-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحفيظ القرآن سرقة للطفولة؟!

حسين لقرع
  • 7774
  • 0
تحفيظ القرآن سرقة للطفولة؟!

أحيانا، يطفو “رهابُ الإسلام” أو ما يُعرف بـ”الإسلاموفوبيا” في بلاد العرب والمسلمين، أكثر مما يطفو في الغرب، وهذه الآفة نلمسها في تصريحات الكثير من المثقفين والإعلاميين العلمانيين الذين يطلقون على أنفسهم زورا أوصاف “التنويريين” و”الحداثيين”؛ إذ أضحى شغلُهم الشاغل هو فقط مهاجمة الإسلام وتشكيك المسلمين فيه…

بعد أسابيع من إنكار الإعلاميِّ المصري إبراهيم عيسى حادثة المعراج والزّعم بأنها من “نسج خيال الرواة والمؤرِّخين والفقهاء”، جاء الدورُ هذه المرة على الروائية المصرية سلوى بكر التي أطلقت تصريحا استفزازيا لـ1.7 مليار مسلم، قالت فيه: “لماذا يقوم طفلٌ في المرحلة الابتدائية بقراءة القرآن وحفظِه وهو لا يفهم معناه؟ ولماذا نصبغه بهذه الصبغة منذ البداية؟ يجب إعطاؤُه حرية الاختيار لأنّ هذا سرقةٌ لطفولته”؟! قبل أن تبلغ بها كراهية القرآن مداها وتصف تشغيلَ أشرطته قبل الصلوات في المساجد بـأنّها “نوعٌ من الإرهاب وعدم احترام حريات الآخرين”؟!

لقد أثبتت التجارب منذ عقود طويلة، وكذا الدراسات المقارِنة بين الأطفال الذين يُلحِقهم أولياؤُهم بما يُسمّى “التربية التحضيرية” ونظرائِهم الذين يحفظون ما تيسَّر لهم من القرآن الكريم قبل دخول المدرسة، أنّ حَفظة القرآن هم أكثر نبوغا وتفوّقا في مشوارهم الدراسي، وأكثر فصاحة واتقانا لقواعد اللغة العربية ونحوها وصرفِها وإملائِها من أطفال “التربية التحضيرية”.. لا نجد حافظا للقرآن في صغره، أو أجزاء منه، يقع في أخطاء لغوية وإملائية بدائية ويكتب مثلاً: “صوفيان” و”خاصّتًا” و”شُكرَن” في مواقع التواصل الاجتماعي!.. كما أنّ حفظة القرآن يتفوّقون في شتى التخصّصات الدراسية، حتى العلمية منها، وفي كلّ سنة تُثبت تحقيقاتُ “الشروق” أنّ جلّ الطلبة النوابغ الحائزين على شهادة البكالوريا بمعدّلات عالية، قد حفظوا القرآن الكريم كلَّه، أو ما تيسّر منه، في سنواتٍ مبكّرة من أعمارهم.

إذن، تحفيظُ القرآن الكريم، أو أجزاء منه، مفيدٌ للأطفال في مشوارهم الدراسي ومن ثمّة في مستقبلهم كلّه، ومن الظلم أن نحرمهم من هذه النعمة العظيمة بذريعة أنّ عقولهم صغيرة ولا يفهمون معنى السُّوَر التي يحفظونها، وهي كلمة حقّ يراد بها باطل، ما لا نفهمه اليوم نستوعبه غدا، وحتى الكبار قد لا يفهمون معاني سورٍ وآيات كثيرة ويستعينون بالتفاسير، فهل هذه ذريعةٌ لعدم قراءته أو حفظه؟

في سنة 1989 نشرت مجلة “الوحدة”، حوارا مع الروائي رشيد بوجدرة قال فيه “أنا ملحدٌ ولكنّي أقرأ القرآن يوميا للاستفادة من لغته وأسلوبه”، ولم يُثِر الحوارُ حفيظة أحدٍ آنذاك لأنّ بوجدرة، لم يتطاول على القرآن الكريم ولم يذكره بسوء بل اعترف بأنّه مصدرٌ هامّ لاكتساب البلاغة والفصاحة، ثم جاء حينٌ من الدهر وأصبحنا نقرأ تصريحاتٍ لأدباء عربٍ تنضح كراهية وبُغضا لكتاب الله، وتزعم أنّ تحفيظه لأطفالنا “سرقةٌ لطفولتهم” وتشغيل أشرطته في المساجد “إرهاب”.. ألا شاهت الوجوه!

في السنوات الماضية، ناصبت وزيرةُ التربية نورية بن غبريط رمعون مادة التربية الإسلامية العداء، وسعت مرارا إلى تقزيمها، في إطار تطبيق ما سمّته “الجيل الثاني من الإصلاحات التربوية”، كما كادت الوزيرةُ لكتاتيب تحفيظ القرآن الكريم وسعت إلى إلحاقها بوزارتها وطلبت من وزير الشؤون الدينية آنذاك محمد عيسى تحويل الوصاية على الكتاتيب إلى وزارتها، وكانت تنوي دمجَ تحفيظ القرآن الكريم مع التربية التحضيرية وإدخال مواد عديدة لتمييعه، لكنّ الحَراك المبارك لـ22 فبراير 2019 فاجأ الوزيرة وأقيلت بعدها وفشلت مؤامرتُها والحمد لله.

ولا يزال العلمانيون في شتى مواقعهم بالدول العربية والإسلامية يواصلون حربهم الشرسة على هذه المادة ويطالبون بحذفها وإحلال “التربية الأخلاقية” محلّها تحت غطاء “إصلاح التعليم بما يتماشى والقيم الإنسانية العالمية”، وهو ما ينسجم تماما مع الرؤية الأمريكية لـ”شرق أوسط جديد”، ومع العهدِ الجديد القائم في المنطقة والذي يتَّخذ من التطبيع مع الاحتلال و”الديانة الإبراهيمية المشترَكة” المزعومة منطلقا له.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!