-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

تنبؤاتٌ من الماضي والحاضر

تنبؤاتٌ من الماضي والحاضر

في التاسع من هذا الشهر، لفت انتباهنا مقالٌ نشره الصحفي العلمي التونسي الصغير محمد الغربي تحت عنوان “كيف توقع المفكّرون قبل قرن من الزمن الحياة في عام 2022؟” وصدر المقال في الموقع الإلكتروني العلمي القطري التابع لهيئة تُدْعى “منظمة المجتمع العلمي العربي” إلى جانب عدد وفير من المقالات العلمية والمواضيع المختلفة المشارب. وكان الكاتب قد ذكر مرجعه الرئيسي، وهو مقالٌ صدر يوم 27 ديسمبر الفارط.

الحنين إلى مسقط الرأس

وبطبيعة الحال، فمقال الأستاذ الصغير محمد الغربي لا يعدّ “سرقة علمية” إذ ذكر صراحة مرجعه، بل يندرج الموضوع في إطار نشر الثقافة العلمية التي نحن، في البلاد العربية، في أمسّ الحاجة إليها. ومن هذا الباب فالكاتب مشكورٌ على إنجازه، كما لا يسعنا إلا أن نثني بهذه المناسبة على منظمة المجتمع العلمي العربي التي عوّدتنا منذ سنوات على نشر الأعمال العلمية الجادة، ومنها مبادرة إصدار مجلة أكاديمية محكمة تنشر باللغة العربية وفق المقاييس العالمية، أطلقت عليها “المجلة العربية للبحث العلمي”.

“لن ينضب الفحم، لكن احتياطياتنا منه ستنضب بشكل خطير، وكذلك احتياطيات النفط. سيكون أحد مخاطر العالم بعد قرن من الزمان هو نقص الوقود”. غير أنه “من المحتمل أن يتم بحلول ذلك الوقت الحصول على كمية كبيرة من الطاقة باستغلال المدّ والجزر، ومن الشمس، وربما من الراديوم، ومن أشكال أخرى ذات الصلة بالطاقة الإشعاعية، وربما يتم أيضًا تسخير الطاقة الذرية”.

والمقال المرجع للأستاذ الصغير محمد الغربي كان قد صدر في صحيفة أكرون بيكون Akron Beacon Journal التي يعود تاريخ تأسيسها إلى ما قبل 1850. وأكرونAkron  مدينة صغيرة في ولاية أوهايو بالولايات المتحدة كان عدد سكانها عند تأسيس الجريدة نحو 300 ألف نسمة. وبعد مرور أزيد من قرن ونصف، وبدل أن يتضاعف عددُ سكان هذه المدينة خلال العقود المتوالية، نُفاجَئ بأنه هوى إلى 200 ألف نسمة!

ولا شك أن تقلّص هذه المدينة هو الذي جعل كاتب المقال مارك برايس Mark Price يقدّم نفسه على أنه “مواطنٌ من مدينة أكرون يحبّ مسقط رأسه ويستمتع بالكتابة عنه”… مضيفًا أنه “مراسل صحيفة أكرون بيكون ومتخصص في التاريخ المحلي والحنين إلى الماضي”. وما يؤكد حنين هذا الصحفي لماضي مدينته أنه ألّف حولها ثلاثة كتب عن تاريخ المنطقة اختار لها العناوين التالية: “قَتَلَة الشرطة المافيوية في أكرون” و”الباقي هو التاريخ: حكايات حقيقية من ماضي أكرون النابض بالحياة” و”أكرون المفقودة”.

وقد تبيّن لنا أن مقال مارك برايس لم يمرّ مرّ الكرام، بل تناقلته العديد من الصحف في العالم فترجمته كليا أو جزئيا واقتبست منه. وما جعل المقال يلفت الانتباه هو ما قدّمه مارك برايس من تنبؤات لبعض الكتّاب والمفكرين عام 1922 بما سيكون عليه الحال عام 2022! نكتفي هنا باستعراض بعض توقعات الكاتب والصحفي الإنكليزي والتر ليونل جورج  W.L. George (1882-1926) الذي نالت مؤلفاته نجاحا منقطع النظير. فقد كتب يوم السابع ماي من عام 1922 في صحيفة “نيويورك هيرالد” New York Herald صفحة كاملة من الحجم الكبير استعرض فيها تنبؤاته بما يعيشه العالم خلال السنة الجارية (2022).

 من تنبؤات والتر ليونيل جورج

يقول جورج في مقاله الصادر عام 1922:

  • بخصوص الطيران: “أعتقد أن الطيران التجاري سينتشر. وستبقى سفينة الركاب البخارية تُستعمل على السواحل، لكنها ستختفي على المسالك الرئيسية إذ سيتم استبدالها بقوافل الطائرات”. وتكهّن جورج في ذلك الوقت أن الطائرات ستقطع عام 2022 المسافة “بين لندن ونيويورك في حوالي 12 ساعة”.
  • بخصوص الأسلاك الهاتفية: “ربما لن يرى الناس في عام 2022 أبدًا سلكًا في السماء إذ “من المؤكد عمليًا أن التلغراف اللاسلكي والهواتف اللاسلكية سيُزيلان نظام الكابلات قبل مدة طويلة من انتهاء القرن العشرين”.
  • بخصوص الطاقة: “لن ينضب الفحم، لكن احتياطياتنا منه ستنضب بشكل خطير، وكذلك احتياطيات النفط.سيكون أحد مخاطر العالم بعد قرن من الزمان هو نقص الوقود”. غير أنه “من المحتمل أن يتم بحلول ذلك الوقت الحصول على كمية كبيرة من الطاقة باستغلال المدّ والجزر، ومن الشمس، وربما من الراديوم، ومن أشكال أخرى ذات الصلة بالطاقة الإشعاعية، وربما يتم أيضًا تسخير الطاقة الذرية”.
  • بخصوص الأشغال المنزلية: “من الطبيعي أن تخفّ الأشغال المنزلية كثيرًا في عام 2022، وهي تنخفض الآن ​​يومًا بعد يوم. أعتقد أن معظم أشغال التنظيف المطلوبة اليوم في البيوت سيتم التخلص منها…”.
  • بخصوص المرأة في المجتمع: “من المحتمل أن يشهد عام 2022 عددًا كبيرًا من النساء في الكونجرس، وعددا كبير جدًا في المناصب القضائية، وسيشغل الكثير منهن مناصب في الخدمات المدنية، وربما في مجلس الوزراء. لكنه من غير المرجح أن تكون المرأة قد حققت المساواة مع الرجل”. ويضيف: “من المؤكد عمليًا أنه في عام 2022…ستكون جميع المناصب مفتوحة أمام النساء…”.
  • بخصوص الحروب: “أعتقد أن الحروب القادمة ستكون مروِّعة بما يتجاوز تصوري بسبب الغازات السامة الجديدة، والنيران التي لا يمكن إخمادُها، وسُحب الدخان العازلة للضوء”.
  • بخصوص الطعام: “من المتصور، وإن لم يكن مؤكدًا، أنه في عام 2022 يمكن تناول وجبة كاملة محتواة في أربعة أقراص”.
  • بخصوص الولايات المتحدة: “من المحتمل أن تكون الدولة قد توصلت إلى تسوية كاملة، إذ سيبلغ عدد سكانها حوالي 240 مليون نسمة… وستختفي فكرة الشمال والجنوب والشرق والغرب تقريبا”. كما “سيتم الحفاظ على العديد من المباني القائمة الآن.نتصور أن مبنى ‘الكابيتول’ في واشنطن والعديد من الجامعات والكنائس ستبقى قائمة خلال مائة عام، وأن التقاليد ستحافظ عليها دون تغيير تقريبًا”. وفي نظر جورج “سيكون الأمريكيون أقل ميلاً إلى المغامرة… وسيكونون قد تمرّدوا على ساعات العمل الطويلة. وفي عام 2022، هناك احتمال أنه سيعمل عددٌ قليل من الناس أكثر من سبع ساعات في اليوم… وأنا متأكدٌ من أن ذلك سيبدو مؤسفًا للعديد من قرائي، لكنه سيكون، في رأيي، أمرا جيدًا”.

تلك هي بعض التنبؤات التي تكهّن بها الكاتب والتر جورج عام 1922، ونحن ندرك أن العديد منها كان توقعًا صائبًا. وذلك شأن التوقعات فهي تحتمل الصواب والخطأ، فعلى سبيل المثال كان عدد سكان الولايات المتحدة حين كتب جورج مقاله نحو 110 ملايين نسمة وبلغ الآن حوالي 330 مليون نسمة… أما جورج فتكهنّ بأن هذا الرقم سيكون نحو 240 مليون.

ونحن اليوم مثلا نشكو كثرة تعداد البشر في المعمورة، ونرى ظُلمة في مستقبل الكرة الأرضية بسبب هذه الكثرة. لكن “المتنبّئين” اليوم يخشون من حدوث العكس؛ فهناك تجمعاتٌ سكانية كثيرة في العالم تسير نحو تقلّص تعداد سكانها، مثل ما حدث لمدينة أكرون السابقة الذكر… بل قرأنا قبل أسبوع أن هناك من الخبراء من يقدّر أن عدد سكان كوكبنا سيعادل نصف عددهم الحالي في نهاية هذا القرن، وهذا لأسباب عديدة دون مراعاة احتمال نشوب حروب خلال العقود المقبلة. وفي نفس السياق، تنبأ نادي روما قبل نصف قرن بأن عدد سكان العالم سيعرف ذروته في الستينيات من القرن الحالي ثم يبدأ في التراجع سنة بعد سنة! فهل نصدّق؟

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    ما يراه بعضنا نحن الذين مازلنا نعيش في الماضي العتيق أي الذين بقوا جهلة يعتبرون كل شيء من الغيبيات التي لا تدرك إلا نتيجة المعجزات بينما ينظر إليه الباحثون في قوانين الطبيعة إلا نتيجة لتفاعل المعطيات المقتبسة من الإحصائيات الصحيحة وتطوراتها الملحوظة.إن من يتأمل الآية القرآنية "إن استطعتموا أن تنفذوا من أقطار السماوات فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان"يدرك أن احصاء المسببات يوفر القدرة على تصور التطورات المستقبلية بشيء من الدقة القريبة من الحقيقة دون أن يكون ذلك ناتجا عن التنبؤات الغيبية.إن علم الاحتمالات الذي رآه البعص تصورا خياليا صار جزءا من علم الرياضيات بفضل الإحصائيات الدقيقة المبنية على الوقائع.عهد التنبؤات الفوقية الخارقة غير العادية انقضى بينما أصبحنا اليوم نعيش عصر البحث العلمي المبني على الدراسة والملاحظة والاستنباط لاكتشاف ما توفره لنا الطبيعة وقوانينها الأزلية.