الرأي

تجوّع بالنّهار وقم بالأسحار.. تَرَ عجبا من العزيز الغفّار

سلطان بركاني
  • 1679
  • 0
ح. م

الحياة منح وفرص، يسعد بها من حزم أمره وقنص، ورمضان فرصةُ كلّ عبد مؤمن، ليتخلّص من قسوة قلبه وغفلة روحه، ومن همومه وغمومه التي طالما لزمته باللّيل والنّهار، بل وفرصة سانحة ليُشفى من الوساوس والهواجس والأمراض النّفسية والرّوحية والبدنية التي يعانيها. كيف لا وفي هذا الشّهر يجتمع للعبد المؤمن جوع النّهار وقيام اللّيل ودعاء الأسحار؟ يقول العبد الصّالح ذو النّون المصريّ عليه رحمة الله: “تجوّع بالنّهار، وقم بالأسحار، ترَ عجبا من العزيز الغفّار”.. كيف لا وفيه تهبّ النّسمات وتنزّل الرّحمات، وتيسّر الطّاعات وتضعف دواعي الشّهوات.

أخي المؤمن، مهما أحسست بأنّك كنت بعيدا عن الله، تخلّص من ذنوبك بكثرة الاستغفار، وقم في ثلث اللّيل الأخير وقت الأسحار؛ توضّأ وأحسن الوضوء، فرّغ قلبك من مشاغل الدّنيا وشواغلها. أقبل على ربّك بقلبك وجوانحك وجوارحك. تذكّر قوله تبارك وتعالى: “تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ(17)”. صلّ صلاة فقير ذليل بين يدي خالقه جلّ وعلا. تذكّر أنّك أقرب ما تكون إلى ربّك في تلك اللّحظات، وأنت ساجد بين يدي ربّ البريات. لا تنسَ أنّ الدّعاء في تلك السّاعات هو أنفع دعاء وأقربه إلى الإجابة. أكثر في سجودك من الثّناء على ربّك الكريم بأسمائه الحسنى وصفاته العلى، اشكُ إليه بثّك وضعفك وقلّة حيلتك. ادعُ ربّك الكريم بكلّ حرقة وقل مثلا: “اللهمّ يا أرحم الرّاحمين يا أكرم الأكرمين، يا ذا الجلال والإكرام، يا حيّ يا قيوم، يا مالك الملك، يا حنّان يا منّان، برحمتك أستغيث، فلا تكلني إلى نفسي طرفة عين، اللهمّ أنّي ظلمت نفسي ظلما كثيرا ولا يغفر الذّنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وألحقني بالصّالحين، ربّ قد أعيت الحيل، وتقطّعت السّبل، ربّ قد مسّني الضرّ وأنت أرحم الرّاحمين. لا إله إلا أنت سبحانك إنّي كنت من الظّالمين…”.

ادعُ ربّك الكريم باسمه الأعظم الذي إذا سئل به أعطى وإذا دعي به أجاب، قل: “اللهمّ إنّي أسألك أنّي أشهد أنّك أنت الله لا إله إلا أنت، الأحد الصّمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد، اللهمّ إنّي أسألك أن تعينني على نفسي، وتشفيني شفاءً لا يغادر سقما“.

ادعُ بأيّ كلمات وأيّ عبارات، المهمّ أن تكون نابعة من قلبك، مخالطة لروحك، ترفرف بجناحي الرّجاء واليقين، واعلم أنّه بقدر يقينك في ربّك تكون سرعة الإجابة، وتذكّر أنّك تنادي من قال في الحديث القدسيّ: (أنا عند ظنّ عبدي بي، وأنا معه إذا دعاني).

تذكّر أنّك تناجي أرحم الرّاحمين وأكرم الأكرمين وأجود الأجودين، فلربّما ابتلاك ليسمع صوتك الذي لم يسمعه منك لا في السرّاء ولا في الضرّاء. ربّما ابتلاك ليرى دموعك الغالية تسيل على خدّيك.

ارفع جميع حوائجك إلى ربّك. وبثّ بين يديه كلّ همومك وغمومك. ادعه بالمال والولد والرزق والفلاح والشّفاء والهداية والرّضوان والجنّة. استغفر لوالديك الذين كانا سببا في وجودك، ولإخوانك المؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.

إذا أنهيت دعاءك وصلاتك فأكثر من الاستغفار مستحضرا قول ربّك الكريم: “إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (15) آخِذِينَ مَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ (16) كَانُوا قَلِيلاً مِّنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ (17) وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ (18″) (الذّاريات).. داوم على هذه الحال في ليالي رمضان، وستجد العجب العجاب من الحنّان المنّان.

مقالات ذات صلة