-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

ثورة الجزائر وحركة التحرير الفلسطينية

بقلم: معن بشور / لبنان
  • 328
  • 0
ثورة الجزائر وحركة التحرير الفلسطينية

كانت الجزائر حاضرة في العديد من الجلسات التي ضمنتني إلى الأخوة مؤسسي حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) منذ انطلاق الرصاصات الأولى لقوات العاصفة (الجناح العسكري لحركة فتح) في 1-1-1965، ولاسيّما في جلسات جمعتني بأحد مؤسسيها القائد المجاهد خليل الوزير (أبو جهاد) الذي كان أول ممثل لـ “فتح” في الجزائر بعد الاستقلال عام 1962، مفتتحاً أول مكتب لحركة فتح ومشرفاً على معسكرات تدريب مقاتليها الذين تعلموا فيها كثيراً، كما كان يقول أبو جهاد، عن تجربة الثورات الجزائرية الممتدّة على مدى 130 عام، وآخرها الثورة التحررية التي انطلقت في الفاتح من نوفمبر 1954.
في تلك الجلسات مع القائد الشهيد أبو جهاد، ومع غيره من قيادات فتح، ومنهم عضو المجلس الثوري الصديق محمد أبو ميزر (أبو حاتم) كنت ألاحظ أن تأثير ثورة الجزائر على حركة التحرير الفلسطينية لم يكن فقط باحتضانها لـ (فتح) في بداياتها في زمن كانت العديد من الأبواب مغلقة بوجهها بتهم مختلفة، بل كان تأثير ثورة الفاتح من نوفمبر أعمق وأوسع من ذلك بكثير.
ففكرة الكفاح المسلح نفسه التي جسدتّها ثورة الجزائر على مدى سنوات وانتصرت من خلالها على الاستعمار الفرنسي الطويل الأمد، قد انتصرت أيضا في مناقشات الفتحاويين الأوائل الذين بدؤوا بالاجتماع منذ أواخر ستينيات القرن الماضي، وكانوا يبحثون عن الطريق الأمثل لتحرير بلادهم فجاءهم النموذج الجزائري، ثورة وانتصارا، ليغلّب الكفاح المسلح الذي اعتمدته يومها الثورة الفلسطينية منذ 1/1/1965.اي بعد عامين ونصف على استقلال الجزائر.
كما أن فكرة قيام جبهة التحرير الوطني الجزائرية، قد ألهم الفتحاويين المؤسسين أن يسعوا لبناء حركة تحرّر وطنية جامعة تضم مناضلين من كافة التيارات الفكرية والسياسية في الجزائر الذين يجمعهم هدف تحرير بلادهم، بل كما روى لي الشيهد أبو جهاد، فإن اسم حركتهم (حركة التحرير الوطني الفلسطيني “فتح”) الذي اختاروه كان متأثراً باسم (جبهة التحرير الوطني الجزائرية)
كما أن فكرة استقلالية العمل الثوري الفلسطيني عن الواقع الرسمي العربي،كما مع العمل الثوري الجزائري، مع الحرص على إقامة أفضل العلاقات مع كل أطراف هذا الواقع دون تدخل في شؤونهم الداخلية، كانت من الأفكار الملهمة للثورة الفلسطينية منذ انطلاقتها، وقد دفعت، كما الجزائر، أحياناً أثماناً باهظة ثمناً لهذه الاستقلالية.
ولم تكن بصمات الثورة الجزائرية على حركة التحرير الفلسطينية محصورة بزمان التأسيس والانطلاقة فقط، بل استمر التأكيد عليه طيلة العقود المتتالية، ولم يكن محصوراً بحركة (فتح) وحدها، بل اتسع نطاق التأثير الجزائري في كافة المنظمات الفلسطينية الأخرى بدءاً من الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين وغيرهما من منظمات المرحلة الأولى من الثورة الفلسطينية المعاصرة وصولاً إلى منظمات المرحلة الثانية من مراحل المقاومة الفلسطينية في ثمانينيات القرن الماضي، لاسيّما حركتي حماس والجهاد، مما جعل للجزائر مكانة معنوية لدى كافة الفصائل الفلسطينية تجعلها مؤهلة للعب دور في مبادرات توحيد العمل الوطني الفلسطيني، وآخرها مبادرة الرئيس الدكتور عبد المجيد تبون في لمّ الشمل الفلسطيني قبل اكثر من عام التي وإن لم تحقق كافة الغايات المرجوة منها، لكنها نجحت في تبريد الأجواء بين القوى الفلسطينية ووقف التناحر والتصادم وخطاب الانقسام والتخوين الذي كان سائداً.
ونحن في لبنان كنا نلمس بوضوح دور الجزائر في دعم الثورة الفلسطينية، لاسيّما في سنوات الحرب اللبنانية الممّتدة من عام 1975 إلى عام 1990، والتي كانت تصفية المقاومة الفلسطينية هدفاً رئيسياً لها، وصولاً إلى الغزو الإسرائيلي للبنان وحصار عاصمته بيروت لثلاثة أشهر في صيف 1982، حيث دعت الجزائر عبر ممثليها المقيمين في لبنان أو المبعوثين اليه والآتين من الجزائر أدواراً هامة في الدفاع عن المقاومة الفلسطينية وتضميد الجراح بينها وبين أشقائها اللبنانيين والعرب جميعاً.
وهنا لا أنسى كلمات قالها لي الأخ الرئيس الشهيد ياسر عرفات عشية انعقاد دورة المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر لإعلان الاستقلال الفلسطيني عام 1988، لقد اخترنا الجزائر لهذا الحدث التاريخي، ليس من باب الوفاء للجزائر ولهذه الثورة العظيمة فحسب، ولا حتى من باب التأكيد على مكانة الجزائر عند الشعب الفلسطيني الذي لا ينسى قول قادة الثورة الجزائرية عام 1962، “لا يكتمل استقلال الجزائر إلاّ بتحرير فلسطين”، و”إننا مع فلسطين ظالمة أو مظلومة”، ناهيك بدور علماء الجزائر ومجاهديها وأشقائهم من بلدان المغرب العربي في الدفاع عن الأقصى والقدس في جيش القائد الكبير صلاح الدين الايوبي الذي اطلق اسم باب المغاربة على أحد أبواب الأقصى تقديرا لبسالة المجاهدين المغاربة وفي المقدمة منهم ابناء الجزائر.
وطبعا لا ينسى الفلسطينيون في زمن التطبيع قول مسؤوليها عام2005، وعشية القمّة العربية في الجزائر بعد احتلال العراق، وتعاظم الحديث عن التطبيع مع العدو الإسرائيلي في تلك القمة: “الجزائر ليست البلد الذي تخرج منا قرارات التطبيع مع العدو الصهيوني”.
ثم تأكيد الرئيس عبد المجيد تبون مجددا، عقب ظهور ما يسمى “اتفاقات أبراهام” أن الجزائر ترفض رفضا قاطعا الهرولة العربية نحو التطبيع وتتمسك بالدفاع عن أم القضايا بكامل حقوق الشعب الفلسطيني التاريخية.
وهكذا بقيت الجزائر أمينة لمنطلقات ثورتها التحريرية في كل مواقفها من قضايا التحرر والعدالة في الأمة والعالم، وفي مقدمها قضية فلسطين، وبدأت توظف دورها المتنامي في أمّتها العربية والإسلامية وقارتها الإفريقية وعالم الجنوب عموماً من أجل فلسطين، لاسيّما حين نجحت الجزائر وجنوب إفريقيا في طرد الكيان الصهيوني العضو المراقب في الاتحاد الإفريقي، من الاتحاد، لاسيّما لا سيما أن ما يجمع الدولتين بفلسطين أيضاً هو أن الجزائر عاشت تجربة مرّة مع “المستوطنين” المستعمرين الفرنسيين، كما أن شعب جنوب إفريقيا قد خاض نضالاً مريراً ٌلإسقاط نظام الفصل العنصري في بلاده (الأبارتايد) آملين أن تتقدّم الجزائر والعالم المتعاطف اليوم مع الشعب الفلسطيني، خصوصاً في غزّة، ضد العدوان الوحشي الصهيوني المستمر منذ السابع من أكتوبر، من أجل نزع الشرعية الدولية عن الكيان الصهيوني الذي لم يكن تاريخه سوى تاريخ انتهاك المواثيق والقوانين والشرعيات والقرارات الدولية والذي يصل بممارساته إلى أعلى أشكال الوحشية والعنصرية والنازية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!