-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين المغنية دايان والأميرة مَيْ

حسين لقرع
  • 1131
  • 0
بين المغنية دايان والأميرة مَيْ

خلال زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن الأخيرة إلى فلسطين المحتلة، مدّ يده ليصافح المغنية الصهيونية يوفال دايان، لكنّها فاجأته برفض مصافحته وقال إنها “متديّنة”، وتناقلت وسائلُ الإعلام العالمية الخبر، وانتهى الأمرُ عند هذا الحدّ، برغم أنّ أمريكا هي الراعي الأول للاحتلال، وهي التي تموّله وتسلّحه وتضمن تفوّقه النوعي على العرب جميعا طيلة 74 سنة، ولم يتّهمها أحدٌ من قادة الاحتلال بأنّ امتناعها عن مصافحة رئيس أكبر دولة في العالم سلوكٌ مشين أو أنّها قامت بحركةٍ استعراضية لتسليط الأضواء عليها.

بعد أيام من حادثة المغنية الصهيونية والرئيس بايدن، تُوفِّي والدُ السفير الأمريكي في العاصمة البحرينية المنامة، فذهبت الأميرة مي بنت محمد آل خليفة، وهي من الأسرة الحاكمة بالبحرين وتشغل منصب رئيسة هيئة الثقافة والآثار، إلى بيت السفير الأمريكي لتعزيته، وهناك قدّم لها السفيرَ الصهيوني بالمنامة فسحبت يدها ورفضت مصافحتَه، فبلغ الخبرُ أميرَ البحرين حمد بن عيس آل خليفة فأقالها فورا من منصبها عقابا لها على رفضها الضمنيّ للتطبيع، وشُنّت عليها بعدها حملة تشويه اتُّهمت خلالها بـ”القيام بحركة استعراضية قصد تحقيق الشهرة واستقطاب الأضواء”.

غير أنّ ما فعلته الأميرة مَيْ أثار ردود فعل واسعة في العالم العربي، وأشاد الكثيرون بسلوكها، حتى وإن كان الثمنُ الذي دفعته هو الإقالة من الوزارة، فقد وقفت الأميرة وقفة عزّ وانحازت إلى الشعب البحريني الرافض للتطبيع حينما أتيحت لها الفرصة للتعبير عن موقفها الحقيقيّ، وهو سلوكٌ نادر لدى المسؤولين العرب الذين عادة ما يسكتون عن الحقّ مجاملةً لأنظمتهم وحفاظا على مصالحهم وامتيازاتهم، وقد يمضي بعضُهم في غيّه لا يلوي على شيء حينما يتعلّق الأمر بمجاملة الملك أو الأمير، ومن الأمثلة على ذلك أنّ حزب العدالة والتنمية الإسلامي المغربي، كان يجاهر برفض التطبيع ويعدّه عمالة للاحتلال وخيانة عظمى لفلسطين والمسجد الأقصى ولتضحيات الشهداء الفلسطينيين، ولكنّ حينما قرر “أميرُ المؤمنين” التطبيعَ مع الاحتلال في ديسمبر 2020، مقابل اعتراف الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته دونالد ترامب بـ”سيادة” المغرب على الصحراء الغربية، لم يتوانَ سعد الدين العثماني، رئيسُ الحكومة المغربية آنذاك، وأحدُ قادة حزب العدالة والتنمية، عن توقيع اتفاق التطبيع بنفسه مع الصهيوني مائير بن شابات بالرباط، متنكّرا بذلك لكل مبادئه وقناعاته وتصريحاته العنترية السابقة، وكان ذلك أحد أسباب فقدان شعبيته والسقوط المدوّي للحزب “الإسلامي” في الانتخابات التشريعية الأخيرة.

ما فعلته الأميرة مَيْ هو نقطة مضيئة في زمن التسابق المحموم نحو الاستسلام المُذلّ للعدو والانبطاح المهين وإقامةِ علاقاتٍ وثيقة معه في شتى المجالات على حساب الفلسطينيين وقضيّتهم العادلة، وقد أضيف إليها منذ بضعة أيام نقطةُ ضوءٍ أخرى لم تنجح دولُ الانبطاح المُخزي في التعتيم عنها؛ إذ نشر “معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى” نتائج استطلاع رأي أجراه في عدد من دول الخليج بشأن التأييد الشعبي للتطبيع، وجاءت النتائج صادمة للنظامين المطبِّعيْن في البحرين والإمارات، إذ لم تتجاوز نسبة المؤيّدين 19 بالمائة في البحرين و25 بالمائة في الإمارات، ما يعني باختصار أنّ الأنظمة المنبطحة في واد، وشعوبها في واد آخر، وهذا أمرٌ غير جديد في الواقع لدى الشعوب العربية الأصيلة الرافضة لعار الخيانة؛ فالنظام المصري يطبّع مع الاحتلال منذ 1979، ولكنّ الشعب المصري بقي يرفض التطبيع إلى حدّ الساعة، وخلال ثورة 2011 حاصر آلاف المتظاهرين السفيرَ الصهيوني بمقرّ سفارته، وكادوا ينجحون في الوصول إليه والفتكِ به لولا تهريبه بطائرةٍ عمودية. ونحن متأكدون تماما أنّ بقية الشعوب التي تطبّع أنظمتُها العميلة ستفعل المِثل لو أتيحت لها الفرصة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!