-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تحية إلى روح “المجاهد” بوكابوية

تحية إلى روح “المجاهد” بوكابوية

في بداية العشرية الثانية من القرن العشرين لاحت نذر الحرب العالمية الأولى بين كبار اللصوص من الدول الغربية في الأفق، وهي حرب ما شنت إلا من أجل التكالب على استعباد الشعوب المستضعفة، واغتصاب ثرواتها، وامتهان كرامتها.
احتاطت فرنسا – باعتبارها لصا من اللصوص – للأمر المتوقع، فأصدرت قانونا كان أشبه بالكانون الذي يشوي، ويحرق، لا بالقانون الذي يسن إقامة للقسط ونشرا للعدل.. وكان ذلك القانون – الكانون يفرض “التجنيد الإجباري” على الجزائريين لاستعمالهم في الصراع ضد اللصوص الآخرين من الدول الغربية، ولاستخدامهم – مع الأسف – في قمع الشعوب الأخرى، واحتلال البلدان التي لما تحتل بعد كالمغرب الأقصى، وسوريا..
واجه الشعب الجزائري ذلك القانون – الكانون بالرفض، مستعملا عدة أساليب من الاحتجاجات إلى التمردات، إلى الهجرة الجماعية لمجموعات سكانية، إلى إعلان الجهاد في بعض المناطق.
ومن تلك الأساليب التي استعملها الجزائريون لرفض ذلك القانون – الإجرامي تلك الفتوى الشرعية التي أصدرها الشيخ عبد الحليم ابن سماية (ت 1933)، وهي “فتوى” تحريم دخول أو إدخال الجزائريين في الجيش الفرنسي، وقد علل الشيخ ابن سماية ذلك التحريم بأن أولئك المجندين سيستعملون في قمع إخوانهم الجزائريين، واستعباد المسلمين الآخرين لصالح اللصوص الفرنسيين.
وقع ما كان متوقعا، فأعلن اللصوص الغربيون الحرب ضد بعضهم في سنة 1914، وانقسم اللصوص الغربيون قسمين، بريطانيا وفرنسا وروسيا وإيطاليا ثم التحقت بها الولايات المتحدة الأمريكية التي سترث جميع اللصوص، وتصير هي “اللص الأكبر”، ولذلك سماها الإمام الإبراهيمي: “استعمار الاستعمار”. (آثار الإمام الإبراهيمي 5/99)، وأما القسم الثاني فتزعمته ألمانيا وكانت من أعضائه تركيا.
لقد انحاز أغلب المسلمين ومنهم الجزائريون -، انحازوا عاطفيا إلى تركيا، ومن المسلمين كان يتكون أكثر جيشها، كما انحاز إليها بعض العلماء الجزائريين الذين لم يرضوا أن يكونوا عملاء للصوص الغربيين، وقد ساعدهم على الإعلان عن تأييدهم للدولة التركية وجودهم خارج الجزائر، وكان على رأس هؤلاء العلماء الشيخان الجليلان صالح الشريف (ت. 1920) ومحمد لخضر حسين (ت 1958).. اللذان أصدرا منشورات إلى الجنود المسلمين في الجيش الفرنسي يدعوانهم فيه إلى الالتحاق بالجيش التركي عن طريق الجيش الألماني في جبهات القتال. وقد أقيم في منطقة “زوسن” القريبة من برلين “معسكر الهلال” ضم الأسرى المسلمين والملتحقين منهم بالجيش الألماني القادمين من الجيش الفرنسي.
كان من الذين تحيزوا إلى الجيشين الألماني والتركي ضابط جزائري اسمه بلقاسم (*) بوكابوية، وعرف في الكتابات التي نشرها هو أو نشرت عنه تحت اسم “الحاج عبد الله بوكابوية”. لقد تذكرت هذا الرجل الشريف وأنا أستمع منذ أيام إلى كلمات أحفاد أولئك اللصوص الكبار، حيث عقد “سوق” في باريس بمناسبة ما سموه الذكرى المئوية لنهاية الحرب العالمية الأولى في سنة 1918.. وكان من أعجب ما وقع في تلك “السوق” حضور من يدعون ويزعمون تمثيل الشعوب المستعمرة آنذاك، ومنها الجزائر التي “مثلها” من “نعرفه”، الذي يخجل من الحديث بلغة قومه.. وتكلم بكلام ظاهره “السيادة” وباطنه “التبعية” حتى في المصطلحات ولم يجد من يدافع عنه إلا “الإمعيون” ممن يفتقدون الصدق ويدعونه.
ولد بلقاسم بوكابوية، أو الحاج عبد الله بوكابوية، في سنة 1871 من عائلة قسنطينية، وتخرج في مدرسة المعلمين ببوزريعة، وبعدما عمل في ميدان التعليم استقال وانخرط في الجيش الفرنسي ليعين في فيلق الرماة: الجزائريين، ووصل إلى رتبة ملازم أول (lieutenant).
في شهر أفريل من سنة 1915 انضم “صحبة عشرات من جنود الفيلق السابع للتيرايور الجزائريين” إلى الجيش التركي عبر الجيش الألماني و”دعم الهيئات التي أسست في كل من جنيف وبرلين، التي طالبت بالاستقلال” خاصة الجزائر وتونس، وبعد انتهاء الحرب “التحق بتركيا، حيث شغل منصب مستشار مسموع الكلمة لمصطفى كمال”.. (انظر: د التليلي العجيلي: السياسة الإسلامية لفرنسا في المغرب العربي خلال الحرب العالمية الأولى، ص 217).
مما أذكره أنني كنت ومجموعة من الطلبة الجزائريين في مدينة استامبول في شتاء 1968، لقضاء “عطلة نصف السنة” كما كانت تسمى في الكويت حيث كنا طلبة هناك، بينما كنا نتجول في أحد شوارع استامبول، سمعنا أحد الشيوخ، وسألنا إن كنا جزائريين، فأكدنا له ذلك، فهش وبش في وجوهنا واحتضننا واحدا واحدا، وأخبرنا أنه جزائري من معسكر، وكان ممن التحقوا بالجيش التركي في الحرب العالمية الأولى، ومن أسف أنني نسيت اسمه، سألنا إن كنا زرنا متحف “توب كايي” فنفينا ذلك، فنصحنا بزيارته، وسلم لنا “بطاقة زيارة” الخاصة به وبصفته لنقدمها للمسؤولين عن المتحف.. فلما زرناه، وقدمنا تلك البطاقة أعفينا من دفع رسوم الدخول، واكتفوا بمنعنا من إدخال آلات التصوير.
لقد ترك “الحاج عبد الله بوكابوية” كتابين أولهما تحت اسم “الإسلام في الجيش الفرنسي (L’islam dans l’armée Française)، وثانيها تحت عنوان: “الجنود المسلمون في خدمة فرنسا” (Les soldats musulmans au service de la France)، وذكر الدكتور التليلي العجيلي في كتابه المذكور آنفا أن الحاج عبد الله بوكابوية “نشر مقالات موثقة فضح فيها الدور الذي لعبه قدور ابن غبريط منذ التمهيد لاستعمار المغرب الأقصى بداية من سنة 1902 لدى المفوضية الفرنسية بطنجة إلى البعثة الفرنسية على الحجاز لدعم “الشريف حسين”. (التليلي العجيلي مرجع سابق ص 217.هـ.1.).
لقد انزعجت السلطات الفرنسية كثيرا من هذين الكتابين للحاج عبد الله بوكابوية الذي فضح فيها سياسة فرنسا.. التي استعملت “عميلين” للرد على الحاج عبد الله، وهما بومزراق الوانوغي المقراني – “الإمام” بمدينة الأصنام، وعبد الرحمان القطرانجي الذي كان “يشغل خطة عدل بالمحكمة المالكية بمدينة الجزائر”، وكان مما أمرا به من طرف الفرنسيين أن يردا على الحاج عبد الله بوكابوية، فكتبا أو كتب لهما ما وضعا اسميهما عليه، وهو كتيب تحت عنوان “الإسلام في الجيش الفرنسي رد على أكاذيب” (L’islam dans l’armée française, Réplique à des mensonges). رحم الله عبد الله بوكابوية ، وكل من لم يبع دينه وشرفه بعرض من الدنيا. ولعن الله وملائكته وصالح المؤمنين كل خوان أثيم من الأولين والآخرين إلى يوم الدين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • احسن

    ان كنا نمجد الا من خدلونا و من بينهم بوكابوية. شاءت الاقدار حتى اصبح محمد الهادي الحسني يمجد المتفرنس كابوية بدون ان يشعر....هدا تماما مثل دو القرنين اللدي كان وثنيا و مشركا و المسلمون يدكرونه كرجل موحد و يعبد الله وحده...اه يا حالة الاسلام اللدي فضحه اتباعه و الانترنت

  • merghenis

    •قصة الحاج عبدالله بوكابوية غريبة من عدة جوانب.
    •الكتاب بعنوان : "L’islam dans l’armée française " موجود ، يمكن تحميله.في الكتاب الكلام على "تركيا" لاعلى الدولة العثمانية.
    •الكتاب الذي يردغير متوفر.

  • lم/

    صحيح يا سي خالد اسم الدولة التركية بهذا الاسم ظهر سنة 1924 عندما أعتلى مصطفى أتترك الحكم؛ واعلن عن الجمهورية التركية العلمانية؛ وسياسة التتريك منها استبدال الحرف؛ واللغة؛ والطربوش؛والملابس والتخلي عن كل ماضي الخلافة العثمانية ومنها مسعمرات الرجل المريض. لكن الحرب العالمية الاولى دخلتها باسم الدولة العثمانية ؛ وكانت من دول الحور الى جاني المانيا ( بيسماك) صديقة الدولة العثمانية وكانت لصالح المحور؛ ومن أهم نتائجها مؤتمر فارساي ؛ وظهور ولسن بمبادئه الاربعة وقتها أحدالقادة الوربيين الحاضرين في القاعة الاجتماع .. أكان الله فرض علينا عشرة فرائض ..؟ فان ولسن زاد أربعة ؟ ونتائج الحرب العاليمية هي سب

  • khilafa

    حسب علمي المتواضع بالتاريخ ففي 1914 لم يكن لتركيا وجود بل كان هناك الدولة العثمانية التي كانت تمثل ما يسمى الخلافة الاسلامية التي انخرطت في الحرب الى جانب المحور فلما ضعفت و اثيرت القلاقل في حدودها ذبحت ملايين الارمن ...

  • محمد العربي

    عذرا سيّدي :
    اذا كان تزوير الانتخابات مباح فلا تنتظر فيما يليها اصلاح
    فبها يبعد كل نزيه مخلــــص فتسود الرداءة و يعلو النّباح