-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تعديل الدستور ومطلب تغيير أسلوب الحكم

محمد بوخطة
  • 1548
  • 0
تعديل الدستور ومطلب تغيير أسلوب الحكم
ح.م

على رأس التزامات رئيس الجمهورية السيد عبد المجيد تبّون تعديلُ الدستور من أجل تعميق قيم الديمقراطية الحقيقية وتغيير أسلوب الحكم، وهذا عملٌ جوهري وحسَّاس لأنه سيكون الأرضية القاعدية التي يُبنى عليها النظام الجديد، لذا وجب التفاعل معها بعناية وإخلاص للوطن وهذا ما أحاول معالجته في هذا المقال.

من الضروري بداية الإجابة عن سؤال مهم: هل تعديل الدستور عملٌ سياسي أم تقني؟

والجواب بلا تردد هو عملٌ سياسي: فهو مجموعة الأفكار السياسية التي تحكم فلسفة النظام ـ كما يريدهاـ والتي تجسد في شكل رسمي دستوري (قانوني)، فهو مرتبط أساساً بالفكر السياسي أكثر من ارتباطه بالقانون الدستوري بالمعنى الأكاديمي، إذ أن دور القانون الدستوري لا يعدو أن يكون الشكل الرسمي أو القالب الذي تُجسَّد فيه تلك الأفكار ذات العمق السياسي، من هذا المنطلق يصبح من الضروري أن تكون هذه الأفكار السياسية محل أوسع توافق سياسي ديمقراطي في إطار الشرعية.
كيف يتحقق ذلك؟

إن الغنيمة الثمينة التي اكتسبناها من مسار الحراك الشعبي في الشهور الماضية وسلوك السلطة السياسية هو التزام “الشرعية الدستورية” الذي أفرز انتخاب رئيس الجمهورية بطريقة آمنة حمت البلد من مخاطر الانزلاق وأمَّنته خارجياً، هذا الالتزام يجب أن يصبح عقيدة لدى الجميع تجعل الدستور والقانون مرجعية التعاطي في كل مجال.

لقد جرَّبنا التعديلات الفوقية في كل ما سبق وكانت نهايتها ما نحن فيه الآن، ولذلك، وانطلاقا من إرادة رئيس الجمهورية والتي تتوافق تماماً ومطلب الحراك الشعبي، في الذهاب إلى تعديل عميق يغيِّر من خلاله أسلوب الحكم، ولكن بآليات ديمقراطية مكرِّسة للإرادة الشعبية، أصبح من الضروري احترام الإجراءات التالية:

1ـ إذا اقتنعنا أن تعديل الدستور فعلٌ سياسي، فمن الأجدر أن يُثار النقاش السياسي المجتمعي أولا حول هذه الأفكار السياسية التي نريدها قبل البحث في كيفية تجسيدها في شكل رسمي، إن المضمون السياسي الدستوري أكبر من أن يعبِّر عنه التقنيون ويتحكمون فيه، من هنا فإن البدء بتعيين لجان تقنية قبل حصول توافق سياسي بآلية ديمقراطية على مضمون الدستور السياسي، هو وضع للعربة قبل الحصان وممارسة فوقية تكرس سلوك السلطة السياسية المعهود والذي هو علة ما نحن فيه الآن.
وإذا كان الإعلام من أهم ركائز نظام الحكم، فإنني آمل أن ينفتح الإعلام العمومي خاصة على الرأي والرأي المقابل لاسيما في هذه القضية الحساسة فيفسح المجال لكل مكوّنات الشعب لتعبر عن رأيها فيشارك بذلك وبجدارة في الخدمة العمومية ويكون قدوة للإعلام الخاص ليكون بحق إعلاماً عمومياً لا إعلاماً حكومياً.

2ـ لابد أن يسبق التعديلَ انتخاباتٌ تشريعية شفافة ونزيهة تفرز برلمانا معبِّرا عن الإرادة الشعبية من خلاله يمكن لرئيس الجمهورية اختيار لجنة تعديل الدستور مختلطة بين برلمانيين ومتخصصين بأغلبية برلمانية طبعا، هذا المسلك سيعفينا من بحث معايير وتصنيفات فوق العادة لاختيار من نتحاور معه ومن لا نتحاور معه ومن هي الشخصية الوطنية ومن غيرها…

3ـ قبل ذلك لابدَّ من تعديل قانون الأحزاب وتسهيل إجراءات تأسيسها ليُفسح المجال لهذا الحراك الشعبي من أجل التحوّل إلى الممارسة الديمقراطية الطبيعية وفق آلياتها الشرعية، فالشارع ليس بديلا عن الشعب ولا معبِّرا عنه أفضل من صندوق الاقتراع، ولن تكون هناك ممارسة سياسية حقيقية مع التضييق على إنشاء الأحزاب السياسية.

4 ـ تجب أن يصحب ذلك تعديل قانون الانتخابات كما وعد الرئيس نفسه من أجل سد المنافذ على المال السياسي وتمكين أكبر للشعب من التعبير عن رأيه في شفافية ونزاهة، وهي قضايا تقنية سيكون الحوار حولها مفيدا.

5 ـ تغيير نمط الانتخاب وتغيير قانون الدوائر الانتخابية، وإن كان ذلك ليس هدفا بحد ذاته، وإنما هو وسيلة من أجل ترسيخ علاقة ديمقراطية بين الأفراد آخذاً بعين الاعتبار الأهداف المراد تحقيقها، وإذا كان رئيس الجمهورية قد تحدَّث مراراً عن تكريس الرقابة وتفعيل المحاسبة الشعبية، وفسح المجال للطاقات الشبابية في مجال الممارسة السياسية وتوثيق الصلة بين المنتخِب والمنتخَب وتحميله المسئولية، فإن أنسب نمط انتخاب هو “الانتخاب الفردي” القائم على تقسيم الوطن إلى دوائر انتخابية وفق معامل انتخابي في كل دائرة مترشح واحد فقط بدل نظام القائمة المعمول به…

6 – احترام القيود الدستورية في التعديل لاسيما القيد الموضوعي الوارد في المادة 212 والذي سوف يغنينا عن جدل كبير مرتبط بمشروع المجتمع.

من حيث المضمون:
لعل النقاش سينصبُّ أساساً حول مدى استقلالية السلطات وتوازن الصلاحيات بينها، لا سيما ما تعلق بصلاحيات رئيس الجمهورية…

عندما نتحدَّث عن الصلاحيات الإمبراطورية لرئيس الجمهورية فإنا لانقصد بذلك تقاسمها مع الوزير الأول لتصبح السلطة التنفيذية برأسين، كما هو الأمر في النظام شبه الرئاسي، هذا النمط غير مستقر وغير مفيد ولا مبرر للدعوة إليه سوى التأثر بمستعمِر الأمس ـ طبيعة النظام الفرنسي ـ إذا كان الرئيس يُنتخب على أساس برنامجه فمن حقه أن يختار رجال ثقته الذين ينفذون برنامجه حتى ولو لم يكن هناك وزيرٌ أول من الأساس، كما هو النظام الأمريكي.

الأنظمة التي فيها وزير أول أو رئيس حكومة هي أنظمة برلمانية حقيقية منصب الرئيس فيها شرفي ورئيس الحكومة أو الوزير الأول يحكم فعلياً كما في بريطانيا وألمانيا واليابان، لذلك فمن وجهة نظري يبدو النظام الرئاسي مناسبا جداً وبسيطا ومفهوما، حتى ولو ألغي منصب الوزير الأول.

إنما المقصود بذلك الحد من تغوُّل السلطة التنفيذية ممثلة في رئيس الجمهورية على السلطة التشريعية وعلى السلطة القضائية وعلى سبيل المثال لا الحصر:

1 ـ إن ممارسة التعيين من قبل رئيس الجمهورية في مؤسسات السلطة التشريعية مناف لمبدإِ الاستقلالية والتوسع فيه يُعدُّ تغوُّلا واضحا عليها، بالنظر لكون رئيس الجمهورية يعيِّن ثلث أعضاء مجلس الأمة وبمراعاة أحكام المادة 145 من الدستور التي ترهن أداء السلطة التشريعية، فإن رئيس الجمهورية يستطيع أن يعطل أي قانون لا يرضيه وهو اعتداءٌ صارخ على اختصاصات السلطة التشريعية.

ـ وبتقييم بسيط لتجربة “مجلس الأمة” في العملية التشريعية ندرك تماماً أنه لم يقدم شيئاً أكثر من العبء المادي الذي يضيفه إلى خزينة الدولة، وبالنظر إلى الظروف التي استُحدث بسببها والتي لم يعُد لها مبرر الآن فإن إلغاء مجلس الأمة نهائياً أكثر من ضروري.

2 ـ من الضروري أيضاً إلغاء التشريع بالأوامر الرئاسية (أحكام المادة 142 من الدستور) الذي يتنافى تماماً مع مبدأ الاستقلالية والتوازن بين السلطات وليس معمولاً به في أي ديمقراطية في العالم.

3 ـ إعطاء البرلمان حق مراقبة التعيينات في المناصب الاستراتيجية (وزير الدفاع، وزير العدل، وزير المالية…) وتقليص الصلاحيات الواسعة للرئيس في التعيين في المناصب والوظائف العليا في الدولة…

4 ـ توسيع صلاحيات البرلمان في الرقابة على أعمال الحكومة ومختلف الأجهزة التنفيذية، وإعطائه الحق في مساءلة الوزراء وقادة الأجهزة الأمنية…

5 ـ تحرير السلطة القضائية من وصاية السلطة التنفيذية وذلك بإعادة النظر في تركيبة المجلس الأعلى للقضاء ليقوم على أساس الانتخاب من بين النظراء واستحداث مفتشية عامة تابعة للمجلس الأعلى للقضاء تتكفل بالرقابة على أداء القضاة حتى لا يكون القاضي تحت رحمة وزير العدل ومفتشيته ما يحد من استقلالية أدائه.

6 ـ استبدال المجلس الدستوري بمحكمة دستورية.

7 ـ إعادة تشكيل السلطة المستقلة لتنظيم الانتخابات بتكريس مبدأ الانتخاب والشعبية والاستقلالية والتمتع بقوة السلطة العمومية
وهي كلها أفكارٌ سياسية دستورية تعمَّدتُ طرحها باختصار من أجل إثارة النقاش حولها لصالح الدولة وتعزيز الديمقراطية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!