-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
نيشان‮

تونس‮.. ‬انتفاضة‮.. ‬أم‮ ‬ثورة؟‮!‬

محمد عباس
  • 1416
  • 0
تونس‮.. ‬انتفاضة‮.. ‬أم‮ ‬ثورة؟‮!‬

هل‮ ‬ما‮ ‬حدث‮ – ‬ويحدث‮ – ‬بتونس‮ ‬انتفاضة‮ ‬أم‮ ‬ثورة؟‮ ‬الفرق‮ ‬بين‮ ‬الانتفاضة‮ ‬والثورة‮ ‬أن‮ ‬هذه‮ ‬الأخيرة‮ ‬عمل‮ ‬منظم،‮ ‬يحدث‮ ‬عادة‮ ‬تغييرات‮ ‬عميقة‮ ‬في‮ ‬مؤسسات‮ ‬الحكم‮ ‬وتركيبته‮ ‬البشرية‮.‬

  • أما الانتفاضة فهي في الغالب فورة غضب، تحركها احتقانات نفسية اجتماعية أو اجتماعية اقتصادية. وبناء على ذلك يمكن صرفها والتنفيس عنها بما يصاحبها من عنف مادي أو لفظي، كما يمكن احتواؤها أو الالتفاف عليها بوعود غامضة، في مستوى المطالب الغامضة التي ترفع خلالها!
  • وتوحي القراءة الأولية لحكومة الإثنين الماضي، أن “بقايا نظام بن علي” تعتبر ما حدث منذ 17 ديسمبر الفارط، وحتى رحيل الرئيس السابق في 14 يناير الجاري مجرد انتفاضة، يمكن امتصاص شحنة غضبها، بتغييب “المسؤول الأول وبعض حاشيته”!
  • فاحتلال “بقايا بن علي” رئاسة الدولة بالنيابة، ورئاسة الحكومة، ووزارات الداخلية والخارجية والدفاع والمالية.. لا يحمل في حد ذاته أي مؤشر جدي للتغيير أو لنيّة التغيير، اللهم إن كان “التغيير” يعني استبدال “بقايا جديدة” “ببقايا قديمة”!
  • بعض الأصوات – المضخمة إعلاميا – المحسوبة على “المعارضة الرسمية”، أو القريبة منها، تنظر للأحداث بمنطق “الانتفاضة العابرة” أيضا.. مثل التأكيد على أنه لا ينبغي وضع “بقايا بن علي” في سلة واحدة، وأن من بينهم “مسؤولين نزهاء يمكن أن يسيّروا المرحلة الانتقالية”، وربما‮ ‬يمكن‮ ‬رسكلتهم‮ ‬في‮ ‬المرحلة‮ ‬القادمة‮!‬
  • هذا‮ ‬المنطق‮ ‬في‮ ‬التغيير‮ ‬يذكرنا‮ ‬بمنطق‮ ‬الزعيم‮ ‬الراحل‮ ‬الحبيب‮ ‬بورڤيبة‮ ‬في‮ ‬التحرير‮: ‬منطق‮ ‬التدرج‮ ‬وخطوة‮ ‬خطوة‮!‬
  • لكن‮ ‬دعاة‮ “‬التدرج‮ ‬في‮ ‬التغيير‮” ‬ينسون‮ ‬أو‮ ‬يتناسون‮ ‬اختلافات‮ ‬جوهرية‮ ‬بين‮ ‬أوضاع‮ ‬الخمسينيات‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬الماضي،‮ ‬وأوضاع‮ ‬بداية‮ ‬العقد‮ ‬الثاني‮ ‬من‮ ‬القرن‮ ‬الحالي‮.‬
  • – التحرير كان ثورة، قادها حزب منظم، بقيادات وطنية كفؤة ونزيهة، يسانده شعب معبأ، متحمّس للتخلص من الحماية الفرنسية. وكان الزعيم بورقيبة ورفاقه واثقين تماما بأن الاستقلال الداخلي يليه حتما الاستقلال التام، وأن النظام الجمهوري سيخلف نظام الباي في أحسن الآجال.
  • ‮- ‬التغيير‮ ‬اليوم‮ ‬يصعب‮ ‬تصوّره‮ ‬من‮ “‬بقايا‮ ‬نظام‮ ‬بن‮ ‬علي‮”‬،‮ ‬لأن‮ ‬قوى‮ ‬التغيير‮ ‬لا‮ ‬تساند‮ ‬بكل‮ ‬تأكيد‮ “‬بقايا‮ ‬الحزب‮ ‬الحاكم‮” (‬التجمع‮ ‬الدستوري‮ ‬الديمقراطي‮).‬
  • ومعنى ذلك أن الخلط بين منطق بورقيبة في التحرير ومنطق المبزع – الغنوشي في التغيير لا يخلو من سفسطة، تعمّق الشعور بأن “بقايا بن علي” واثقون تماما من قدراتهم في الالتفاف على الانتفاضة، واختزالها في فورة غضب، يمكن امتصاصها بكيفية أو بأخرى في أحسن الآجال!
  • ويؤكد‮ ‬هذه‮ ‬القراءة‮ ‬التشاؤم‮ ‬المبكر‮ ‬لإثنين‮ ‬من‮ ‬أبرز‮ ‬وجوه‮ ‬المعارضة‮ ‬لنظام‮ ‬بن‮ ‬علي‮ ‬وهما‮ ‬راشد‮ ‬الغنوشي‮ ‬ومنصف‮ ‬المرزوقي‮.‬
  • ولهذا التشاؤم المبكر ما يبرّره، في انتظار مستجدات الوضع طبعا – إن جاءت بعكس ذلك وفرضت التغيير فرضا- ذلك أن النظام التونسي برهن على مدى 55 سنة على خبرة حقيقية في الالتفاف على الانتفاضات الشعبية. والمؤسف أنه ليس وحده في هذه المضمار، إذ تنافسه في هذه “الثقافة‮” ‬جميع‮ ‬الأنظمة‮ ‬السائدة‮ ‬في‮ ‬مصر‮ ‬والمغرب‮ ‬العربي‮..!‬
  • ومن أقوى عوامل التشاؤم أيضا، أن الأصوات، التي أتاحت لها الانتفاضة الشعبية أن تبرز، عبّرت عن معارضة مفككة ومحتشمة، ترفع مطالب غامضة ومحدودة قياسا بحجم الانتفاضة، فالمطالبة بـ”الشغل والكرامة واحترام الحريات”.. يمكن للحكومة الجديدة أن تردّ عليها بوعود خيالية،‮ ‬كما‮ ‬فعل‮ ‬الرئيس‮ ‬السابق‮ ‬الذي‮ ‬وعد‮ “‬بتوفير‮ ‬300‮ ‬ألف‮ ‬منصب‮ ‬عمل‮ ‬خلال‮ ‬
  • سنتين‮”!‬
  • ولعل المطلب الجريء الوحيد هو الذي سمعناه على لسان السيدة سهام بن صدرين التي رأت أن التغيير يبدأ “بانتخاب مجلس تأسيسي والاستفتاء على دستور جديد”، أي بداية تأسيس “جمهورية جديدة”، تعوّض “جمهورية بورڤيبة – بن علي”.
  • وهذه البداية تقتضي الإجابة أولا على سؤال جوهري: هل المعارضة التونسية – خارج البرلمان الحالي – قادرة على التكتل – المرحلي – والتقدم ببرنامج مشترك جدي يترجم معاناة تونس العميقة وتجد الانتفاضة الشعبية من خلاله نفسها وتطلعها إلى أن تصبح ثورة حقيقية؟
  • إن‮ ‬الإجابة‮ ‬في‮ ‬هذا‮ ‬الاتجاه‮ ‬أو‮ ‬ذاك‮ ‬هي‮ ‬التي‮ ‬ستبيّن‮ ‬إن‮ ‬كان‮ ‬ما‮ ‬يجري‮ ‬على‭ ‬الساحة‮ ‬التونسية،‮ ‬منذ‮ ‬أكثر‮ ‬من‮ ‬شهر،‮ “‬ثورة‮ ‬قصر‮” ‬أم‮ “‬ثورة‮ ‬شعب‮”.‬
  • ومن البديهي أن مرحلة انتقالية بقيادة الثنائي المبزع – الغنوشي، ترجح أول وهلة فرضية “ثورة قصر”، لأن احتمال استمرار “النظام القديم بوجوهه/ القديمة” وارد بقوة؛ وما يمكن أن ينجرّ عن ذلك من الالتفاف على الحركة الشعبية، وتدجينها بعد إفراغها من محتواها.
  • وبعبارة‮ ‬أخرى،‮ ‬إن‮ ‬التحدي‮ ‬الرئيسي‮ ‬في‮ ‬المشهد‮ ‬المأساوي‮ ‬التونسي،‮ ‬يتمثل‮ ‬في‮ ‬مدى‮ ‬قوة‮ ‬التنظيم‮ ‬الذي‮ ‬يؤطر‮ ‬الانتفاضة‮ ‬الشعبية،‮ ‬وأهلية‮ ‬العناصر‮ ‬القيادية‮ ‬المنبثقة‮ ‬عنها‮.‬
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!