الرأي

تعاونٌ على الإثم والعدوان

حسين لقرع
  • 3747
  • 4

من المفارقات السياسية في الحياة المصرية هذه الأيام، وما أكثرها، أن النائب العام الجديد استهلَّ عهدته بقرار إحالة الرئيس المنتخَب شعبياًً محمد مرسي، إلى نيابة أمن الدولة العليا بتهمة “الهروب من سجن النطرون أثناء ثورة 25 يناير 2011″، بعد أن “اجتهد” رفقة مباحث فلول مبارك، لإيجاد أي تهمة له حول فترة حكمه لتبرير سجنه فلم يجدوا شيئاً، كما أصدر أوامر بالقبض على مرشد الإخوان، ومجموعة من قيادييهم بتهمة “الدعوة إلى قتل المصريين” أمام ثكنة الحرس الجمهوري، بينما سكت تماماً عن جريمة الجيش الذي انقلب على الشرعية الشعبية، وأطلق النار على مدنيين عُزّل وقتل 70 منهم بكل برودة دم ومنهم ستة أطفال وخمس نساء، وهي جريمة ضدّ الإنسانية تستحق المحاكمة عليها في لاهاي وليس في مصر فقط. وبذلك يحمّل النائب العام الجديد الضحية َمسؤولية الجريمة ويبرِّئ الجلاد، ويؤكد أن العدالة هي مجرد أداة جائرة في يد القوي، يلفق بها تهماً سخيفة لمن يشاء لسجنه وقهره.

   ومما يثير السخرية أن الطغمة الحاكمة الجديدة لا تكفّ عن مطاردة قيادات الإخوان وناشطيهم وسجنهم وتعذيبهم، ومنع مناضليهم من حقهم في التظاهر كما جرى في “جمعة الزحف”، حيث منعت مئات الآلاف من سكان مختلف المدن من دخول القاهرة، ثم لا تجد أي حرج في دعوة قادتهم إلى المشاركة في الحكومة الجديدة غير الشرعية، وإلى تحقيق “المصالحة الوطنية؟”.

    ويكتمل المشهد بتدفق أموال المَلَكيات الشمولية الخليجية على النظام الشمولي الجديد، مكافأة له على الانقلاب على الشرعية ومصادرة إرادة الشعب، والعودة إلى فترة ما قبل الثورة دون مبارك، والطيور على أشكالها تقع.

   ويتَّسق كل ذلك مع الموقف الأمريكي؛ فالخارجية قالت الأربعاء الماضي، أي بعد أسبوع كامل من الانقلاب، إنها “لا تزال تدرس ما إذا كان ما حدث في مصر انقلاباً أم لا؟”. ولكم أن تتصوروا كيف تغيّرت الدنيا وأصبح موقف الاتحاد الإفريقي أكثر تطورا من الموقف الأمريكي الانتهازي المفضوح الذي لا يفوقه في الانتهازية إلا موقف مفوِّضة الاتحاد الأوربي كاترين أشتون، التي اعتبرت الانقلاب “استجابة للإرادة الشعبية الحقيقية في مصر؟” وكأن ما عبّر عنه 12.5 مليون ناخب قبل عام لا علاقة له بـ”الإرادة الشعبية الحقيقية” حسب المفهوم الجديد للغرب.

   وحينما يتجاوب المال الخليجي والمواقف الغربية المنحازة مع الانقلابيين والأقلية العلمانية.. ويتعاون كل هؤلاء على الإثم والعدوان على إرادة الشعب المصري، فإن هذا يعني أن أياماً عصيبة تنتظر هذا الشعب الذي لم يكد يتخلص من أغلال حكم مبارك، حتى سقط في براثن حكم فلوله مجدداً، وأن الخلاص ليس قريباً كما كان يأمل عقب ثورة 25 يناير.

 

   ويبقى الأملُ قائماً في أن ينتبه الشعب بمختلف أطيافه، إلى أنّ ثورته التي نجحت قبل عامين ونصف عام، قد سُرقت منه بدهاء كبير في 3 جويلية الجاري تحت مسمى “الثورة الثانية”، وحُوّلت إلى خدمة قادة الجيش والفلول والأقلية العلمانية لتحكمه دون انتخابات، وأن يثور مجدداً لتصحيح الوضع، وأن يدعِّم انتفاضة الإخوان في مختلف ميادين مصر. ولعلّ استفاقة بعض السلفيين، وحزب أيمن نور، وتململ حركة “تمرد” على الإعلان الدستوري للرئيس غير الشرعي، واعتباره يؤسس لديكتاتورية جديدة، هي كلها مؤشرات استفاقة شعبية جدّية، نأمل أن تتطور قريباً إلى مصالحة شعبية مع الإخوان والنزول إلى الشوارع معاً كالموج الهادر لاجتثاث حكم العسكر. 

مقالات ذات صلة