الرأي

تحيا “الشوفينية” و”الشعبوية”!

حسان زهار
  • 1446
  • 7
ح.م

إذا كانت الوطنية، ومعاداة فرنسا، قد صارت شوفينية وشعبوية، فلتحيا هذه الشوفينية وتلك الشعبوية، وليسقط عبيد الاستعمار وأولاده.

تعاليق كثيرة سمعناها منزعجة، وأصحابها يتألمون، كأن “خازوقا” كبيرا قد اخترق أجسادهم، بعد بيان وزارة الخارجية غير المسبوق ضد التدخل الأجنبي في الشأن الداخلي، وبعد خطاب وزير الداخلية ضد فرنسا وعملائها في الداخل، ارتأى بعضهم أنها لا تعبر عن مستوى دولة رزينة المواقف، بقدر ما صارت تتحكم فيها كما يقولون نوازع الشعبوية في الخطاب، والشوفينية في المقصد.

والحق، ان القوم مصدومون من أمرين اثنين، لم يكونوا متعودين عليهما.

الأول: نسبة الوطنية غير المعهودة في خطاب السلطة الجديد، ودرجة الإصرار والتحدي الذي بات يميز هذا الخطاب، والذي افتقدناه كجزائريين كثيرا منذ الراحل هواري بومدين.

الثاني: لأن السهام كلها باتت موجهة اإلى أمهم الحنون فرنسا، وأن فرنسا هذه لم تعد بعبعا يخشاه الجميع، وإنما مجرد دولة شبه مارقة، قررت السلطة الجديدة في الجزائر، أن تتصدى لها بالاسم وليس عبر “التورية” أو التلميح.

هذه مشكلة كبيرة بالنسبة للذين تعودوا على الخطابات المائعة، ومعضلة تعني أن العهد الذهبي لفرنسا وأذنابها في الجزائر، بدأ في الأفول، ولذلك نرى كل هذا التكالب على السلطة الجديدة، وعلى المؤسسة العسكرية بالتحديد، عبر عمليات التصعيد في الشارع، والتي تدار جلها من باريس وبروكسل ولندن.

قبل بيان الخارجية وخطاب الداخلية، اشتغل القوم طويلا على خطابات قائد الأركان، وأطلقوا ذات النعوت والأوصاف على محتوياتها جميعا، فلقد كانت برأيهم أيضا، خطابات شوفينية وشعبوية، لأنها وجهت السهام “للعدو التاريخي”، ولم ترحم العصابة التابعة وجدانيا ومصلحيا لفرنسا، ولا أذنابها وأبواقها، وأعلت من قيمة الراية الوطنية التي سقيت بدماء مليون ونصف مليون شهيد، وأكدت على مرافقة الجيش للحراك، وحماية دماء الجزائريين.

كانت تلك كلها معان ومدلولات شوفينية ممجوجة عندهم، وشعبوية لا تخدم مخططاتهم، لأن المخططات تقتضي ليس إسقاط هذا الخطاب الوطني الأصيل وحسب، وإنما إسقاط صاحب الخطاب ذاته، باعتباره العقبة الكأداء أمام تنفيذ مخططات التدمير و”البلقنة” التي يراد تمريرها عبر يافطة المرحلة الانتقالية.

بل إن تهم الشوفينية والشعبوية، لحقت حتى بعض مرشحي الرئاسيات أنفسهم، ممن أعلنوا صراحة أن الجزائر عربية مسلمة، وأن فرنسا الاستعمارية، لم يعد لها من الآن فصاعدا، أن تمارس الوصاية علينا، لأن زمن الوصاية و”الانتداب” قد انتهى.

والحال، أن كل من يُشتم فيه رائحة العروبة والإسلام والوطنية والوحدة الوطنية ورفض التدخل الأجنبي، ومقاومة العقلية “الإلحاقية” لفرنسا والخارج، هو بنظر بعض المرضى، يمارس خطابات شعبوية وشوفينية، يدغدغ بها عواطف الناس، كما لو أن الواجب لكي يكون الانسان واقعيا متزنا، وصاحب رؤية وسداد رأي، ان يمارس خطابا معاكسا تماما، يتزلف فيه أولا لفرنسا، حتى ترضى عنه، ويتخلى فيه عن الثوابت الوطنية، لكي يكون انسانا متفتحا يسير مع روح العصر.

وهو ما يعني بوضوح، أن الصراع الحقيقي في الجزائر، ليس كما يظهر بين انصار الحرية والديمقراطية من جهة، وبين أنصار الشمولية، إنما هو صراع وجود بين الوطنيين الأحرار، وبين القومية والحركى الذين تركتهم فرنسا، فنبتوا واستنبتوا معهم “شرذمة” من الخونة والعملاء، يتألمون من كل خطاب وطني، لأنه يعريهم، ويسخرون حتى من محاكمة العصابة، بكونها شعبوية فارغة، ويحسبون كل صيحة عيلهم، لأنهم العدو، وخدام العدو.. وعلى كل الجزائريين الشرفاء أن يحذروهم.

ولتستمر الخطابات والبيانات التي توجع بهذا الشكل، ومعها المحاكمات والقرارات المؤلمة، وطالما أن الشوفينية والشعبوية لا تعجب فرنسا وأولادها عندنا، فقد أدرجناها ضمن الأخلاق العربية العالية، سنتحلى بها وندعو إليها، كواحدة من أدوات التعذيب الفعالية ضد الخونة.

مقالات ذات صلة