-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تقدم المسلمين بين الوحي والعلوم التجريبية

رشيد بركات
  • 1104
  • 13
تقدم المسلمين بين الوحي والعلوم التجريبية
أرشيف

لقد انتصر منهج العلوم التجريبية على منهج الكنيسة عقب الصراع حول أيهما أحق في فهم الظواهر الكونية واستخراج قوانينها وتفسيرها تفسيرا صحيحا بعيدا عن الخرافات. ويشهد لانتصار العلوم التجريبية التقدم الكبير الذي تتمتع به الدول الغربية في مناحي الحياة الدنيوية نتيجة اعتمادها على تلك العلوم.

في المقابل نلاحظ أن المسلمين قد أصابهم مرضُ العجز عن إصلاح حالهم الدنيوي والتصدّي للتحديات التي تواجهها متطلبات معيشتهم. ونتج عن ذلك ـ كما هو ظاهرـ تخلّفهم في أغلب ميادين ومجالات الحياة الدنيوية كالميدان العمراني أو التكنولوجي أو الاقتصادي أو الصناعي أو الزراعي وغيرها. ويمكن إرجاع سبب ذلك إلى إهمال علماء المسلمين دور الحواس والعقل في تأدية كل منهما وظيفته في مجال فهم سنن الله في الكون والإنسان والمجتمعات والاستفادة منها في جلب منافع دنيوية لهم وتحسين ظروف معيشتهم.

ولم يتوقف خطأ المسلمين عند هذا الحدّ بل تسرّب إليهم اعتقاد أن طريق تقدمهم المادي وتحسين ظروف حياتهم ومعيشتهم من الواجب البحث عنه في القرآن الكريم وما جاء في توجيهات الرسول الكريم. والحق أن هذا الفهم خاطئ ويعتبر أهمَّ سبب في استمرار تخلفهم. فليسا الوحي برنامجا للتنمية البشرية ومشروعا لتحسين ظروف معيشة المسلمين بل وظيفة ذلك منوطة بالحواس والاجتهاد العقلي. وليس أكبر دليل لتأكيد خطأ هذا الاعتقاد هو ما نلاحظه عن المجتمعات الغربية فإنها لم تأخذ في مسيرة تقدُّمها الدنيوي من عقائد وأحكام أديان أو فلسفات سماوية أو بشرية ولا حتى عن الإسلام فضلا أن تدعي ذلك بل سلكت طريق العلوم التجريبية التي تعتمد على الحواس والعقل.

والمؤسف أن هذا الاعتقاد السائد في أوساط الكثير من المسلمين مخالفٌ لتوجيهات نبيهم صلى الله عليه وسلم، أليس هو القائل لهم (أنتم أعلم بأمور دنياكم)، فقد جاء في صحيح مسلم عن ثابت عن أنس: أن النبي مَرَّ بقوم يلقحون أشجار النخل فقال (لو لم تفعلوا لصلح) فخرج شيصا ولم ينضج في ذلك العام، فمرّ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال (ما لنخلكم؟) قالوا: قلتَ كذا وكذا، قال (أنتم أعلم بأمر دنياكم). وحتى لو جاء هذا التوجيه النبوي في معرض الكلام عن أمر في مجال الزراعة فيمكن القياس عليه كل المجالات الدنيوية الأخرى والتي تدخل ضمن ما يقوم به الإنسان من تجارب بقصد تحصيل نفع في مأكله وملبسه ومسكنه ومركبه وبدنه، فتشمل الأمور الطبية والصناعة والتجارة والنقل والتدابير الفنية في الحروب وغيرها، فهذا الحديث يعتبر توجيها لهم للاعتماد على تجاربهم الحسية وعقولهم لتحسين ظروف معيشتهم وتقدُّمهم الدنيوي دون ما جاء به من الوحي.

وكما يلاحظ فحتى الصحابة رضي الله عنهم كانوا يعتقدون أن كل أقوال وتوجيهات النبي صلى الله عليه وسلم وحيٌ من الله ما جعلهم يمتنعون عن تلقيح النخل لمجرد رأي رآه صلى الله عليه وسلم، فبيَّن لهم واجب تفريقهم بين ما يقوله إخبارا عن الله تعالى ودينا وشريعة وبين ما يقوله برأيه في مجال العلوم والأمور الدنيوية، قال الإمام ابن تيمية (وهو صلى الله عليه وسلم لما رآهم يلقحون النخل قال لهم (ما أرى هذا) يعني شيئا. ثم قال لهم (إنما ظننت ظنا فلا تؤاخذوني بالظن ولكن إذا حدثتكم عن الله فلن أكذب على الله) وقال (أنتم أعلم بأمور دنياكم فما كان من أمر دينكم فإليّ) وهو لم ينههم عن التلقيح لكن هم غلطوا في ظنهم أنه نهاهم) مجموع الفتاوى 18/12.

كما يجب تحميل مهمة التقدم الدنيوي وتحسبن مستوى وظروف معيشة الناس لعلماء الطبيعة والعلوم التجريبية وليس للعلماء المتخصصين في العقيدة أو الفقه أو أحكام الشريعة لثبوت تفوّق أولئك على هؤلاء في هذه المهمة، فقال الإمام ابن القيم في معرض رده على من يظن أن تأويلات المتخصصين في العلوم الدنيوية صحيحة لتفوقهم فيها على غيرهم (أن الله سبحانه قد يعطي أجهل الناس به وبأسمائه وصفاته وشرعه من الحذق في العلوم الرياضية والصنائع العجيبة ما تعجز عنه عقول أعلم الناس به تعالى ومعارفهم، وقد قال النبي (أنتم أعلم بدنياكم) وصدق صلوات الله وسلامه عليه، فإن العلوم الرياضية والهندسية وعلم الأرتماطيقي والموسيقى والجغرافيا وإيرن وهو علم جرّ الأثقال ووزن المياه وحفر الأنهار وعمارة الحصون وعلم الفلاحة وعلم الحميات وأجناسها ومعرفة الأنوار وألوانها وصفائها وكدرها وما يدلُّ عليه وعلم الشعر وبحوره وعلله وزحافه وعلم الفنيطة ونحو ذلك من العلوم هم أعلم بها وأحذق فيها. وأما العلم بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتفاصيل ذلك فإلى الرسل) الصواعق المرسلة 445.

إن العلوم الدنيوية هي علومٌ لا تختصُّ بأصحاب ديانة من الأديان بل التفوق فيها يكون لكل من سلك طرق حصولها أما من جهة أي العلوم أفضل فلا شك أن علوم الدين أفضل لما تحقق لصاحبها من السعادة الأبدية في الآخرة، قال الإمام ابن حزم (وعند التحقيق وصحة النظر فكل ما عُلم فهو علم، فيدخل في ذلك علم التجارة والخياطة والحياكة وتدبير السفن وفلاحة الأرض وتدبير الشجر ومعاناتها وغرسها والبناء وغير ذلك إلا أن هذه إنما هي للدنيا خاصة فيما بالناس إليه الحاجة في معاشهم. والعلوم التي قدَّمنا (يقصد التي تساعده لفهم الدين وأحكامه) الغرض منها التوصل إلى الخلاص في المعاد فقط، فلذلك استحقت التقديم والتفضيل) رسائل ابن حزم 4/81.

وعليه فالمهمة التي ينبغي أن يقوم بها علماء المسلمين على اختلاف تخصصاتهم هو علاج مناهج المعرفة عندهم من الانحراف الذي أصابها والتوصل إلى صيغة منهجية ملائمة يمكن بها الجمعُ بين ما يدخل من صميم الوحي من جهة وما هو موكول للحواس والعقل القيام به من جهة أخرى في وحدة وتكامل يتبوأ كل منهما مكانه الصحيح دون مغالاة أو تعسُّف.

“جاء في صحيح مسلم عن ثابت عن أنس: أن النبي مَرَّ بقوم يلقحون أشجار النخل فقال (لو لم تفعلوا لصلح) فخرج شيصا ولم ينضج في ذلك العام، فمرّ بهم الرسول صلى الله عليه وسلم مرة أخرى فقال (ما لنخلكم؟) قالوا: قلتَ كذا وكذا، قال (أنتم أعلم بأمر دنياكم).”

 

 

 

 

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
13
  • Bilo

    La science expérimentale a certes prouvé son efficacité depuis les grecs qui ont fondé une science basée sur la raison. Le problème c'est qu'elle n'est pas absolue en plus qu'elle ne répond pas aux questions relatives aux sciences humaines malgré ces prétentions et un argumentaire sophistiqué.. Si la science expérimentale a la nature comme référence de comparaison, les sciences humaines n'ont pas de référence(le fonctionnement du cerveau est
    ... loin d'être connu) et c'est là ou les religions trouvent leur place et contestent les trouvailles de la science

  • الطيب

    3/ بالنسبة للدين الذي نؤمن به لا صدام بين الثابت و المتغير ...الله هو الله سبحانه و تعالى و الدنيا هي الدنيا و الآخرة هي الآخرة و الخير هو الخير و الشر هو الشر و ركعتي الفجر هما ركعتي الفجر ... أما المتغير فله علاقة باجتهادات الإنسان و تطلعاته التي قد نقبلها اليوم و ننكرها غدًا و لا عيب في ذلك أو صحيحة اليوم و خاطئة غدًا .

  • الطيب

    2/ ما هو المتغير ؟ كنت أسافر ممتطيًا حماري و عقيدتي في عقلي و قلبي و روحي أما الآن أنا أسافر ممتطيًا سيارتي و بجانبي حاسوبي الذي بواسطته أشاهد العالم بأكمله و عقيدتي في عقلي و قلبي و روحي...لن تكون عقيدتي التي هي " الثابت " ضد المتغيرات التي من طبيعتها و من البديهي أنها تتغير مثل وسيلة النقل أو مثل ما وصل إليه العلم أو ما سيصل إليه (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ تَنْفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَانْفُذُوا ۚ لَا تَنْفُذُونَ إِلَّا بِسُلْطَانٍ ) .

  • الطيب

    الآن السؤال : هل هذه الحقائق التي نؤمن بها تتغير بمرور الزمن ؟ أم أنها ثابتة ؟ أم أنها قابلة للتغير؟ أليست هذه هي التي يقال عنها الدين ؟ الجواب بكل بساطة : إذا تغيرت أو أنها قابلة للتغير فلا وجود للوحي و لا وجود للعقيدة و لا وجود للدين .أم إذا اتفقنا إيمانيًا أنها ثابتة و لا تتغير فلابد من إقامة الدين بمقتضى هذا الإيمان ...هذا هو منطق العقل.

  • الطيب

    1/ علينا كمسلمين أن نفرق بين الثابت و المتغير في الحياة و الكون ، إذا نحن قبلنا بالإسلام عقيدة أولاً و قبل كل شيء معنى ذلك أنه قبول بالوحي ..الوحي الذي نؤمن به و نؤمن بالإنسان الذي بلغه لنا عليه الصلاة و السلام ـ ولا ننسى أنه أمي ـ هذا الوحي يقول إلهكم إله واحد و هو خالق هذه السموات و الأرض و هو الذي خلقكم من نفس واحدة و خلق منها زوجها و علمكم ما لم تكونوا تعلمون و و... منطقيًا الإيمان بالخالق يقتضي عبادته والعبادة لابد لها من معلم ( أي الشريعة ) ...

  • مهدي

    مقال جميل لكن هناك امر لم يدركه البعض ولعلي ادركته وهو مثلما نحن أعلم بدنيانة فهناك امور الله اعلم بها منعنا من دخول فيها حتى لانصير في متاهات ومتاهات كبعض العلوم التي تدخل في ماهية الله والبعض اخر التي صارت تدعو لاخذ اخلاق من حيونات فلواط وزنا محارم امر طبيعي لان بعض الحيونات التي لاعقل لها تفعله ؟ مسخرة العلمانين والملحدين ....نعم نجتهد في امور دنيانة لكن يجب وضع اولا مقاييس لايجب مساس بيها وهي اصلا موجودة تحتاج فقط طرح للعامة وتلقينها لهم

  • انسان

    الى الذي يسمي نفسه علماني:
    الا ترى ما يحدث في الغرب من تدهور اخلاقي و انحلال و عري و زنى و مثلية و انتحار و تدهور قيم العائلة و الاجهاض و اللواط و استغلال جسد المرأة و الخمر و الادمان على المخدرات وربا و القمار و ارتفاع معدل الجريمة و القتل و السطو علو خيرات الدول الضعيفة و الوقوف مع احتلال الدول المستضعفة و و .. كل هذا و تسميه تنوير و تقدم !!! عجيب و الله كيف يعمى الانسان لهذه الدرجة؟
    يا اخي ما حققه الغرب و انا كنت مقيم فيه ما هو الا متعة مادية. اما السعادة الحقيقية فما زالوا بعيدين عليها بعد المشرقين و لك ان تتسائل عن سبب ارتفاع نسبة الانتحار؟ و يكفيك ذلك عن كل سؤال... و الله يهديك للحق.

  • علماني

    أشكر الأخ على هاته الجرأة....المعروف أن الدين عموما يحد من دفع الناس إلى التساؤل،إلى التفكير..إلى النقاش..إلى المغامرة في المجهول..يميل بأتباعه إلى ما يسمى باليقينية، بدل الشك..ومن يشك يسأل ويبحث ويناقش..ومن يتبنى اليقين لا يشك، لا يحتاج إلى التساؤل والبحث والنقاش…الغرب لم يخرج من تخلفه إلا بحركة تنويرية أدت إلى جعل الدين أمرا شخصيا، قناعة ذاتية تربط الشخص بما يؤمن به ، وهي الوضعية التي عرفت باسم العلمانية.. للأسف، في عالمنا العربي يبدو أننا الآن، والآن فقط بدأنا صراعنا نحن من أجل علمنة مجتمعنا، المشكلة عندنا أننا نجد تنويريين قلائل،وهو ما يعني أن الأمر عندنا صعب جدا جدا..

  • انسان

    كلام رائع و مفيد و لكنه غير كافي... فبعض العلوم يتداخل فيها الدين و الدنيا مثل علم النفس و علم الاجتماع فبأي مناهج ندرس و نحلل مثلا الامراض النفسية: عل نعزوها لامراض القلوب و مس الشيطان أم نعزوها لتفسيرات علم النفس التجريبية التي تنكر اصلا وجود شيطان. و كيف نفسر مثلا تأثير القرآن على المجنون و هم أصلا لا يؤمنون بالقرآن؟... الامر شائك و في اعتقادي ان المنهج العلمي التجريبي غير كافي وحده لصحة و سلامة و تقدم الانسان و ازدهار الغرب ليس معيار لانه لم يحقق للانسان سعادته كلها و كل ما توصل اليه هو سعادة مادية مؤقتة و محدودة الاثر و الدليل هو نسبة الانحار عندهم.
    و الله اعلم.

  • محمد

    العقل لابد منه ليس فقط بالآيات التي تذكر "أولو الألباب" بل حتى بدليل بعض الأحاديث مثل حديث معركة بدر:
    قال ابن إسحاق : فحدثت عن رجال من بني سلمة ، أنهم ذكروا : أن الحباب بن المنذر بن الجموح قال : يا رسول الله ، أرأيت هذا المنزل ، أمنزلا أنزلكه الله ليس لنا أن نتقدمه ، ولا نتأخر عنه ، أم هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ قال : بل هو الرأي والحرب والمكيدة ؟ فقال : يا رسول الله ، فإن هذا ليس بمنزل ، فانهض بالناس حتى نأتي أدنى ماء من القوم ، فننزله ، ثم نغور ما وراءه من القلب ، ثم نبني عليه حوضا فنملؤه ماء ، ثم نقاتل القوم ، فنشرب ولا يشربون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد أشرت بالرأي...

  • nassim

    si les musulmans n'acceptent pas de faire une étude rationnelle et scientifique de leur religion,ils ne sortiront jamais la tête de l'eau.il faut bénéficier de l'expérience faite avec le chréstianisme afin de mettre chacun à sa place, mais nous on donne de plus en plus d'importance aux chouyoukhs et autres oulémas pour nous bourer le crane de leur mensonges.il faut donc cessez de collectiver la religion mais imposer aux gens de la considérer comme une affaire personnelle et privée loin de toute influence

  • salim

    dans cet article j'ai remarqué la fuite en avant du journaliste,car il dit une chose mais il défend son contraire.il faut avoir le courage de dire que la religion est dépassée par le temps,et que nous n'avons qu'à réfléchir et mettre en place un système qui puisse nous faire développer. mais il essaye de faire comprendre que le hadhith et la sunna nous demande...blablablala. la religion ne peut pas résisté devant la clarté et le résultats de la science,regardez la medecine comment elle vous soigne séparément de votre religion

  • juba

    la science chez les musulmans est d'attendre les découvertes des savants, puis ils sautent sur l'occasion pour nous dire que celà nous le savions depuis 14 siècles. la sciences chez les musulmans est de discuter comment voiler une femme et comment doit être le voile, comment faire la ablutions et les prièrres mais aussi de vouloir revivre les pratique du moyen âge sur les chatiments corporels....tant dis que les autres civilisations avancent et inventent pour nous simplifier la vie