الرأي

 تمثيل الحراك والابتزاز السياسي

حسان زهار
  • 1662
  • 10
ح.م

يبدو أن جماعات الرفض المطلق للحل الدستوري، بدأت تشعر باستحالة توقيف عجلة الانتخابات، فارتأت أن تستعد لمرحلة ما بعد الانتخابات.. بالانتقال من مرحلة المطالبة والمغالبة، إلى الابتزاز.

مطلب تمثيل الحراك، الذي ظهر فجأة في الساحة، بعد أن طرحه عرابو الثورات المخملية من لندن وباريس، عبر ما سميناه سابقا “ديمقراطية الصور الفوتوغرافية”، حيث يرفع الحراك صور الشخصيات التي يراها ممثلة له، هو توجه يحمل في مدلولاته رائحة الابتزاز السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات، حيث يسعى الممثلون المزعومون للحراك لطرح أنفسهم كمفاوضين باسم الجماهير التي في الشارع، بغرض استجلاب أكبر قدر ممكن من الغنائم السياسية.

يعزز هذا الطرح، أن أصحابه اليوم، والذين ينشطون (في سبيل الله طبعا) ليل نهار، في السر والعلن، وأحيانا لا ينامون وهم يجاهدون عبر غزوات (اللايف) وما شابه، كانوا إلى وقت قريب ضد فكرة تمثيل الحراك، وكانت حجتهم وقتها، قريبة من الفكر القذافي (التمثيل تدجيل)! والتمثيل هو مطلب السلطة الفعلية، بغرض احتواء ممثلي الحراك، إما ترغيبا أو ترهيبا.

وقتها كانت السلطة تطالب الحراك بتقديم ممثليه، والحراك يرفض، وكانت تطالب النخب الوطنية أن تبرز نفسها، وأن لا تظل خلف صوت الغوغاء من أجل البحث في الحلول الموضوعية، بينما كانت تلك النخب تمتنع أحيانا، وأحيانا تتمنع (وهم راغبون).

وعندما استنفدت كل الحلول، وطال أمد الأزمة في متاهات عدمية (يتنحاو قاع)، التي أطلقها شاب من عامة العامة، وتبين أن الأمر لا بد سيؤول حتما إلى الانتخابات، كونها الوسيلة الوحيدة لحل اشكاليات التمثيل الشعبي، بعيدا عن خزعبلات تمثيل الشارع، خرجت هذه الأصوات الآن، وجلها من خارج الوطن، لتطالب بتمثيل الحراك، عبر آليات رفع الصور، والتزكية عبر الفيسبوك!

المتغير الحاسم في هذا التحول، هو الإدراك المتنامي بأن وقف عجلة الانتخابات، بات شبه مستحيل، وأن ما ضاع من خلال ضياع فكرة المرحلة الانتقالية بالتعيين، يمكن الوصول إليه بعد الانتخابات بالمفاوضات، والابتزاز بالشارع.

إنهم يعتقدون أن الرئيس المقبل، في حال انتخابه بشرعية منقوصة بسبب المقاطعة الواسعة كما يتوهمون، سيكون لقمة سائغة في أيديهم، لابتزازه وأخذ أقصى ما يمكن من تنازلات سياسية، وهذا في الحقيقة وهم، فقد حدثنا التاريخ، أن بوتفليقة جاء عام 1999 بانتخابات شارك فيها لوحده، بعد انسحاب الستة من السباق الرئاسي، ومع ذلك كسر ربقة “ثلاثة أرباع الرئيس” التي أريد له أن يحكم من خلالها، ليتحول في خلال سنوات إلى رئيس بصلاحيات امبراطورية بعد إقدامه على تخييط الدستور على مقاسه.

بالنهاية، يدرك المروّجون لفكرة تمثيل الحراك في هذه الظروف، أن المقاطعة لن تغير في المعادلة شيئا، لكن الاستمرار في توظيف الشارع لصالحهم، والتحدث باسم شريحة من الغاضبين على طريقة الإخراج السيء لبعض فصول المسار الدستوري، من شأنه أن يجعلهم في موقع قوة، يفرضون من خلاله شروطهم التي فشلوا في تحقيقها لحد الآن.

لكن بقي أن نشير، أن التوجه للتمثيل بغرض الابتزاز السياسي، هو الخطة (ب) للجماعة، ذلك أن خطتهم الأولى غير المعلنة، هي تدعيم مترشح من بين “الخمسة”، بغرض الحصول على “الطورطة” كاملة، بما يعني أن لهم رجلا في الشارع بالعلن، ورجلا في الصندوق سرا.. واللي جا فيها خير.

هذا هو منطق التجار الذي نتعامل معه، ومع ذلك يظهرون في المشهد أنهم أصحاب مبادئ عظيمة!

مقالات ذات صلة