-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تنازع “المواطنية” بين الجزائري وسلطته

تنازع “المواطنية” بين الجزائري وسلطته
ح.م

إنّ الاهتزازات التي تتعرض لها الدولة الجزائرية منذ الاستقلال مأتاها من الترجرج في فهم معنى “المواطنية”، التي تكسب الأفراد حكاما ومحكومين منظومة من الحقوق والواجبات غير مجادَل فيها. أما المواطنة والوطنية فهي محسومة على العموم ولا يوجد جزائري يماري في ذلك.

في المفهوم الفلسفي للجذر (وطن) نستطيع اشتقاق كلمات أربع: المواطن، والمواطنة، والمواطنية، والوطنية.

المواطن هو الإنسان الذي يستقر في بقعة أرض معينة، وينتسب إليها، فالحقيقة الأولى للمواطن تظهر في شكل علاقة بأرض معينة، علاقة ثنائية فيها حركية واستمرار.

أمّا الثاني فهو الفرد من حيث هو عضو مشارك في الجماعة الوطنية وفي الدولة التي هي دولتها، ومن حيث هو بهذه الصفة خاضع لنظام محدد من الحقوق والواجبات”. وهو ما يطلق عليه بالمواطنية . أمّا “الوطنية فظاهرة نفسية اجتماعية مركبة قوامها حب الوطن أرضا وأهلا، والسعي إلى خدمة مصالحه أو بعبارة أخرى ظاهرة نفسية، فردية وجماعية”.

نخلص من ذلك كله إلى القول إننا إذا نظرنا إلى علاقة الفرد أو الجماعة بالأرض التي يستوطنونها فنحن نتحدث عن المواطنة، وإذا نظرنا إلى علاقات الفرد بجماعته المشاركة له في وطنه فنحن نتحدث عن المواطنية. وإذا نظرنا إلى علاقة المواطن بوطنه من الناحية النفسية فنحن نتحدث عن الوطنية. ولا يخفى أنّ للمدلولات الثلاثة تداخلا كبيرا ووشائجَ قربى لا ينفك بعضها عن البعض؛ كما هو الشأن في الاصطلاح القانوني للمواطن: “هو الشخص المتمتع على أرض تقوم عليها السلطة بحقوق مدنية وسياسية”.

وبالنتيجة، إنْ كان الرضا باديا على الأفراد فيما يتعلق بالحقوق والواجبات تجد الخط البياني للمواطنة والوطنية في أوجه، وإن أصاب تلك الحقوق والواجبات هرجٌ ومرج تدنت ظاهرا من النفوس الوطنية والمواطنة إلى الحضيض، فبتت تسمع كلاما عن الحكم الذاتي لمنطقة من المناطق، أو “الحرقة”، وقد تجد من يحنّ إلى زمن الاستعمار ومن ينعت الجزائر بكل وصف مشين، وتلك طريقة في التعبير الجزائري تتسم بالمزاجية والآنية غالبا.

ما الخلفيات التي تفسر لنا هذا الجدل المزمن بين الجزائري وسلطته في ما يتعلق بالمواطنية؟ ولماذا الاستنكاف عن الحديث فيها؟ وغض الطرف عن إيجاد الحلول لها؟

سبب الخلاف مرجعه إلى طبيعة الدولة التي تنتظم فيها المواطنية، وشعور الجزائريين بأن بيان أوّل نوفمبر لم ينص على هذه الدولة التي قامت بعد الاستقلال. ومرده كذلك إلى حنين الجزائري الدائم إلى مؤسس الدولة الجزائرية الحديثة الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري، الذي أرسى دعائم هذه الدولة وحدد معالمها وهي تختلف كليّا عما يراه اليوم.

ثلاثية تحكم “المواطنية” اليوم في الجزائر: الاحتقار، والانتقام، والحقد.

بين الاحتقار والانتقام يسكن الشيطان ويعشش، فتمتلئ القلوب بالأحقاد، ويتبخر الحب والتقدير من النفوس، وفي ذلك نذيرٌ بخراب العمران لا قدر الله.

وعلى كل حال، فالمسؤولية الملقاة على عاتق السلطات لحماية كيان الدولة من الانهيار كبيرة، وذلك بمواجهة الحقائق بقلب وعقل منفتحين، ولن يضيرها أبدا إن عاملت شعبها بالاحترام والتقدير اللازمين، فتلقت منه التقدير والوفاء التامين، فنعمت وإياه بالثقة والطمأنينة والاستقرار؛ وذلك ما نلفيه بارقا في مطلع الدولة الجزائرية الحديثة، إبان حكم مؤسسها الرمز الأمير عبد القادر بن محيي الدين الجزائري.

خطوتان لابد منهما في هذا المسار اليسير العسير، يسيرٌ إن الجزائريون مضوا فيه مخلصين غير آبهين، وعسيرٌ إن لم يتمكنوا من تجاوز الأهواء والحسابات الشخصية الضيقة.

أولى هذه الخطوات هي تحديد هوية الدولة الجزائرية، أو بتعبير آخر إعادة بعث هذه الهوية كما رسمها القائد الأوّل الأمير عبد القادر الجزائري، وهوية هذه الدولة معروفة وموثقة في أدبيات ذلك العهد، وفي الوثائق الرسمية إبان التأسيس وبعده. هي دولة تقوم على الإيمان، واتباع الهدي النبوي وهدي الخلفاء الراشدين المهديين.

أمّا الخطوة الثانية فهي الخطوة العملية في القضية، وتتمثل في تحقيق العدالة الاجتماعية في كل مستوياتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعسكرية، بحيث يغدو الجميع مواطنين متساوين في الحقوق والواجبات، لا تتقاسمهم قسمة مفرقة على نحو أولية السياسي على العسكري أو بالعكس، أو أحقية المدني على الديني أو بالعكس، الكل يتمتع بصفة المواطنة، مؤمنون مدنيون عسكريون لا فرق بين هذا وذاك، تماما كما تمثل ذلك في شخصية الأمير رحمه الله.

إن أمتنا الجزائرية ينقص بنيها الرشدُ في إدراك ما لديها من ميزات إيجابية وقدرتها على تفعيلها والبناء عليها؛ خدمة للنفس، وطاعة للرب، ووفاء للشهداء، وصونا لحياة الأبناء في الأجيال القادمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • نحن هنا

    المرض معروف والعلاج معرف لكن من سبق الى الكرسي واستلذ الجلوس عليه لايريد العلاج رغم الاصابة فحرم نفسه وأتعب الاخرين