-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثورة الثروة

عمار يزلي
  • 2213
  • 0
ثورة الثروة

مرت الذكرى 61 لاندلاع ثورة التحرير المجيدة، كما مرت قبلها أعياد وطنية من عيد الاستقلال إلى 20 أوت، وكما ستمر بعد اليوم أو حتى قبله مناسبات أخرى لأحداث تاريخية عن الثروة التحريرية والمقاومة الشعبية لاحتلال الفرنسي. مرت وستمر في صمت القبور، إلا من أعلام ترفع هنا وهناك وأقلام تكتب قليلا وأصوات مبحوحة تلفظ آخر أنفاسها.

تمر كل هذه الأحداث ونحن نستعد للمرور إلى السنة الميلادية الجديدة 2016، بدون أن نلوم أنفسنا على ما وصلنا إليه من هذا التنكر للذات عوض نكران الذات الذي كان فاعلا أيام الاستشهاد والجهاد ضد المحتل! بدلنا الثورة بالثورة والمكارب بالمآرب وبيع النفوس بتراكم الفلوس، وطلب الشهادة باللهث وراء المادة، وبدلنا اللحمة واتحاد العصائب بطلب المقاعد والمناصب وغيرنا الرفض والاعتراض بإفراغ البنوك من أجل الاستيراد! هذا ما وصلنا إليه بهد 60 سنة من الهبة الشعبية ضد المحتل، أملا من هذا الشعب المطحون أن يجد نفسه يعيش فجرا جديدا: فجرا لا كابوس بعده، وأخوة لا ضغائن فيها، وعدالة لا تطاحن فيها!: حصلنا على الكثير، وتفوقنا في كثير من المجالات، وتغيرنا وتبدلنا أكثر مما كان يتصوره البعض، مع ذلك، تبقى المعاناة سائدة والبون الطبقي بين الناس باد وحاضر، ومستوى الفقر والفساد فوق المستوى المرغوب! ظلم الشعب كثيرا ولا يزال يظلم في قوت يومه وفي أنفته وكبريائه وفي كرامته وفي سكنه وفي مطالبه المواطنية من إدارة إلى صحة إلى سفر إلى نقل إلى تعليم!. كان بالإمكان أن يكون هذا عاديا لو كان الشعب الجزائري كله في نفس المرتبة على تدنيها، من الخدمات ومن الاعتبار، لكن أن يرى الشعب السفلي قلة قلية علوية، ترفل في المال والجاه وتفسد نهارا جهارا في ماله ونفطه وحقه باسم الوطن والوطنية والمهام الرسمية وغير الرسمية وباسم رجال الأعمال وباسم القفزة والأكتاف والمعارف، فهذا ما يجعل ميزان القيم ينقلب رأسا على عقب لصالح الحكم بأن الثورة لم تف بعهدها بعد وأنه على الشعب الجزائر أن يكافح لأجيال من أجل تحقيق حلم من استشهدوا ومن لا يزالون على قيد الشهادة، يشهد لهم بأنهم باعوا شبابهم وأنفسهم ووهبوها فداء للوطن وللأجيال القادمة.

تمر ذكرى نوفمبر وذكريات أخرى مرت وستمر، ببرودة قاتلة وكأن هذا الشعب لم يلده جيل الثورة وشهداؤها! تنكر وإنكار ونكران مريب! والسبب بطبيعة الحال ليس في الجيل الشاب الذي لم يعرف عن الثورة وعن الحرمان شيئا إلا مع جيله! فهو لا يقيس ما عاناه أجداده بما يعانيه اليوم! ولو قارن وقاس، لشاهد الفرق ولمس الهوة السحيقة بين الفترتين! مع ذلك، لا نلوم الشباب، لأن الشباب إنما ولدوا ليعيشوا عصرهم وجيلهم! وعلى الوطن أن يقدم لهم هذا الشعور بالفخر والانتماء لهذا الوطن الذي دفع لأجل استعادة حريته واستقلاله  الغالي والنفيس والدم والهم والتشرد والنفي والاعتقال والتعذيب والانتهاكات الأخلاقية الدنيئة! اللوم، يقع على من كان عليهم أن يسلموا المشعل للجيل الجديد ولم يفعلوا،وتلكئوا وخاضوا في الثروة بعد ما صاروا يعتقدون أن الجزائر هي ملك لهم وأن هذا الشعب إنما هو خدم لهم وعندهم، يمنون عليه بلقمة عيش والذي عليه أن يشكر ولا يكفر وينساق وينقاد ولا ينتقد! هذا هو المشكل في الأنظمة “الشعبية” الحاكمة التي يطول حكمها لأكثر من جيل! ابن خلدون لم يستنبط نظرية التطور من فراغ! فلقد عاين نفس ما نعاينه اليوم وعانى من نفس ما نعانيه اليوم من الرغبة في التشبث بالسلطة والبقاء فيها إلى أن تقوم ثورة ثانية لقلب الوضع القائم، وبذلك لا نخرج من دائرة الفتن وعدم الاستقرار! حتى أنه بعد كل 10 سنوات تحدث اهتزازات واضطرابات، وإذا ما لم نصلح أمورنا ونعديل مسارنظام حكمنا، فسنجد أنفسنا بعد أربع هزات ارتدادية، بما معدله 4 هزات في الجيل الواحد، نجد أنفسنا بعد جيل، أي 40 سنة، نعيش ثروة جديدة ضد الثائرين القدامى! وهذا ما يحدث في العالم العربي كله الذي وصلت الأنظمة الحالية إلى سدة الحكم فيه بداية من الخمسينات، وتجاوزت مدة صلاحياته في التسعينات. لقد كان عليها أن “تتعدد أو تتسدد أو تتبدد، لا أن تتمدد و تتشدد” في البقاء في الحكم! هذا ما نراه في مصر وليبيا وسوريا ورأيناه في العراق وفي اليمن. وهذا ما سيحدث في كثير من الدول التي لم تسارع إلى إصلاح عجلة الحكم قبل فوات الأوان!

الشباب، هو جيل يعيش جيله، والجيل الأول وحتى الثاني هما من يعيشان خريف العمر، وعلينا جميعا أن نفهم أن التشبث بالحكم واحتكاره من شأنه أن يدفع الشاب إلى الكفر بالثورة التي أتت بهؤلاء الدناصير والكفر بالدين الرسمي الذي سكت عن المنكر وخدمه لسنين، والكفر بالقيم وبالوطنية التي يراها زائفة في أعينه! فهي في نظره، مثلها مثل التشدق بالدين والثورة والعدالة والشعب والديمقراطية وتحويلها إلى مجرد شعارات جوفاء صماء فارغة من كل محتوى، مضللة، منافقة، تبدي ما تخفي وتقول ما لا تفعل!

هذه هي الأزمة التي نعيشها حاليا: أزمة خلافة جيلية! أزمة ثقة بين السلطة والشعب! بين جيل الثورة والاستقلال وجيل أكتوبر والانترنت! جيل الاشتراكية والوطنية والواحدية وجيل التعددية والحريات العامة! جيل يريد أن يكون قائدا لا منقادا، جيل في عمره الآن 35 سنة أو 40، ولا يزال يعتبر قاصرا من طرف الواقفين على رأسه يأمرونه ويشيرون عليه بما يبغي عليه أن يفعل أو لا يفعل! يأكلون حقه، باعتباره قاصرا ويفكرون لهم  ـ وهم جهل وأميين في غالبتهم في نظره، يمارسون وصايتهم عليهم حتى في الانتخابات: ينتخبون من يحبون هم ويعينون من يرونه هم أهلا وسهلا، لهم وليس أهلا للوطن! وعلى أساس الولاء والطاعة الشخصية، لا على أساس الولاء للوطن والكفاءة والجدارة للمنصب! يرون كيف يعمل المستفيدون من الريع على ضخ الأموال في جيوبهم من المال العام وينهبون الخزائن ويريشون الشعب من خلال الغلاء والاحتكار ويقتاتون على ظهره، ويرغمون على اختاروهم من خلال سرقة أصواتهم أو تزويرها أو تبييضها أو تسويدها! كيفما يشاءون! الشعب لا علاقة له بما يحدث! ترك العمل السياسي وانزوى إلى مصالحة الآنية الشخصية في تسيير أزماته الفردية والعائلية بطرقه الخاصة الملتوية أحيانا، بالقانون أو بالتحايل على القانون وبدفع الرشوة وتقاسم الفتات مع كبار القوم! المهم أن يعيش بعيدا عن السياسية لأن السياسة ليست لهم! ولا الوطن.. ولا الثورة! ولا الثروة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!