-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين المُنتًخبين الإيطالي والجزائري

حسين لقرع
  • 904
  • 1
بين المُنتًخبين الإيطالي والجزائري

يوم 24 مارس الماضي، خسر المنتخبُ الإيطالي بطاقة التأهُّل إلى نهائيات كأس العالم 2022 بعد أن تعرّض إلى هزيمةٍ مفاجِئة أمام منتخب مقدونيا الشمالية المتواضع بهدفٍ قاتل في الوقت بدل الضائع وفي عقر داره، وصُدم بطلُ العالم أربع مرات لهول الفاجعة، لكنّه تجرّعها سريعا، وقال المدافع جورجيو كيليني لتلفزيون “راي” الإيطالي: “نحن الآن في حالة ذهول، أعتقد أننا قدّمنا مباراة جيدة ولم نسجّل الهدف، لقد ارتكبنا أخطاء خلال التصفيات إلى الآن ودفعنا ثمنها، أنا فخورٌ بزملائي في الفريق. يجب أن نبدأ من جديد”.

لم نسمع بعدها أنّ الإيطاليين دخلوا في حالة حداد، أو لم يهضموا إقصاءهم إلى الآن، بل إنهم بدأوا يتداعون إلى التفكير في كأس أوربا 2024 وكأس العالم 2026، لأنّ الإقصاء عندهم ليس نهاية العالم، ويجب أن يبدأوا في كلّ مرة من جديد، وهذه هي سنّة الحياة.

أما في الجزائر، فقد أقيمت الدنيا ولم تُقعَد منذ إقصاء المنتخب على يد الكاميرون في 29 مارس، ورغم مرور نحو 50 يوما على المباراة، لا يزال هناك من لم يتجرّع بعدُ مرارة الإقصاء، ويكفي أن نشير إلى أنّ اتحادية كرة القدم أصدرت قبل أيام بيانا جديدا قالت فيه إنها تنتظر فصل الاتحاد الدولي لكرة القدم في “القضية”، مع أنّه فصل فيها فعلا ببيان يحمل رفضا واضحا لإعادة المباراة، وهناك من يتحدّث الآن عن اللجوء إلى المحكمة الرياضية الدولية للمطالبة بإعادتها، لتستمرّ بذلك حلقاتُ هذا المسلسل الذي أثار ضجّة كبيرة غير مستحقة في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي وشغل الجزائريين طويلا وجعلهم يتعلّقون بالوهم ويروِّجون لنظرية المؤامرة على نطاق واسع، مع أنّ اللاعبين والطاقم الفني يتحمّلون مسؤولية تضييع التأهّل في الثواني الأخيرة من المباراة ولا علاقة للتحكيم بفقدان تركيزهم.

بعضُ المحلّلين الرياضيين سامحهم الله لا يزالون إلى الآن يتحدّثون بالكثير من الحرقة والحزن عن الإقصاء من كأس العالم، ويصفونه بـ”الكارثة”، مع أنّ الأمر يتعلّق بمباراةٍ كروية فقط، والخسارة فيها محتمَلة، وليس هناك فريقٌ لا يُهزم، حتى البرازيل خسرت في ملعبها نصفَ نهائي كأس العالم 2014 بسبعة أهداف كاملة أمام ألمانيا ولم تصف الخسارة بعدها بـ”الكارثة”.. وحدثت هزائم مريرة عديدة لمنتخباتٍ عالمية أخرى وتجاوزتها ونهضت بسرعة لتحقِّق الانتصارات.

إنّ خسارة مباراة كرة، مهما كانت أهميتُها، ليست كارثة، بل الكارثة الوطنية هي فقدان السيادة مثلا، وقد حدث ذلك في 5 جويلية 1830، ولا نزال نعاني آثارها المأساوية إلى الآن.. الكارثة هي أن نتحوّل من بلدٍ كبير مصدِّر للقمح إلى رابع بلدٍ مستورِد له في العالم بـ7.7 مليون طن سنويًّا.. الكارثة هي أن يبقى اقتصادُنا ريعيا مبنيا على المحروقات بعد 60 سنة كاملة من الاستقلال ونعجز عن بناء اقتصادٍ تنافسي قائم على العمل منتجٍ للثروة ومناصبِ الشغل حتى نقي أبناءنا شرّ ركوب قوارب الموت إلى أوربا والغرق في عرض البحر، بالأمس فقط تُوفي 11 شابا في مقتبل العمر غرقا في فوكة بتيبازة.. الكارثة هي أن نستمرّ في استيراد الحليب والغذاء والدواء والأدوات المدرسية والألبسة وأبسط حاجياتنا وتنهار قيمة عملتنا وتلتهب الأسعار برغم كلّ الثروات التي تزخر بها بلادنا، في حين تقدّمت دولٌ كانت أقلّ شأنا منا في السبعينيات ككوريا الجنوبية واسبانيا وتركيا وحقّقت مستوياتٍ معيشية عالية لشعوبها… الكارثة هي أن نعجز عن استغلال أدمغتنا وعقولنا ونتركها تهاجر وتساهم في ازدهار شتى البلدان بدل أن نمكّنها من قيادة قاطرة التنمية الوطنية… هذه هي بعض الكوارث الحقيقية وليست خسارة مقابلةٍ كروية…

مباراةُ كرة قدمٍ في إيطاليا بقيت في إطارها الرياضي البحت وتجاوزها الإيطاليون بسرعة، وهذا هو الطبيعي، أمّا في الجزائر فقد أريد لمقابلةٍ كروية أن تتحوّل إلى قضيّةٍ وطنية ودولية تملأ الورى وتشغل الجزائريين أطول مدّةٍ ممكنة لإلهائهم عن همومهم المعيشية اليومية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • بليدي

    يا أستاذ، الفرق بيننا و بين الإيطاليين أن كرة القدم في الجزائر هي للأسف المصدر (الوحيد) للسعادة و هي بمثابة مخدر (حلال) للشعب الجزائري للهرب من واقعه المر !