الرأي

تركيا.. أنموذجٌ تنموي مشرِّف للمسلمين

حسين لقرع
  • 1140
  • 18

نختلف مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في قضايا عديدة، ومنها دوره في الأزمة السورية، ومبالغته في التنكيل بمعارضيه على خلفية انقلاب جويلية 2016، واستئناف العلاقات مع الاحتلال الصهيوني… لكن ينبغي أن نعترف له بالنجاح الباهر في حكم بلاده وإخراجها من هوّة التخلّف والوصول بها إلى مصافّ الدول المتطورة.
قبل وصول حزب “العدالة والتنمية” بقيادة أردوغان إلى الحكم في عام 2002، كان الاقتصادُ التركي متخلِّفا ويحتلّ المرتبة 116 عالميا، ونتذكّر جميعا كيف كانت القيمة المتدنّية لليرة التركية موضعَ تندّر السياح الأجانب.. اليوم تغيّر الوضع تماما وتبدّل وجهُ تركيا جذريا وحقّق اقتصادُها قفزات عملاقة جعلته يتبوّأ المرتبة الـ17 عالميا، أي أنه قطع 99 مرتبة كاملة في ظرف 16 سنة فقط، وهو معجزة اقتصادية بكل المقاييس.
خلال معرض “موصياد إكسبو” بتركيا، استعرض أردوغان أمام 140 دولة مشارِكة وبلغة الأرقام المراحل التي قطعتها بلاده بقيادة حزبه منذ عام 2002 إلى الآن، وقارنها ضمنيا بالفترة الأتاتوركية العلمانية الشمولية التي قاربت الـ70 سنة، وقال إن صادرات تركيا انتقلت من 36 مليار دولار فقط إلى 167 مليار دولار سنويا، أي بزيادة 137 مليار دولار، وارتفع عددُ الأسِرّة بالمستشفيات إلى 240 ألف سرير، وعددُ الجامعات إلى 206، وبلغ معدّل النمو 5.8 بالمائة سنويا، وأنجزت بلادُه 6 مشاريع عظمى في السنوات الماضية من بين 10 أعظم إنجازات اقتصادية في العالم كله، ولفت إلى أن تركيا تتجه إلى تخطي عتبة 40 مليون سائح في السنة الجارية 2018، مُحطّمة بذلك رقما قياسيا في تاريخها، قبل أن يختم أردوغان الحصيلة بتأكيد طموحه إلى إدخال الاقتصاد التركي ضمن أكبر 10 اقتصادات عالمية ورفع قيمة الصادرات إلى 500 مليار دولار والناتج القومي إلى ألفيْ مليار دولار بحلول عام 2023، وهو هدفٌ غير مستحيل ما دامت النخبة الحاكمة في تركيا تملك مخطط عمل واضحا واستشرافا مبنيا على معطيات، وليس على أحلامٍ وأمنيات…
إنّه أنموذجٌ تنمويٌّ مشرِّف في العالم الإسلامي الذي تغرق دولُه في الاستبداد والفساد.. من المهمّ جدا أن يكون في صفوف أقوياء العالم نماذج لدول إسلاميةٍ وسطية معتدلة ومتقدّمة اقتصاديا مثل تركيا وماليزيا وأندونيسيا… حتى يتأكّد العالمُ أن التخلّف غير لصيقٍ بالمسلمين، ومسؤوليته تتحمّلها أنظمتُهم الحاكمة التي احترفت الاستبداد والقمع وكبت الأنفاس وحرمت شعوبَها من حقها في الديمقراطية والحريات واختيار الحكام وعزلهم، كما غرقت في الفساد حتى أذنيها وأمعنت في نهب ثروات شعوبها وتبديد مقدراتها ورمت بها إلى براثن الفقر والبؤس… لتقضي بذلك على كل فرص التنمية والخروج من التخلف، وما كانت تركيا لتشكّل الاستثناء لو لم يتخلّ العسكر الأتاتوركيون عن غيّهم بعد سبعة عقود من الحكم الشمولي الفاسد، ويعيدوا الكلمة للشعب التركي ليختار حكامَه كما يشاء، فكانت تجربة “العدالة والتنمية” بقيادة أردوغان التي حققت في 16 سنة فقط ما عجز عنه الأتاتوركيون طيلة 70 سنة، ولا شكّ لدينا أن عالمنا الإسلامي مليءٌ بأمثال أردوغان الذين يستطيعون بدورهم قيادة بلدانهم إلى برّ الأمان، لكن احتكار المستبدِّين الفاسدين للحكم ومنع تداوله قضى على أيّ إمكانية لبروزهم.

مقالات ذات صلة