الرأي

بين النقاب و”الميني”!

لا أذكر أن مصالح المديرية العامة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري في بلادنا، أصدرت تعليمة عملية، أو قانونا جديدا حاولت من خلاله رفع مستوى الأداء أو إيقاف الزور والظلم، الذي يعرفه القطاع الحيوي في البلاد الذي مازالت فيه مناصب الشغل لمن لا يستحقها، والأكفاء خارج التوظيف، ومع ذلك أطلت علينا هذه المديرية بتعليمة تركت فيها لبّ الموضوع المسماة باسمه أي الوظيفة، والتفتت إلى قشوره وهو اللباس الذي ترتديه بعض الموظفات وربما عددهن لا يتعدى أصابع اليد.
بعيدا عن الحكم الفقهي ورأي الشريعة والشارع والجدل حول هوية النقاب، إن كان من الدين ومن روح المجتمع الجزائري، فإن “طاقية الإخفاء” الحقيقية التي صار من الضروري التحرك السريع لنزعها هي التي لفت وجوه القائمين على شؤون البلاد من وزراء ونواب، الذين لم نعد نعرف لهم رأيا ولا لسانا، ولا نقول وظيفة عمومية.
أليس من صلاحيات المديرية العامة للوظيفة العمومية أن تسنّ قوانين تقي الموظفين معنويا على الأقل من لدغة العقارب، كما حدث للدكتورة عائشة عويسات التي ماتت في صمت، وبرّأ الموظف برتبة وزير الصحة العقرب؟ أليس من صلاحياتها أن تطلق تعليمة تمنع غلق أبواب المؤسسات التي هي في الأصل تابعة لها، بالسلاسل والأقفال كما حدث في مقر البرلمان حيث لا “وظيف” ولا “عمومي”؟ أليس من صلاحياتها أن تحقق لأطباء الجزائر الذين تكوّنوا من “نفَس” الدولة و”نفيسها”، كل شروط العمل، حتى لا يهاجروا إلى بلاد الدنيا، ويبلغ تعدادهم في فرنسا فقط ثمانية عشر ألف طبيب اختصاصي، ارتضوا العمل مع مديريات الوظيفة العمومية في فرنسا، وتركوا لنا الداء والأوبئة؟ أليس من صلاحياتها أن تنقذ المدرسة الجزائرية من موظفين يتقاضون مرتبات قارة ويضعون التلاميذ الأبرياء رهينة الدروس الخصوصية؟ أليس من صلاحياتها أن تزرع دماء جديدة وتجعل الشغل متعة وليس هروبا من العمل بلغ رقما لم يحدث في تاريخ البشرية وكلّف الصندوق الوطني للتأمينات الاجتماعية للعمال الأجراء أكثر من اثني عشر مليار دينار في النصف الأول من السنة الحالية؟ أليس من صلاحيات المديرية العامة للوظيفة العمومية أن تضع الرجل المناسب في المكان المناسب، وتشترط الشهادات الجامعية العليا لأجل إدارة الأعمال حتى لا تبقى مستشفياتنا الموبوءة وجامعاتنا المتخلفة تدار من مديرين لا يمتلكون شهادة البكالوريا، وبعضهم طرق باب الثمانين خريفا ويطمع في المزيد؟
صحيح أننا جميعا مسؤولون عن الوضع البائس الذي بلغته البلاد فصار حديث الناس وهمّهم قطعة قماش لفت وجه سيدة أو طارت من سيقان أخرى، وجهلنا بأن العبادة الأولى هي أن نأكل مما نزرع ونلبس مما ننسج، صحيح أننا متورطون جميعا في هذا الجمود الذي جعل الوظيفة عندنا مجرد قتل للوقت، لكن للمديرية العامة للوظيفة العمومية والإصلاح الإداري اليد القوية لنزع النقاب داكن السواد الذي يلف وجه الشغل عندنا!

مقالات ذات صلة