-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثلاثة متطلبات لتطوير أداء الاقتصاد الجزائري

د. عمر هارون
  • 1698
  • 0
ثلاثة متطلبات لتطوير أداء الاقتصاد الجزائري

لا يُنكر أحدٌ حجم الجهود المبذولة للنهوض بالاقتصاد الوطني، خلال ثلاث السنوات الماضية، خاصة أن الأمر تزامن مع حدثين عالميين كابحين للنمو العالمي، وهما أزمة الكوفيد 19 والأزمة الروسية الأوكرانية.

لكن، رغم كل هذه الصعوبات وغيرها، استطاعت الجزائر أن تخالف التوقعات وترسم لنفسها مسارا استطاعت من خلاله أن تكون استثناء في سنوات عجاف عصفت بالاقتصاد العالمي، وتحولت خلاله بفضل الله ورشادة الحكم في الجزائر المؤشرات إلى اللون الأخضر؛ فاحتياط الصرف فوق 60 مليار دولار، والميزان التجاري فائضه إيجابي، والرفع من الأجور بنِسب غير مسبوقة في مثل هذه الظروف، واستثمارات كبيرة في مجال المحروقات خلقت للجزائر قدرات غير مسبوقة على تصدير الطاقة، سواء تعلق الأمر بالنفط أم الغاز أم الأمونياك أم الهيدروجين أم الكهرباء، دون أن ننسى العودة إلى الواجهة من خلال استضافة أكبر المحافل الرياضية الإقليمية من خلال ألعاب البحر المتوسط وكأس إفريقيا للمحليين.

إن التوجه نحو تنظيم العمل التناوبي في كل المجالات وإلزام التجار بالعمل ليلا لضمان الحد الأدنى من الخدمات والنقل سيجعل توسع النشاط الاقتصادي لساعات أطول أمرا ممكنا وطبيعيا، وهو ما يرفع من الناتج الوطني الخام بنحو 10 بالمئة في المدى المتوسط ويمكن أن يسهم برفع نسبة النمو الاقتصادي.

إنَّ ما تحققه الجزائر خلال المرحلة القصيرة الماضية يحتاج في نفس الوقت إلى خلق ديناميكية داخلية قويَّة في خلق القيمة المضافة، وذلك بالتركيز على مجموعة من الإجراءات على المستوى الجزئي القادرة على مواكبة الديناميكية الاقتصادية على مستواها الكلي والاستثمار بأفضل شكل ممكن في الفوائض المحققة.

على المدن الجزائرية أن تستيقظ ليلا

من أكبر المشاكل التي نعيشها في الجزائر، انعدام الحركية الاقتصادية بعد الساعة 18، حتى في أكبر المدن الجزائرية، إن الاقتصاد الوطني بهذه الطريقة يخسر حجما كبيرا من القيم المضافة التي يمكن تحقيقها بعد الساعة 18، كما يخسر فرص عمل قادرة على تحسين القدرة الشرائية للمواطن الجزائري.

إن إلزام البلديات بخلق مناوبات ليلية أصبح أمرا ضروريا مع التأكيد على وجوب العمل بنفس النظام مع وسائل النقل الجماعية، خاصة أن العديد من العائلات ترفض الخروج ليلا لانعدام وسائل النقل، ولا أظن أن بلدا كالجزائر يتمتع والحمد لله بأمان عال نظرا للجهود المبذولة من المؤسسات الأمنية يستحق أن ينام باكرا، كما هي الحال في كبريات المدن الجزائرية. إن التوجه نحو تنظيم العمل التناوبي في كل المجالات وإلزام التجار بالعمل ليلا لضمان الحد الأدنى من الخدمات والنقل، سيجعل توسع النشاط الاقتصادي لساعات أطول أمرا ممكنا وطبيعيا، وهو ما يرفع من الناتج الوطني الخام بنحو 10 بالمئة في المدى المتوسط ويمكن أن يساهم برفع نسبة النمو الاقتصادي.

العمل في وظيفة واحدة؟

لست أفهم إلى حد الآن لماذا لا يمكن للموظف الجزائري أن يعمل إلا في عمل واحد، خاصة أن الجزائريين من النمط الذي يجيد العديد من المهارات، فالموظف الذي يشتغل من 8 صباحا إلى 16.30 قادرٌ على العمل إلى غاية الساعة 18 أو 19 وأن يمارس حرفة أخرى كالترصيص أو البناء أو ميكانيك السيارات أو كهرباءها، وفي ظرف ساعتين أو 3 ساعات ينجز أعمالا يمكن أن تدرَّ عليه دخلا يتجاوز 2000 دينار صافية يوميًّا، كما يمكنه أن يكون سائقا لسيارة أجرة أو مطوِّر برمجيات ومواقع وخدمات رقمية ويستفيد من التدابير الموجودة في قانون المقاول الذاتي.

يجب علينا إعادة النظر في فكرة أحادية العمل أو المهنة، خاصة بالنسبة للموظفين العاملين في القطاع العام، ويجب السماح لهم بممارسة نشاطات أخرى تسمح لهم بتحسين مستواهم المعيشي وترفع قدرتهم الشرائية، وتمكّنهم من تحسين ظروف حياتهم، مع تأطير ذلك بقوانين تمنع التداخل بين ما يؤديه الفرد من وظيفة وبين العمل الثانوي الذي يقوم به، وهو ما يجعلنا نؤكد ضرورة توسيع قانون المقاول الذاتي للمهن التقليدية والسماح للموظفين بالاستفادة من هذه التدابير على أن تحصِّل الدولة الضرائب على كل المداخيل التي يحققها الفرد من كل نشاط مدرٍّ للأرباح يمارسه، ولكم أن تتخيلوا الأثر الإيجابي على المواطن الجزائري.

المدن الحضارية ليست لممارسة الأنشطة الاقتصادية!

تعدّ الجزائر من أقل الدولة التي تعتمد البناء العمودي، فناطحات السحاب في الجزائر تكاد تكون منعدمة، حتى الأبراج التجارية تعتبر واحدة من أقلّ المجالات استثمارا في الجزائر، وذلك لأن أغلب من يمارسون المهن الحرة غير التجارية على غرار المحاماة والمحاسبة والخبرة الجبائية والطب العام والخاص وغيرها من المهن، تتخذ من الشقق الموجودة في المحيط العمراني مكانا لها، وهو ما خلق أزمة كبيرة في عدد الشقق التي كانت تُستغلّ من المواطنين للسكن.

كما رفعت هذه الممارسة من أسعار الإيجار، فالأكيد أن من يمارس نشاطا مدرًّا للأموال يستطيع دفع ثمن أكبر للمنزل المكترى من موظف بسيط، كما خلق لنا الأمر نفورا من قلاع الأعمال وناطحات السحاب التي تخصِّص في العادة مكاتب خاصة لمثل هذه المهن، بالإضافة إلى مكاتب الخبرة وغيرها من المهن التي لو انسحبت من النسيج العمراني فسيُفضي الأمر إلى تغيير جذري للحركية الاقتصادية في السوق الوطنية، فتخيل حجم الطلب الذي سيكون على العقارات المبنية الخاصة، وحجم الأموال الذي سيستثمر في العقار في هذه الحالة.

حقيقة لا يمكن أن يكون الأمر جذريا بين ليلة ونهار، لكن فرض ضريبة على كل من يعمل في الوسط الحضري وطلب خروجهم للمكاتب الخاصة في المناطق الخاصة بالأعمال بشكل تدريجي هو حل ممكن يخلق نقلة نوعية في الاقتصاد الوطني خلال سنتين إلى 3 سنوات.

إن نتائج اتخاذ الخطوات الثلاث سابقة الذكر والمتعلقة بإطالة عدد ساعات حياة المدن الجزائرية، والسماح للموظفين بالعمل في وظيفتين، والعمل على تأطير النشاطات الاقتصادية الحاصلة في الأوساط الحضرية لا يمكن تحديدها بدقة إلا بعد دراسة دقيقة، لكنني متأكد من أن النجاح في هذه التحديات الاقتصادية سيخلق للجزائر نقلة نوعية في اقتصادها ترفع به حجم النمو الاقتصادي إلى نصف ما هو محقق الآن في السنوات الخمس المقبلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!