية ونعاقب على الطعن فيها بمقتضى القانون ونعتبر ذلك جريمة لأنه يخلُّ بأداء السلطة القضائية ودورها في حماية المجتمع وتحقيق العدالة فيه؟ فهل كثير على المُحْكَمِ في الدين أن تكون له هذه القدسية؟ إنني لا أصدر أحكاما ولكني أستفزُّ العقل ليعيد النظر في مساحات غفل عنها أو أغفلها؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • نصيرة/بومرداس

    انا لا اؤمن بوجود حرب بين الرجل والمراة لكن بعض الرجال الحاقدين خصوصا على المراة العاملة ويتهمونها دائما وبعض المتحرشين بها يبررون لانفسهم انه بسبب لباسها او كلامها او خروجها هل خروج امراة من البيت يخول لهم التحرش بها اوسبها او غير ذلك....هؤلاء يجعلوننا نحس بوجود هذه الحرب.

  • بدون اسم

    السلام عليكم
    شكرا ..
    .. كاين حاجة ، أو " ظاهرة أهـــــــــــم " دخيلة على مجتمعنا،
    رانا نشوفوها في الميدان ،وهي في تزايد مستمر ؟
    الخيوط لي - تفصل بين المرأة والرجل تكاد تختفي ؟؟؟؟؟ !!!!!!!!
    أو في طريقها الى الانقراض ؟؟؟؟؟؟ !!!!!!!
    وشكرا

  • فوضيل

    أظن انه يجب علينا مراجعة بعض المفاهيم المغلوطة المنتجة للتفوق الرجولي ودونية المرأة، المرأة المسلمة تحقق أحلامها في الغرب وتصل إلى مستويات عالية من المسؤولية بينما مازالت تحلم في قيادة السيارة في بعض البلدان العربية، الرجل عندنا لم يغير إيديولوجيته نحو نظرته للمرأة من أنها التابع المأمور الخادم للزوج والأولاد نهارا وللمتعة الجنسية ليلا وأنها واحدة من الأربعة الحلال، كم نحن بحاجة إلى دمج الفكر بالمشاعر والحس المرهف الذي لا يقبل الظلم، كم نحن بحاجة إلى الحكمة العفويَّة التي لازمت جدّاتنا وأمهاتنا.