-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المحكم والمتشابه في إصلاحات قابلة للتأويل

ترقية “ديمقراطية المثليين” باعتماد ثلث النسوة المعطل

حبيب راشدين
  • 4481
  • 5
ترقية “ديمقراطية المثليين” باعتماد ثلث النسوة المعطل

بعد إضاعة فرص الإصلاح أكثر من مرة، وشراء الوقت على مدار الساعة من “المشاغبين” بمطالب برفع سقف الحد الأدنى من الريع الديمقراطي، والمنشغلين برفع الحد الأدنى من الدخل والأجور، اختارت السلطة مشاغلة المتعاطين لـ “المثلية السياسية” بإدخال الثلث النسوي المعطل في معادلة تداول المشتبه من الذكران، والمسترجلات من النسوة على فراش عرسان الغفلة من الناخبين المخدوعين قبل وأثناء وبعد ليلة الدخلة.

 هل كان ينبغي للسلطة أن تنتظر تفاقم مناخ الفوضى، وضغوط حراك الربيع العربي، لتتحرك أخيرا في اتجاه صياغة جملة من الإصلاحات السياسية سوف يأكلها التضخم الحاصل في سوق السياسة، واستئساد المعارضة على السلطة بأدوات المساومة والابتزاز، أم أن الحكمة، بل الفطرة السليمة الصرفة، كانت توجب على أي سلطة راشدة الاستشراف المبكر للحاجة إلى التغيير والإصلاح، واستباق سوق الطلب، بعرض ما عندها من بضاعة إصلاحية، لا تطبخ على عجل وتحت الضغط والمساومة والابتزاز؟

.
 إصلاحات صماء بما يطلبه المستمتعون
قد يكون هذا من باب طلب الشيء من غير أهله، لأن السلطة عندنا، كما في معظم الدول التي أصابتها رادفات زلزال الربيع العربي، لم تكن لتستجيب إلا تحت الضغط وبطريق المساومة، لذا نراها تعطي اليوم وهي صاغرة، أكثر مما كان يتوجب عليها لو أنها استبقت الطلبات المشروعة في المشاركة السياسية، ودعت المعارضات إلى المشاركة في صياغة برنامج إصلاحي حقيقي، محكوم بضوابط والتزامات متبادلة بينها وبين الشركاء.
 الحاصل، أن الصفقة تبدو وكأنها أبرمت، تحت ضغط وتحكم ميزان القوة، بين طرفين: أحدهما يمارس التسويف والخداع، والآخر لا يرى غضاضة في تفعيل سبل الابتزاز، واغتنام الفرص، وركوب حصان المزايدات الجامح، وتتأفف وتكابر حيال عرض لم تكن تحلم بالعشر منه قبل شهور قليلة مضت.
 فن إضاعة الفرص وشراء الوقت
 الصورة كما نرى حزينة ومنفرة، لسلطة لا تريد أن تتجدد إلا تحت التهديد، وطبقة سياسية تتعامل مع عروض الإصلاح من زاوية المكسب الآني، يثمن بحساب عدد المقاعد المؤملة في البرلمان، ومحافظ النفوذ في الوزارات والإدارات الكبرى، وصورة أخرى ملازمة للأولى، مع حكومة صارت خبيرة في إطفاء بؤر الحرائق في القطاعات القادرة على تعطيل الخدمة العمومية، مع احتمال إشعال بؤر احتجاج أخطر عند الفئات المقصية أصلا من توزيع الريع العمومي.
السلطة، وعلى أعلى مستوى، أضاعت مرة أخرى فرصة، قد لا تتجدد في الغد القريب، لطرح مشروع إصلاحي طويل النفس، مستدام ومنتج، منفتح على التجديد والتصحيح السوي، يتجاوز حاجة السلطة لما يصلح أحوالها وأحوال البلاد الآن، وما يرضى به الحاكم ويرضي خصومه، إلى ما فيه صلاح ومنفعة لأي سلطة قادمة، وصلاح ومنافع لأجيال قادمة، تحتاج إلى البناء حين يأتي دورها، على أساسات سليمة من العطب، منزوعة الألغام الموقوتة في الحد الأدنى.

.
 تأجيل الانتفاضة على “انتفاضة” أكتوبر
ربما يجد البعض جملة من الأعذار للأنظمة في دول جارة شقيقة وصديقة، لم تجرب ما جربته الجزائر بعد “ربيع أكتوبر” الجزائري الصرف، لكن السلطة في الجزائر ليس لها أي عذر، وهي تكرر نفس السلوك الخاطئ الذي سلكته في التسعينيات من القرن الماضي، بذلك التسرع الآثم في نقل بلد حكم لأكثر من ربع قرن بنظام الحزب الواحد، وباقتصاد سوق الندرة، إلى تعددية سياسية ولدت ولادة قيصرية، وعن طريق استنساخ الكيان وحيد الخلية إلى كيانات هجينة غير قادرة على تجديد النسل.
لست بحاجة إلى الحكم على النظام السياسي الذي تولد عن دستور 89، فقد سبقني إلى الحكم عليه، ومن موقع رصد يرى ما لا أرى، رئيس الجمهورية الذي أدان المسار بلا رجعة، وكشف عن عوراته بأشد العبارات وأقذاها، وتعامل مع مؤسساته بقدر من الجفاء، وصفه البعض بالاحتقار والاستهتار، وتوعده بمشروع إصلاحي عميق، منذ بداية العهدة الأولى.

.
 تأويل محكم لنظام حكم من المتشابه
 خصوم الرئيس ذهبوا أبعد من ذلك بالقول: إن رئيس الجمهورية تصرف مع مؤسسات دستور 89 كما لو كان رئيسا لدولة يحكمها نظام رئاسي قائم، فاستغل بشكل “فاحش” حالة الضعف والهزال التي ولد عليها البرلمان تحت سقف دستور 89، ووظف، من موقع القوة، الكيانات السياسية المستنسخة عن الحزب الواحد، وقرأ الرغبة غير المعلنة، عند مكونات الطبقة السياسية في إغلاق المشهد أمام كيانات جديدة منافسة، فاستجاب لها عن طيب خاطر، واستنبط بذكاء لا ينكر من رضا أحزاب المشهد القائم بالتزوير، كل ما كان من شأنه أن يساعده على إضعاف منظومة دستور 89، كمقدمة لتسطيح المشهد أمام مشروع بناء نظام رئاسي صرف.
لقد ضاعت الفرصة على السلطة وعلى البلاد في أعقاب رئاسيات 2004 التي منحت الرئيس شرعية واسعة وحقيقية، وضاعت الفرصة عليها وعلى البلاد، بعد أن أفلح الرئيس في تفكيك العلبة السوداء، كما يحلوا للبعض وصف المؤسسة العسكرية، ونجح في إبعادها عن واجهة إدارة الشأن العام بأسلوب هادئ ومهذب، ثم ضاعت الفرصة مرة أخرى عشية إبرام صفقة التعديل المحدود للدستور، في وقت كانت القوى الفاعلة داخل السلطة بحاجة إلى العهدة الثالثة أكثر من حاجة الرئيس إليها.
 وبالنظر إلى حجم وطبيعة الإصلاحات المقترحة، على خلفية ما يجري في محيطنا العربي، فإننا في الطريق إلى إضاعة فرصة أخرى، لأن الإصلاحات المقترحة لا تعدوا أن تكون ترميما للمرمم، وترقيعا بالخط الأبيض لمسوح نظام ولد في ظلمات دستور 89، حتى وإن جاءت بإجراءات متقدمة، على مستوى ترشيد التعددية السياسية، وتوسيع هامش الحريات السياسية والإعلامية، وتقليم أظافر جارحة التزوير، وفي الجملة أعطت فرصة تجديد الذات لنظام انتقده وحاربه صاحب الإصلاح طيلة عهدتين.
 إصلاحات بالتقسيط لتعطيل سوق الإصلاح بالجملة
فمن أكثر من زاوية رصد وقراءة، يبدو الإصلاح المقترح كحالة من العفو الشامل يصدر في حق نظام فاسد، في مؤسساته وشخوصه، وحله وترحاله، وحركاته وسكناته، وفي جميع مآلاته، أو هو أقرب إلى صك غفران يجب ما مضى من اللمم من ذنوب النظام وشركائه، وبوليصة تأمين لكل من وجد في تعددية دستور 89 غاياته، وفي مواصلة إدارة الاقتصاد بآلية السوق، الساقطة في موطنها الأصلي، مغانم لا تخشى المساءلة من مشهد سياسي فاسد منتج لمزيد من الفساد.
مع كل ما صدر من انتقادات شخوص المشهد السياسي للإصلاحات السياسية المقترحة، فإن الملاحظ الفطن يكون قد استمع إليهم وهم يتنفسون الصعداء، في اللحظة التي كشفت فيها  الرئاسة عن حدود الإصلاحات، واتضح أنها لم ولن تفسد عليهم المراعي التي رتعوا منها تحت ظل أحكام دستور 89، وأكثر من ذلك لن تكلفهم مؤونة البحث عن سبل مكلفة لتجديد ذواتهم، وتطوير مؤسساتهم الحزبية المعادية لمعاني وروح الديمقراطية أكثر من عداء السلطة للديمقراطية.

.
 زمن توريث النظام لزمانة السلطة
لا شك عندي، أن المواطن العادي لا ينفك يسخر من التهم التي يرددها قادة الأحزاب للسلطة، سواء في تعاملها مع مبادئ الديمقراطية بأساليب التضييق المتواصل لسبل المشاركة المفتوحة، وتعويقها بآلة التزوير المنهجي، أو حين يتعلق الأمر بالعبث بالدستور من أجل التمديد، لأن جميع العيوب والعاهات والمآخذ التي تتهم بها السلطة، سوف تجد لها نظيرا غير مشع داخل كيانات المشهد السياسي.
فالرئيس الذي استفاد من عهدة ثالثة، راوضته عنها “فلول” النظام حين فشلت في التوافق على خليفة مقبول، هو بجميع المقاييس أقل حظا في الخلود  في كرسي القيادة، من زعماء أحزاب استحوذوا على السلطة داخل أحزابهم طيلة عقدين وأكثر، فقد تفوق عليه بأشواط قادة أحزاب كثر: من سعيد سعدي إلى لويزة حنون، ومن جبا الله إلى سلطاني، وقد يتفوق عليه بعد حين الثنائي المرح: أويحيى وبلخادم، دون أن ننسى الدا حسين الزعيم المخلد على رأس جبهة القوى الاشتراكية.
 شن المعارضة يوافق طبق السلطة
هذا من جهة التداول المعطل على السلطة داخل الكيانات السياسية كما في مؤسسات الحكم بالدولة، وليس بوسع أي من هذه الكيانات أن يسلم من جرد حساب منصف لمجمل الممارسات التي تغيب عنها أبسط التعاملات الديمقراطية. فالتزوير حاضر ومستحكم في الانتخابات الداخلية للكيانات، وفي طرق ترشيح وبناء القوائم لخوض الاستحقاقات الانتخابية، كما تنافس السلطة في تقنيات فبركة الانتخابات الصورية، وفي إقصاء الخصوم، وتعطيل المعارضة الداخلية، وتحريم النقد، وتكفير الدعاة بحرية التعبير والرأي والرأي الآخر.
لقد كان بوسع الرئيس والسلطة القائمة، أن يختاروا لهذه الإصلاحات أرضية أنظف وأسلم من هذه الدمن المنتنة، باعتماد حزمة خاصة من الإصلاحات تطال الكيانات السياسية المعول عليها في مرافقة الإصلاحات السياسية، وإلا كيف نطمئن لسلامة وصدق النوايا بإصلاح المسار السياسي، وتمكينه من تطوير آليات وسلوك العمل الديمقراطي، إذا كانت قيادة المسار الديمقراطي، بعد تفعيل الإصلاحات، سوف تعهد لكيانات تغذي في داخلها ثقافة العداء المستدام للديمقراطية، والكفر البواح بحق الآخر في المشاركة، والتعطيل المزمن لحرية التعبير والرأي، ورفض مبدأ التداول على السلطة، والإقصاء بطرق الإبعاد أو بالتزوير؟

.
 تعطيل “ديمقراطية المثليين” بثلث من النسوة
الجميع يذكر العنوان البارز في تهجم الأحزاب العلمانية على القوى الإسلامية الناشئة، والذي قدم مبررا لتوقيف السمار الانتخابي سنة 91: “لا حق في الديمقراطية لأعداء الديمقراطية” غير أن تجربة العقدين الماضيين كشفت للمواطن، أن جميع الكيانات السياسية تتنافس في العداء المنهجي المؤسساتي للديمقراطية، بل وتزايد حتى على السلطة، التي قد نتفهم عدائها للممارسات الديمقراطية السليمة، بحجة أنه لا يجوز للعاقل الفطن أن يكون كمن يبحث عن حتفه بظلفه.
 قد لا يتسع المجال للتفصيل في ما كان بوسع الإصلاحات الجديدة أن تنفع به الأحزاب والمسار الديمقراطي السوي معا، ليعود بالنفع على السلطة والدولة والبلاد والعباد، لكني كنت أعتقد، أو على الأقل كنت أتمنى، أن تدخل إصلاحات عميقة على القانون المنظم للأحزاب، بما يلزم قياداتها ومؤسساتها على تفعيل قواعد الديمقراطية، وترسيخ مبدأ التداول على السلطة الحزبية، وتجريم التزوير والإقصاء، وإخضاع بناء الأحزاب لمقاييس عصرية في اختيار القيادات، وبناء البدائل الحقيقية، وانتاج برامج الحكم بعيدا عن خطابات التهريج والتدجيل على الناخب، وإفساح المجال لقيادات شابة، تمنح فرصة التدرج في المسؤولية داخل مؤسسات الأحزاب، قبل أن ترشح لقيادة مؤسسات البلاد، وأن يقيد القانون عهدة رئاسة الحزب بما يقيد به عهدة رئاسة الدولة، وأن يحدد نسبة ترشيح الإناث بنسبة المناضلات المنخرطات، وليس بهذه النسبة الجزافية التي جاء بها الإصلاح، والتي قد تنتهي بالأحزاب الذكورية إلى البحث بين حرائرهم، وبناتهم، وأخواتهم، وعماتهم، وخالاتهم، والإناث وما اشتبه من النسوة من الأصول والفروع من أجل الوفاء بالنسبة التي يقترحها الإصلاح.

.
 خداع عريس الغفلة قبل وبعد ليلة الدخلة
كنت آمل أن أرى في الإصلاحات اقتراحات من هذا القبيل، حتى نختبر، وتختبر معنا السلطة، مقدار استعداد شخوص المشهد السياسي لتقبل أحكام الديمقراطية، وتبني ثقافتها داخل مؤسسات الأحزاب، قبل أن نفاجأ بوصول كيانات وزعامات للسلطة، تستلم من السلطة مشعل العداء المستحكم لكل ما له صلة بالديمقراطية، وكنا وقتها سوف نرى مقدار استعداد القوى السياسية لتقديم المقابل الواجب دفعه كعربون عن حسن النية، قبل أن تزف قياداتها إلى فراش السلطة، وحتى لا يبقى حال المواطن كحال عريس الغفلة المخدوع قبل وإثناء وبعد ليلة الدخلة.

    أضف تعليقك

    جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

    لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
    التعليقات
    5
    • عبد الحليم

      كلام عميق، يعبر عن نفوس كثير من الناس، وكأنه صدر عنهم، والذي يحز في النفس ليس فساد السلطة فهو أمر واقع، وقد يكون طبيعيا، لكن المخيف أن لا أحد من الناس المؤمل فيهم القيام بالدور المطلوب، منتبه لما يحاك، أو لعله راض بما هو واقع أو خائف من أن يعرف عنه مخالفته للرئيس، فهل يخشون حسابه؟

    • بدون اسم

      كل حاجة قابلة للتاويل

    • Slimane

      اخي الحبيب ان ما يبنى على الباطل فهو باطل وان طال فالسلطة فسدت وافسدت واصبحت لايهمها الا ربح الوقت (تضيعه) على حساب العباد والبلاد وطال فسادها كل المجالات اقتصاد - ثقافة - رياضة ... والمخرج لن يكون الا بوجود طائفة تقبل بالتضحية من اجل افكارها ومبادئها

    • جعاط

      allah an yousliha elbilada wa l3ibada ya akh habib ini ouhibouka filah wa as alou

    • yacine

      بارك الله فيك