-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحريم الوساطة لتعطيل الحدود والأحكام القضائية (1)

خير الدين هني
  • 447
  • 0
تحريم الوساطة لتعطيل الحدود والأحكام القضائية (1)

من الأعمال الفاضلة والمحمودة التي تدخل في باب التوبة، ويتعين على المسلم الصادق أن يراجع نفسه إن كان فعلها أو ما زال يمارس فعلها، ويعلن توبته النصوح في شهر رمضان المبارك، هي الإقلاع عن الوساطة لدى الجهات النافذة من أجل تبرئة المخالفين للقانون والتشريع، أو التخفيف عنهم أو التنزيل من عقوبتهم. والوساطة لهذه الأغراض عمل لا يتوافق مع أهداف الشريعة والأخلاق والقوانين، لأنها تضر بمصالح الدولة والمجتمع، وتعطّل الأحكام الشرعية والقانونية في المخالفات العادية التي لا تصدر عن مؤسسات قضائية، ويزداد الأمر سوءا حينما يكون التوسّط لتعطيل حكم قضائي صادر عن هيئة قضائية رسمية.

وعادة ما يكون التوسّط من الوجهاء وكبار القوم، لذويهم وأقاربهم وأصحابهم ومن تربطهم بهم مصالح مالية أو تجارية أو سياسية أو جهوية أو أيديولوجية، ففي مثل هذه القضايا يكون الوسيط قد أخلّ بالتعاليم الدينية والمنظومات الأخلاقية والقانونية، وداس على القوانين والتشريعات وعطّل العدالة ومبدأ التساوي بين الناس في الحقوق والواجبات والتقاضي، وقطع الطريق على أهداف التربية، لتفعل فعلها وفق ما خططت له في غاياتها وملامحها ومخرجاتها، ضمن ما تتقاطع فيه مع الأبعاد المقاصدية للشريعة، وهي المقاصد التي جسدتها النصوص ومحتويات الدراسة، كمدخلات أولية يقوم عليها كل بناء وتصور سليم لحياة المسلمين، وتعاطت معها الأجيال في مختلف المراحل الدراسية، كقيم مثالية يجب التقيد بها، لبناء علاقات اجتماعية متوازنة ومنسجمة بين أفراد الأمة الواحدة، كيما ترتقي هذه العلاقات إلى مستوى الالتزام والتطلعات إلى الحياة السعيدة الرغيدة، التي لا يكدّر صفاءها فعل مذموم مخالف لروح هذه الحياة المأمولة.

وإذا تجاوز الناس القوانين والتشريعات، وضربوا بها عرض الحائط، يعملون بها حينما تتوافق مع أذواقهم وتخدم مصالحهم، ويتخلون عنها أو يعارضونها أو ينتقدونها أو يدوسونها حينما تتعارض مع نزوعهم ونزواتهم وأهدافهم، ويجعلونها كلعب للتسلية أو كألبسة يغيرونها كما يشاؤون، مثلما يغيرون لباسهم وأثاثهم وأمتعتهم، وإذا تعطّلت العدالة بالوساطات وحلّت محلها الاعتبارات الشخصية والذاتية؛ انتشر الفساد في أجهزة الدولة ودوائر الحكم وأوساط المجتمع، وشاعت الرذيلة وذاعت الفاحشة وسادت الأمراض الاجتماعية والنفسية والتربوية. وشيوع هذه الأمراض في المجتمع يدمّر المخيال الفردي والجمعي، اللذين هما أساس كل تفكير سليم وعمل مبدع وبناء عامر، وتقدم مزدهر ومدنية راقية وحضارة مزدهرة.

وتُعدّ الوساطة من أبشع مظاهر التخلف والانحطاط، والتردي والتقهقر في مسيرات المجتمعات والشعوب، ولاسيما إذا كانت عوامل النهوض متوفرة وبقوة، كالموارد الطبيعية والجغرافية والبشرية والعلمية والفنية والتقنية، وعوامل التحديث السياسي والصناعي والفلاحي والسياحي. فشيوع هذه الظواهر السيئة إلا من انعدام الوازع الديني، وتجاوز القانون والتشريع، والضمير الأخلاقي والمهني، وانعدام الأخذ بأهداف التربية وغاياتها، فإذا انعدم الإحساس بهذه الشروط التي هي الأساس في التدين والنهوض والارتقاء والتحضر، انعدم الشعور بالمسؤولية في المخيال الفردي والجمعي، وانخفض مستوى الوعي في الذات الإنسانية، واختل نظام المجتمع وتوترت العلاقات الاجتماعية، وأصيب هذا المجتمع بالنكسات والنكبات والتخلف والانحطاط وخيبات الأمل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!