-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

بين خرافة الهولوكوست اليهودية وحقيقة الإبادة الفلسطينية

ناصر حمدادوش
  • 625
  • 0
بين خرافة الهولوكوست اليهودية وحقيقة الإبادة الفلسطينية

يؤكد المفكر الفرنسي “روجي غارودي” في كتابه “الأساطير المؤسِّسة للسياسة الإسرائيلية” في الفصل الثالث: خرافة الملايين الستة (الهولوكوست)، أنَّ خرافة الإبادة الجماعية لليهود على يد النازيين خلال الحرب العالمية الثانية استُخدمت كإحدى أكبر الذرائع الإيديولوجية التي وظَّفتها الصهيونية العالمية لإنشاء دولة إسرائيل.
ومع أنَّ “الإبادة الجماعية” يُقصد بها إفناءُ جميع أفراد الجماعة العِرقية، مثلما تنصُّ عليه النصوص الدينية اليهودية نفسها، فهذا “سِفر يشوع” يحكي عن غَزْوِ “إسرائيل” لبلاد الكنعان وإبادته المقدَّسة لهم، فيقول: “فدمَّرها، وقَتَل كلَّ نفسٍ فيها بحدِّ السَّيف، فلم يفلت منها ناج” (سفر يشوع 10:30)، وهو ما لا ينطبق على ما وقع لليهود على يد هتلر، إذ تزايد عدد اليهود بعد سنة 1945م، وتشكَّلت لهم “دولة” في فلسطين سنة 1948م، فهو لم يستهدف اليهود انطلاقًا من نظريته في تفوُّق العِرق الآري لوحده فقط، بل أعدم آلاف الشيوعيين الألمان، ومارس أبشع أشكال الوحشية ضدَّ الأسرى البولنديين والروس، وانطلق في بداية التخلُّص من هؤلاء اليهود بالتهجير والترحيل مع غيرهم من السّلاف والغجر، باعتبارهم “نفاياتٍ بشريةٍ خطيرة على الشعب الألماني”، وقد ارتبط عداؤه لهم بعدائه للشيوعية، حتى كان لا يفرِّق بينهم، فيَصِفهم جميعًا بالشيوعية اليهودية.
وإذا أمعنَّا النظر في ضحايا الحرب العالمية الثانية نجد أنه قد قُتل 50 مليونًا من البشر (17 مليونًا منهم من الاتحاد السوفياتي، و09 ملايين من الألمان، بالإضافة إلى الملايين من الأوروبيين والأفارقة والآسيويين المجنَّدين)، وهو ما يعني أنَّ المذبحة النازية لم تستهدف الجنس اليهودي لوحده، فلماذا يتم التركيز على الضحايا اليهود دون غيرهم؟ ولماذا يقع العالم ضحية الدعاية الصهيونية لخرافة إبادة اليهود حتى أصبحت شغلَه الشاغل، بل والمبرِّر لحلِّ المسألة اليهودية على حساب الشعب الفلسطيني، ووصلت التشريعات الغربية إلى تجريم كلِّ مَن يُنكر هذه المحرقة بتهمة “معاداة السَّامية”، بل أصبحت “معاداة الصهيونية” هي نفسها “معاداة السامية”، مع أنَّ الأمم المتحدة قد صنَّفت “الصهيونية” كحركةٍ عنصريةٍ يجب التخلص منها سنة 1975م.
لقد بدأ استخدام مصطلح “الهولوكوست” منذ السبعينات، والذي يعكس الإصرار على تحويل الجرائم التي ارتُكبت بحقِّ اليهود إلى حدثٍ استثنائي، لا يمكن مقارنته مع باقي المذابح والجرائم التي تُرتَكب بحقِّ غيرهم عبر التاريخ، بل أضْفوا عليها طابعًا دينيًّا مقدَّسًا، إذْ أنَّ مصطلح “هولوكوست” يعني –كما في “معجم لاروس” هو: “طَقْسٌ للتضحية، مألوفٌ لدى اليهود، وهو حرق القربان بالنار بالكامل”، وهو ما يعني أنَّ محرقة اليهود لا تُقارَن بأيِّ إبادةٍ أخرى، فهي مقدَّسة ولا تتجزَّأ عن مشيئة الرَّب، مثلها مثل صُلب “يسوع” في العقيدة الدينية المسيحية، حتى قال أحد الحاخامات اليهود: “إنَّ إنشاء دولة إسرائيل هو الرَّدُّ الإلهي على الهولوكوست”، مع أنَّ “الهولوكوست” كانت عمليةً مدبَّرة، بالتقاء إرادة “هتلر” في التخلص من يهود ألمانيا وأوروبا، مع إرادة الحركة الصهيونية (بزعامة اليهود الغربيين: الأشكيناز) بدفع اليهود إلى الهجرة إلى فلسطين، وقيام إسرائيل على العقيدة الأمنية والتفوُّق العسكري من أجل ضمان حماية اليهود في العالم، وهو ما يعبِّرون عنه في الغرب بـ”الحل النهائي” للمسألة اليهودية عبر ذريعة “الإبادة الجماعية”، ولعب دور الضَّحية والمظلومية، ووجوب تكفير هذا الغرب عن هذه الخطيئة التاريخية اتجاه اليهود بالدعم المطلق لإسرائيل الآن.
وحسب غارودي، فإنَّ من أكبر الدلائل على تهاتف خرافة المحرقة اليهودية، والعدد المبالغ فيه (06 ملايين يهودي)، هو تضاربُ الأرقام في العدد الإجمالي لها، فقد بدأ بالعدد 09 ملايين حسب فيلم “الليل والضباب” سنة 1955م، ثم 08 ملايين حسب كتاب “وثائق عن تاريخ الحرب” الصادر بفرنسا سنة 1995م، ثم 04 ملايين حسب التقرير السوفياتي الذي تعتبره محكمة “نورمبرغ” دليلاً قاطعًا حسب قانونها الأساسي، ثم 02 مليون حسب بعض المؤرخين، كما في كتاب “صلوات الكراهية” الصادر سنة 1974م، ثم 1.2 مليون حسب بعض المؤرخين، كما في كتاب “القضاء على يهود أوروبا” الصادر سنة 1985م، وحسب جريدة “لوموند” الفرنسية الصادرة بتاريخ 23 جويلية 1991م، فإنَّ مدير “معهد التاريخ المعاصر” التابع للهيئة الوطنية للبحث العلمي بباريس يؤكد أنه: وبعد أبحاثٍ تاريخيةٍ طويلة، شارك فيها علماء من جنسياتٍ مختلفة، فقد أصبح من المتفق عليه بين المتخصصين أنَّ العدد لا يقلّ عن 900 ألف، ولا يزيد عن مليون و200 ألف.

يشير الكتاب السنوي اليهودي الأمريكي رقم (5702) الذي يتناول الفترة من سبتمبر 1941م إلى سبتمبر 1942م أنَّ عدد اليهود في أوروبا الخاضعة للسيطرة الألمانية في تلك الفترة هو 3 مليون يهودي فقط، فكيف يُباد منهم ستة ملايين؟ يقول “غارودي” مستغربًا: “لا يزال هناك مَن يردِّد رقم “ستة ملايين”، متَّبِعًا في ذلك عملية حسابية غريبة، وهي: 6– 3 = 6؟!

ويشير الكتاب السنوي اليهودي الأمريكي رقم (5702) الذي يتناول الفترة من سبتمبر 1941م إلى سبتمبر 1942م أنَّ عدد اليهود في أوروبا الخاضعة للسيطرة الألمانية في تلك الفترة هو 3 مليون يهودي فقط، فكيف يُباد منهم ستة ملايين؟ يقول “غارودي” مستغربًا: “لا يزال هناك مَن يردِّد رقم “ستة ملايين”، متَّبِعًا في ذلك عملية حسابية غريبة، وهي: 6– 3 = 6؟!
وقد ذكر المؤرِّخ الإسرائيلي “يهودا باور” مدير قسم دراسات الهولوكوست في الجامعة العبرية أنَّ رقم ستة مليون لا أساس له من الصحة، كما أشار مؤرخون متخصصون أنَّ هؤلاء لم يَلقوا حتفهم من خلال المحرقة بأفران الغاز وحسب، وإنما ماتوا أيضًا بسبب الجوع والمرض والأوبئة والانتحار، ومن خلال عوامل طبيعية أخرى. يقول الدكتور “عبد الوهاب المسيري” في كتابه “الصهيونية والنازية ونهاية التاريخ”: “إنَّ ثمة خللاً أساسيًّا في المنطق الصهيوني يمكن تلخيصه في بعض الجوانب، منها: التركيز على اليهود بالذات، مع أنَّ سياسة هتلر في الإبادة كانت موجَّهة إلى غيرهم كذلك، والتركيز على المدنيين دون العسكريين، والتركيز على الماضي من الضحايا اليهود دون الضحايا في الحاضر من مختلف العِرقيات والديانات، وإهمال ما تعرَّض -ويتعرَّض- له الشعبُ الفلسطيني من الإبادة الجماعية والتهجير القسري والتطهير العِرقي اليوم..”. وكأنَّ الدم اليهودي هو أقدس الدماء التي سالت في تاريخ الحروب والصراعات البشرية، وهي نظرةٌ عنصريةٌ استعلائيةٌ مقيتة، فهتلر كانت له مبرِّراته في قتل بعض اليهود في الهولوكوست على خلفية دورهم السلبي في هزيمته في الحرب العالمية الأولى (1914م- 1918م)، وقد بدأ بالتهجير والترحيل قبل القتل، ولم تكن له نيّة الإبادة الجماعية لكل اليهود، ولم يستهدفهم لدينهم وعِرقهم دون غيرهم من العِرقيات الإثنية والدينية، ومع ذلك تمَّ تصنيفها “إبادةً جماعية”، وكانت مبرِّرًا لإنشاء الكيان الصهيوني على أرض فلسطين، ولا تزال إسرائيل المرتزقة تبتزُّ الدول الغربية بها، وسارعت إلى الدفع باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية، وهي أول معاهدة لحقوق الإنسان اعتمدتها الأمم المتحدة سنة 1948م، والتي تعني الأفعال المرتكَبة على قصد التدمير الكلي أو الجزئي لجماعةٍ قوميةٍ أو إثنية أو عنصريةٍ أو دينية، وهي الاتفاقية التي تعاقب على: الإبادة الجماعة، أو محاولة ارتكابها، أو التآمر فيها، أو التحريض المباشر والعلني عليها، أو الاشتراك فيها. وقد أدّت الحركة الصهيونية دورًا كبيرًا في التسريع بهذه الاتفاقية، وانضمّت إسرائيل إليها سنة 1951م، وهي مهتمةٌ بها على اعتبار أنَّها خارجةٌ من الهولوكوست، لتدعيم موقفها أمام العالم بأنَّ الشعب اليهودي قد تعرَّض لهذه الإبادة، وهي في ترتيب الجرائم -وفق القانون الدولي الإنساني- أعلى مرتبةً وخطورةً من جرائم الحرب.
لكنَّ المفارقة أنَّ خرافة “الهولوكوست” تسقط اليوم أمام حقيقة حرب الإبادة الجماعية التي يتعرَّض لها الشعب الفلسطيني على يد مَن يدَّعون “الهولوكوست”، فبعد 150 يوم من هذه الحرب الصهيونية المجنونة بلغ عدد الشهداء في غزة أكثر من 30 ألف و500 شهيد (منهم أكثر من 13 ألف طفل، ونحو 09 آلاف امرأة، وأكثر من ألف مُسِنّ)، وأكثر من 71 ألف جريح، وأكثر من 07 آلاف مفقود تحت الأنقاض (75 بالمائة منهم نساءٌ وأطفال)، وتدمير نحو 390 ألف وحدة سكنية، وإسقاط أكثر من 45 ألف صاروخ وقذيفة، بما يتجاوز أكثر من 70 ألف طن من المتفجرات، بما يزيد عن 5 أضعاف قنبلة نووية، ونزوح أكثر من 02 مليون نسمة، وارتكاب أكثر من 2600 مجزرة، واغتيال أكثر من 360 من الكوادر الطبية، واستهداف أكثر من 155 مؤسسة صحية، وتدمير أكثر من 400 مؤسسة تعليمية وجامعية، واغتيال 132 صِحافي، واستهداف 173 مؤسسة إعلامية، وتدمير 85 مؤسسة لوكالة “الأونروا” التابعة للأمم المتحدة، واغتيال 152 من كوادرها، وتدمير 160 مقر حكومي، و230 مركز إيواء، وأكثر من 70 بالمائة من شبكة الكهرباء، و500 مسجد و03 كنائس، وأكثر من 200 موقع أثري وتراثي، وأكثر من ألف قذيفة للفسفور الأبيض المحرَّم دوليًّا، وأكثر من 800 ألف فلسطيني يعيشون المجاعة الحقيقية في محافظتي غزة وشمال قطاع غزة، وتجريف 13 مقبرة ونبش أكثر من 2000 قبر.. وغيرها من الجرائم التي تسعى إلى القضاء على كلِّ مظاهر الحياة من أجل التطهير العِرقي والتهجير القسري، وهو ما يمثِّل إبادة جماعية حقيقية، يتم نقلها على الهواء مباشرةً أمام العالم، ومع ذلك لا تزال إسرائيل تفلت من الحساب والعقاب، وهو ما يشِّجعها على ارتكاب المزيد من هذه الجرائم البشعة.
إنَّ جرائم الإبادة الجماعية المزعومة لليهود (الهولوكوست) هي من بين الأسباب الرئيسة في قيام إسرائيل، وستكون حقائق الإبادة الجماعية ضدَّ الشعب الفلسطيني اليوم هي من بين الأسباب التي تفضح حقيقة النازية الفعلية لإسرائيل، بما سيؤدِّي إلى انقلاب العالم الحرِّ عليها، وستكوم من بين أسباب زوالها في المستقبل القريب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!