-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
ماستر المدارس العليا للأساتذة

تعسف وزارة التعليم العالي

تعسف وزارة التعليم العالي
ح.م
الطاهر حجار وزير التعليم العالي

لا شك أن الكثير يتذكرون ما دار من تجاذب حول فتح الماجستير في المدارس العليا للأساتذة خلال السنوات الماضية، ولعل البعض الآخر يتذكر المحاولات المتكررة لتحجيم دور هذه المدارس ومحاولة جعل هذا الدور ينحصر في تقديم بعض المحاضرات في طرق التدريس لفئة من الطلبة خريجي الجامعات أو لمن يمارسون التعليم في الثانويات والمتوسطات، كما كان هناك ميول أو قرار تحت الطاولة في زمن مضى لإلحاق هذه المدارس بالجامعات وكسر شوكتها.

 

واقع حال المدارس العليا

دعنا نخص بالذكر هنا المدرسة العليا للأساتذة-القبة التي تعتبر عينة من هذه المدارس، فهي تكوّن فئتين من الطلبة “باك+4″ و”باك+5” ليتخرجوا أساتذة في المتوسط وأساتذة للثانوي، وتختص القبة في حقول الرياضيات والفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وعلم الموسيقى والإعلام الآلي. 

ونظرا لعراقة هذه المدرسة (التي فتحت أبوابها منذ 53 سنة) ونظرا لعدد طاقم التدريس فيها (الذي تجاوز 300 مدرّس) وحيازة جزء كبير منهم على أعلى رتبة الأستاذية في التعليم العالي، فقد فُتح في المدرسة الماجستير منذ 1987 في شتى العلوم وتخرج بهذه الشهادة من المدرسة مئات الطلبة، ثم سُمح للمدرسة بتكوين ما بعد الماجستير (الدكتوراه) وبمنح شهادة التأهيل الجامعي في هذه الفروع. 

كما يوجد في المدرسة أزيد من 10 مخابر بحث رأت النور منذ بداية هذا القرن ولا زال عددها يتزايد في الرياضيات البحتة والتطبيقية، وفي الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا بشتى أنواعها، وهذا إضافة إلى مخبرين متخصصين في طرق تدريس العلوم وتاريخها، وينتسب إلى هذه المخابر حوالي 200 باحث-أستاذ وطالب ما بعد التدرج، وتسهم هذه المخابر في تكوين طلبة الدكتوراه وتُجرَى فيها تجارب علمية والبعض من هؤلاء الطلبة يأتوها من ولايات بعيدة… بل ولبعض باحثيها براءات اختراع في البلاد الأجنبية.

وتستقبل هذه المخابر عددا كبيرا سنويا من الباحثين الجزائريين والأجانب في حلقاتها الدراسية الأسبوعية وملتقياتها العلمية… وهو ما سمح لحد الآن من تخريج نحو 400 طالب في الدراسات العليا (بين حملة الماجستير والدكتوراه)، وقد انتشر وتوظف هؤلاء في مختلف المؤسسات الجامعية عبر الوطن ولا زال العشرات قيد التخرج.

ونحن إذ نعدد هذه الخصوصيات المرتبطة بالبحث العلمي والتكوين ما بعد التدرج، فللحديث عن مشكل قائم الآن في هذا الموضوع، وبعد أن تبنت الوزارة نظام “أل أم دي” في الجامعة وعممته على جميع المؤسسات ما عدا المدارس العليا والمدارس الوطنية، شرعت الوزارة في التخلص من نظام الماجستير ودكتوراه النظام الكلاسيكي حتى أزالته تماما من الجامعة، وظلت المدارس العليا بالنظام الكلاسيكي. 

وخلال السنتين الأخيرتين ضُيِّق على هذه المدارس الخناق وتم تنبيه المعنيين بأن آخر دفعة تسجل في الماجستير كانت دفعة عام 2014/2015، ونزولا عند الضغوط والاحتجاجات الطلابية مددت الوزارة بسنة التسجيل في الماجستير وكانت السنة 2015/2016 بالفعل هي آخر سنة تسجيل في هذه الشهادة، وكان هناك تململ كبير لدى طلبة المدرسة وكذا الأساتذة جراء المصير المجهول للدراسات العليا في هذه المؤسسات، وهكذا وعدت الوزارة بأنها ستأذن للمدارس العليا عام 2016/2017 بفتح شهادة الماستر.

 

المواقف المتضاربة

وخلال السنة الماضية كان هناك تضارب كبير في الآراء خلال الاجتماعات بين الأساتذة والإدارة وفي الأوساط الطلابية… علما أن طلبة المدرسة يُقبَلون في المؤسسة بمعدلات عالية في الباك (هذه السنة مثلا، تراوحت المعدلات الدنيا في الباك التي قُبل بها المسجلون في السنة الأولى بين 13.60/20 و14.97/20 ). ويمكن اختصار أوجه النظر حول فتح الماستر في ثلاثة مواقف: 

1. الموقف 1: بما أن مدة الدراسة هي 5 سنوات – وهو عدد سنوات تحضير الماستر- يمكن إضافة مجموعة من الدروس خلال الـ 5 سنوات (حجمها الساعي محدد) ومذكرة تخرج خلال السنة الأخيرة؛ ويمنح المتخرج بعد ذلك شهادتين: الليسانس في التعليم والماستر في التخصص المختار. 

2. الموقف 2: بما أن الانتقال من الليسانس إلى الماستر في نظام “أل أم دي” ليس تلقائيا فنطبق الحالة الأولى على أفضل الطلبة الذين يتم انتقاؤهم في نهاية السنة الثالثة.

3. الموقف 3: بما أن الطلبة يمضون عقدا ليكونوا مدرسين في الثانوي والمتوسط فلا حق لهم في الماستر إلا بعد الانتهاء من الليسانس (5 سنوات)، بمعنى أن طالب المدرسة يجري مسابقة في نهاية السنة الخامسة، وعند النجاح يتعين عليه دراسة سنة سادسة ليحصل في نهايتها على الماستر.

واستطاعت إدارات المدارس العليا أن تفرض الموقف الثالث دون مراعاة آراء المعنيين رغم ما فيه من هضم لحقوق الطالب، ولم يستطع المعارضون لهذا الحل من الأساتذة وغيرهم إقناع الوصاية، ولعل الوصاية أوعزت لإدارات المدارس بتبني هذا الحل.

وعلى مضض اقترح أستاذة مشاريع ماستر للسنة 2016/2017 بناء على الحل الثالث وعرضت على الوزارة في شتاء هذه السنة، ومن تلك المشاريع ثمة في مدرسة القبة مثلا 5 منها في العلوم الأساسية تتماشى مع اختصاصات مخابر البحث المشار إليها أعلاه، تماطلت الوزارة للبت في الموضوع، وفي الأخير، فاجأت الجميع منذ يومين بالإشارة إلى أن تلك المشاريع سوف يكون مصيرها الرفض ما لم يضف أصحابها إليها “طرق التدريس”، بمعنى أن على تلك التخصصات أن تكون ذات طابع بيداغوجي تعليمي وليس التعمق والتركيز على جانب من جوانب العلوم التي تدرس في المدرسة أو التي يتم فيها البحث داخل المخابر!!!

تطلب الوزارة ذلك مع أننا نقرأ في نصوص الجريدة الرسمية (رقم 36 الصادرة يوم 19 جوان 2016 المحددة لمهام المدرسة) أن من هذه المهام “التكوين في الدكتوراه” والقيام بـ”نشاطات البحث العلمي” وذلك بدون أي تخصيص أو تحديد لنوع البحث أو إلزام ببعضه مثل ما تفرضه الآن الوصاية !!! وتشير النصوص في مكان آخر إلى فتح مخابر ووحدات بحث أيضا دون تخصيص… شأنها شأن النصوص المحددة لمهام أي جامعة من جامعات الوطن.

 

سلسلة التعسفات

وبناء على كل هذه المعطيات فإننا نلاحظ أن هناك أكثر من تعسف من قبل الوصاية إزاء المدارس العليا والمنتسبين إليها: 

1. التعسف الأول: هو تبني وزارة التعليم العالي، ومعها إدارات المدارس العليا، الحل الثالث المشار إليه أعلاه.

2. التعسف الثاني: هو إلزام الزملاء مقترحي مشاريع الماستر بإضافة مقررات لا تندرج ضمن اختصاصاتهم.

3. التعسف الثالث (وهو الأخطر): عندما يحمل طالب المدرسة شهادة الماستر هذه، وقد كتب عليها هذا الاختصاص “طرق تدريس” أو “تعليمية” فمن سيوظفه في الجامعات؟ وقبل ذلك أين سيواصل دراسته العليا (الدكتوراه) والاختصاص غير موجود في تلك الجامعات؟

بعد كل هذا نسأل: ما يضر وزارة التعليم العالي في قبول مشروع ماستر يسمى مثلا “فيزياء الجسيمات” أو “نظرية الأعداد” أو “تطهير المياه” أو “بيولوجيا الحيوان” دون إضافة “تعليمية” أو “طرق تدريس”؟ ثم نتساءل بعد أن تابعنا منذ عشرات السنين تحامل بعض المسؤولين وآراء زمرة من الزملاء خارج المدارس العليا: ألا يكفيكم “حڤرة” لهذه المؤسسات الجامعية التي يرجع الفضل لخريجيها في تكوين أطفالكم وذويكم في المتوسطات والثانويات والجامعات؟!!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • إبن قالمة

    إحترم نفسك في إنتقادك للأستاذ , وليكن نقدك لبقا قبل أن يكون بناءا .