تفكيك الأسرة باسم الإسلام!
أنْ يقوم مجلس الأمة بالمصادقة على القانون المعدّل والمتمم لقانون العقوبات في شقه المتعلق بمكافحة العنف ضد المرأة، فهو أمرٌ كان منتظراً، في إطار إستراتيجية السلطة القائمة على التجميد المؤقت لمخططاتها ومشاريعها في كل مرة تثور فيها عاصفة من ردود الأفعال الرافضة لها، وبعد أن تمرّ أشهرٌ وتهدأ الأمور، تقوم بتمرير ما تريد.. هذا ما قامت به منذ 13 سنة مع “إصلاحات” بن زاغو، وتكرّره الآن مع هذا القانون، وستكرره لاحقاً مع “اقتراح” بن غبريط بتدريس اللهجات العامّية في الابتدائي، وقانون بن يونس لتعميم تجارة الخمور..
لكن أن يزعم بعض الوزراء والنواب أن هذا القانون “مستمدّ من الشريعة الإسلامية؟!” فهذا هو الاستخفاف الممجوج بالعقول والاستفزازُ بعينه؛ فالأصحّ أنه وُضع تحت ضغط جمعياتٍ نسوية علمانية يستمددن قناعاتهن من مقررات منظمة الأمم المتحدة للأمومة والطفولة، ولا علاقة للقانون بالشريعة.
صحيحٌ أن الإسلام يكرّم المرأة ويوصي بالرفق بها ومعاملتها بالحسنى، ولا يجيز ضربها بشكل مبرِّح وإلحاق عاهة بها، ولم يُجز ضربَها بشكل خفيف إلا في حالة النشوز فقط، وبعد فشل الوعظِ والهجر.. وشدّد على ضرورة ترسيخ المودّة والرحمة بين الزوجين، ولكنه لم يشرّع حدوداً للضرب المبرِّح، وترك المسألة للناس يعالجونها وفقاً لأعرافهم وتقاليدهم، وهو ما كان أجدادُنا يقومون به بنجاح لقرون طويلة، وكانت مسائل من هذا النوع تُعالج على مستوى العشائر وكبار القوم، وتنتهي في الغالب بالصلح وكفّ الزوج أذاه عن زوجته، وبالتالي الحفاظ على عش الزوجية ومستقبل الأطفال، لكن جمعيات النساء الفاشلات في تكوين أسر، أدرن ظهورهن لهذا الإرث الاجتماعي العريق، وفضلن الضغط لسنّ قوانين مستمدّة من المجتمعات الغربية تتدخل في العلاقة بين الزوجين، وتفتح المجال واسعاً لخروج الأسرار الزوجية إلى المحاكم، وسجن الأزواج بدافع الانتقام، حتى في حالة “العنف اللفظي”، وبالتالي حدوث الطلاق وتفكك الأسر وضياع الأطفال وتفسّخ المجتمعات وتفاقم الانحرافات الاجتماعية…
إذا كان تجاوزُ الأعراف الاجتماعية وسنّ قانون بهذا الصدد حتما مقضيا، فقد كان يمكن، بعد “تجميد” هذا القانون منذ مارس الماضي، أن يُطرح لمختلف فعاليات المجتمع لمناقشته بشكل واسع وإثرائه قصد إعادة صياغته بشكل يحافظ فعلاً على الأسرة والأطفال، ويُنصف الزوجين معاً، لكن السلطة أبت مرة أخرى إلا التحيّزَ السافر إلى صفّ جمعيات النساء الفاشلات في المحافظة على أسرهنّ، واسترضاؤهن على حساب المجتمع الذي سيدفع الثمن غالياً.
هو انتصارٌ آخر تحققه هؤلاء التغريبيات بعد تعديل قانون الأسرة في مارس 2005، في عهدٍ وضعت فيه السلطة نفسها في خدمة رجال المال المشبوه وجمعيات النساء التغريبيات، في انتظار تحقيق انتصاراتٍ أخرى قريباً ما دام بعض “بني وي وي” في مجلس الأمة قد أوصوا بتعديل هذا القانون مجدداً، ما يفتح المجال لهذه النسوة بإعادة رفع مطالب قديمة كإلغاء التعدّد، وإسقاط شرط الوليّ في زواج البكر، و”المساواة” في الإرث وتقاسم العِصمة.. وقد يُقدَّم لنا ذلك أيضاً على أنه “مستمدّ من الإسلام”، إمعاناً في استفزاز هذا المجتمع المحافِظ وإذلاله، و”تطحين” رجاله، ولا حول ولا قوة إلا بالله العليّ العظيم!