الرأي

ترشيد الأسواق لحماية المنتج والمستهلك

حبيب راشدين
  • 570
  • 1
ح.م
تجار أسواق الرحمة ينقلبون ضد المواطن البسيط

لا جديد فيما تداولته الصحافة الوطنية حول التهاب أسعار الخضر والفواكه واللحوم في الأسبوع الأول من شهر رمضان، لأنها ظاهرة دورية تعرفها الأسواق مستهل رمضان من كل سنة، زمن الندرة كما في أزمنة الوفرة، ليس لها علاقة بقوانين العرض والطلب، ولا بالظروف المناخية كما قيل، وليست من الظواهر التي تواجَه بمضاعفة الرقابة التي لا نملك أدواتها، ولا حتى بفتح فضاءات تسويق موازية ميسَّرة مثل “أسواق الرحمة” ما لم تراجع الحكومة النظر في سياسة التجارة الداخلية بتأطير مؤسساتي مبتكر لعملية تحرير التجارة، التي حولت السوق الجزائرية إلى ضيعةٍ بلا قيود يرتع فيها المفسدون في الأرض.
من جهة الوفرة وتراجع كلفة الإنتاج كانت السنة الجارية من أفضل السنوات، من جهة وفرة تساقط الأمطار بكثافة على ربوع البلاد شرقا وغربا، يضاف إليها دخول فضاءات إنتاج جديدة في الجنوب (بسكرة والوادي) شرقا و(أدرار وبشار) غربا بمنتج وفير وجيد، وقد رأينا كثيرا من المنتِجين يتلفون محاصيل امتنع تسويقها في الداخل ولم تستوعبها طاقات التصدير المحدودة.
ومع تسويق أكثر من 3 ملايين قنطار من الخضر والفواكه في الأسبوع الأول من رمضان حسب الجمعية الوطنية للتجار والحرفيين و20 ألف قنطار من اللحوم، تنتفي أحكام الندرة لصالح مقتضيات الوفرة، فما كان معروضا يفوق بكثير حاجة السوق والمستهلِك، لولا رهان المضاربين على ما يصيب المستهلِكين من شراهة مرضية على الاستهلاك المفرط، في شهر يفترض أنه شرِّع الصيام فيه لضبط الشهوات، ليحمل المستهلك نصيبه من المسؤولية، وقد علم من تجارب سابقة كيف تتهاوى الأسعار ابتداء من الأسبوع الثاني من هذا الشهر الفضيل.
ثم إن الصور التي نقلتها بعض وسائل الإعلام عن حجم التبذير وما يرمى في القمامة يدين المستهلك في المقام الأول، حتى وإن كان لا يعفي الجهات المسؤولة عن تنظيم وترشيد الاستهلاك كما لا يبرِّئ ساحة هذه الفئة الآثمة من المضاربين، بل يوجب على الدولة مراجعة سياساتها في مجال تنظيم السوق بما يكفل تضييق الخناق على المضاربة في زمن الوفرة، ليس بأدوات الرقابة ولا بفرض تسعيرةٍ مجحفة، ولكن بتنظيم مبتكر للسوق يخفض من عدد الوسطاء بين المنتج والمستهلك.
ومع حجم الدعم الهائل الذي وفرته الدولة للقطاع الفلاحي، والذي أتى أكله بما شهده القطاع من وفرة في الإنتاج في السنوات الأخيرة، لم تبادر الدولة إلى دعم المنتجين بمنظمات تعاونية محلية ووطنية، تُشرك المنتج في هياكل التسويق بالجملة ونصف الجملة، يسحب البساط من تحت أقدام الوسطاء المضاربين، ويقرِّب المنتج من المستهلك، إضافة إلى تمكين المنتجين من تحصيل جزء من القيمة المضافة التي قد تتحول إلى مصدر ثابت لتمويل الإنتاج، وتحرير الفلاح من الدعم الحكومي ومن اللجوء إلى الاقتراض.
المسؤولية تقع على وزارتي الفلاحة والتجارة وعلى المنتجين أنفسهم للبحث عن نموذج تسويق بديل يطهر الأسواق من الوسطاء المضاربين، وينفتح على إشراك تجار التجزئة في تعاضديات للتسويق بالجملة، حتى لا يكون بين المنتج والمستهلك أكثر من وسيط معلوم قابل للرقابة، مع اللجوء عند الضرورة إلى تسقيف دوري للأسعار يأخذ بعين الاعتبار قواعد العرض والطلب، وتنشيط أدوات ضبط المنافسة كما هو معمول به في قطاعات خدمية مثل الاتصالات والمواصلات.

مقالات ذات صلة