-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جذور العنصرية في الفكر الغربي

خير الدين هني
  • 749
  • 0
جذور العنصرية في الفكر الغربي

ما يميز الإنسان ككائن مفكر ومتفرد عن غيره من المخلوقات، أنه مخلوق ذكي ينظم علاقاته الاجتماعية بينه وبين غيره من الأجناس والأنواع، بالقانون الأخلاقي الذي تعارفت عليه البشرية، منذ أن وُجدت على وجه هذه البسيطة، والأخلاق تركيب قيمي سلوكي استمد معاييره من التعاليم الدينية المقدسة، أساسه أن الفضيلة قيمة تقوم على الحق والأفعال الجميلة كما يقول الفارابي، وأن هذه الأفعال هي التي ترتقي بعقل الإنسان إلى مراتب الكمال، وحينما يترقى العقل إلى مدارج الكمال، تتسع مداركه ويعتدل مزاجه ويستقيم سلوكه، ويتخلص من مساوئ الرذيلة التي تعني السقوط في أفعال الشر والأعمال القبيحة.

والبشر كائنات ذكية وعاقلة ومدركة ومكلّفة، ويخضعون لقانون الجزاء، فيكافَئون بالخير إن كانت أعمالهم حسنة، ويعاقَبون بما يكرهون إن كانت أعمالهم سيئة، ما جعلهم يتمايزون بجواهرهم الباطنية التي تخلق في نفوسهم دوافع الميل إلى فعل الخير، ولا يتمايزون بصفاتهم وهيئاتهم وألوانهم الخارجية، لأنها أعراض شكلية لا دخل لها في فعل الخير أو الشر، وهذا ما تقرر في قوله تعالى: “يَأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ”، (الحجرات:13)، فالمعيار الأخلاقي الذي جعلته هذه الآية الكريمة في الاعتبار، وعلى أساسه تبنى العلاقات البشرية مع اختلافهم في الدين واللون، واللسان والعادات والأعراف والثقافات والجغرافيا، والغنى والفقر والعلم والجهل والقوة والضعف، هو الجوهر الذي يجعل البشر سواسية في الخِلقة والطبيعة والسجية، إذ إن البشر كلهم من آدم وآدم من تراب، كما قال نبي الإسلام صلى الله عليه وسلّم.

وهُم سواءٌ في الخلقة البيولوجية والفكرية والنفسية، وسواءٌ في التركيب النفسي والعاطفي والوجداني والغريزي، فكلهم يتأثر بالعوامل الخارجية من حرارة وبرودة ورطوبة وجفاف، وكلهم يتأثر بغرائز الجوع والعطش والشبع والإرواء والإفرازات والنوم والحاجات الجنسية، وكلهم يشعر بالخوف والألم واللذة والسعادة والشقاوة، وكلهم يتحرك بالغرائز والدوافع النفسية لطلب الحاجات الجسدية، من المنافع والمكاسب والمغانم، ولا يوجد فرد أو فئة أو جنس أو شعب أو أمة، متميزين بيولوجيا أو عقليا أو نفسيا أو غريزيا أو وجدانيا، ولذلك كان المعيار الأخلاقي في التفاضل بين البشر، ما دعت إليه التعاليمُ الدينية في أحكامها المقرة تقريرا لزوميا، وهي معايير الصلاح والإصلاح ونشر الخير والفضيلة بما ينفع الناس، من عمارة الأرض بالتعاون على العمران والزراعة، والفلاحة والخدمات وشق الطرق ومد قنوات المياه، وغير ذلك مما ينفع الناس، والابتعاد عن نشر الرذيلة وأعمال الشر القبيحة كالفساد في الأرض والتمييز العنصري وتدمير المدن والقرى والطرقات، وقتل الإنسان الضعيف بغير حق أو رجم بالصواريخ والراجمات والطائرات، وقهره وإرغامه على الخضوع لمصالح الإنسان القوي الذي استبدت به نشوة الانتصار للذات، واستعمال وسائل الدعاية المضللة للتفريق بين البشر وجعلهم طبقات فوق طبقات، أما التقوى والعمل الروحي الصالح فهي صفات وأعمال، لها علاقة خاصة بين المؤمن وخالقه، وذلك أمر يخص قوما دون قوم، لصلته بالشرائع والعقائد المختلفة.

ولا اعتبار للتمايز بالصفات الخارجية من طول وقصر، وسمنة ونحافة وحسن وقبح ودمامة، فهي أعراض ثانوية ناتجة عن تأثير البيئات الطبيعة من برودة وحرارة، ورطوبة وجفاف وخصوبة وقسوة، وخشونة أو ليونة في العيش، ولذلك عدّتها الشرائع من الاعتبارات الثانوية، التي لا تعبّر عن جوهر النَّفاسَة الإنسانية، وما تجيش بها النفوس من مشاعر الرحمة، والرأفة والحب والودّ لكل أفراد النوع الإنساني، وإن اختلفت مِللهم ونِحلهم وألوانهم وألسنتهم.

ومشكلة الغرب المتأزمة التي لا بُرْء لها، أنه مصاب بعقدة التفوّق العرقي، ولون البشرة وزرقة العيون والشعر الأشقر الذهبي المسدول، وأكثرهم لا يعلمون بأنهم هاجروا منذ عشرة آلاف سنة من الشرق الأوسط، أصل منبت الإنسان وأبي البشرية آدم، والأنبياء والرسل والصالحين والقديسين، ولا يعلمون –أيضا- بأن آدم عليه السلام كان أسود اللون، أو قريبا من السواد وأن إبراهيم أبا الأنبياء كان أسود اللون أيضا، حسبما تذهب إليه بعض الروايات، وأن حكيم الصالحين لقمان الذي ورد اسمه في الكتب المقدّسة كان أسودَ، وأن الأنبياء والرسل كلهم بُعثوا في الشرق الأوسط، ذي الطبيعة الجغرافية المعتدلة، وأنهم كانوا من ذوي البشرة القمحية (السمراء)، بما فيهم سيدا أنبياء بني إسرائيل موسى وعيسى عليهما السلام.

والأنبياء والرسل خير البشر اصطفاءً وأنقاهم عرقا، وأطهرهم معدنا ومنبتا، وأكملهم نضجا وأحسنهم خلقا وأقومهم استقامة، ولكنهم ليسوا من الجنس الأبيض، ولا من أصحاب العيون الزرقاء والشعر الذهبي الأشقر، وعقدة البياض الغربي هي التي أزّمت نفسياتهم وجعلتهم يُزوّرون الحقيقة الخَلقية لعيسى عليه السلام، فجعلوا صورته المصلوبة على هيئة رجل أبيض له شعر مسدول وعينين زرقاوين، خلافا لصورته الحقيقية التي رسمها نصارى الشرق الأوسط وهو على الصليب، ومثل صورة عيسى البيضاء المتخيّلة، جعلوا صورة أمه العذراء على صورة نسائهم البيضاوات، فنصارى الشرق جعلوا صورته المصلوبة على هيئته الحقيقية، وهي الهيئة السمراء بشعر أجعد على نحو بني جنسه من سكان الشرق الأوسط.

والإنسان الغربي في مجمله، لا يعرف بأن بياض الرجل الغربي، لم يكن بالخِلقة والسجيّة والطبيعة، وإنما كان بسبب استقراره في أوربا الجليدية لآلاف السنين، وهو يعيش في المغارات والكهوف الباردة، والأرض المغطاة بالثلوج لأوقات طويلة، فتأثير البرودة الشديدة أقل من درجة الصفر، هي التي أثرت في تغيير جيناته وصبغياته وتكوينه العقلي والنفسي والوجداني، ومع مرور الزمن تحوّل من اللون الأسمر إلى اللون الأبيض الأمهق، وهذه الحقيقة يعرفها علماء الاجتماع ومقررة في أبحاثهم الموثقة، بما فيهم ابن خلدون الذي تحدّث في “المقدّمة” عن أسباب بياض الرجل الأوروبي وحمرته وشُقْرَته، وذكر عامل البرودة الشديدة في تغيير لونه، كما ذكر عوامل الطبيعة المؤثرة في سواد الزنوج، وأنها ناتجة عن الحرارة وتأثيرها الكبير على تغيير البشرة والمزاج والسلوك الإنساني، فذكر بأنّ البرودة الشديدة تصقل العقل وتنمّي الذكاء والمواهب، وأن الحرارة تبلّد الذكاء وتجعل الإنسان يميل إلى الخمول والكسل والنوم، واللعب والتسلية والعبث بالأشياء، وذكر أن ميل الزنوج إلى الرقص والطرب واللعب، مترتّبٌ على الطبيعة الحارة لبيئاتهم التي نشأوا فيها.

ولهذا قرر علماء الغرب أن الجنس السامي (في الشرق الأوسط)، لا يستطيع أن يترقى تفكيره إلى مستويات الإبداع والابتكار، بسبب محدودية ذكائه ومواهبه، وهذه نظرية عنصرية أخرى، تضاف إلى الدعاية المضللة التي ينتهجها الغرب، لجعل هذا الإنسان يقتنع بضعفه ودونيته وخموله، ويستسلم للأمر الواقع ويبقى تابعا ذليلا، لسياسات الغرب ومشاريعه الثقافية والعقدية.
ومما يدل على حقيقة أن ظاهرة تأثير الطبيعة في بشرة الإنسان ومزاجه، أن سكان روسيا والبلدان الإسكندنافية، أشد بياضا وحمرة وشُقْرة من بقية الأوربيين، لأنهم قريبون من المنطقة القطبية الشديدة البرودة، في حين أن سكان أوربا الجنوبية (إيطاليا، اليونان، إسبانيا)، ممن تقترب جغرافيتُهم من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، فإن ألوان بشرتهم أقل بياضا وحمرة من البلدان الأوروبية الشمالية، ولكن عامّة الأوربيين يجهلون هذه الحقيقة، ويظنون أنهم بيضٌ بالخِلقة والطبيعة، وهذه الخصائص المظهرية الناتجة عن تأثير الطبيعة، جعلت الإنسان الأوروبي يؤمن بنظرية التفوُّق العرقي ومركزية الذات والانطواء عليها، فكونت لهم هذه المركزية عقدة الاستكبار على البشر، والاستعلاء في الأرض وتمييز أنفسهم عن غيرهم في الحقوق والامتيازات، وسنُّوا في هيئاتهم التشريعية شرعية الاعتداء والاغتصاب والتقتيل، ومحاكمة خصومهم والمناوئين لسياستهم وغير الخاضعين لهم في محاكمهم، واعتبروا السيطرة والهيمنة على الإنسان غير الأبيض، وتسليط العقوبات عليه حقا مشروعا تبيحه لهم الشرائع والأخلاق والقوانين.
وتحوّل هذا التصوّر المزيّف المتعالي عن الحق إلى عقيدة سياسية وثقافية، يؤمن بها السياسيون وأهل النخبة من المثقفين والإعلاميين ورجالات الحكم والكهنوت، ومنهم انتقل هذا الاعتقاد إلى عامّة الناس من الأوربيين، وأصبح يشكل عقائدهم الإيمانية والأخلاقية.

وقد ترسّخت هذه العقيدة في عقولهم، وشكّلت تفكيرهم وعواطفهم وإحساساتهم منذ القدم، وهذا فيلسوفهم الحكيم صاحب نظرية “المدينة الفاضلة”، ذكر في مقولته الشهيرة وهو واضع فلسفة الفضيلة، (الخير الأسمى حسب تعريف عبد الرحمن بدوي) “الحمد لله الذي خلقني ذكرا ولم يخلقني أنثى، وخلقني حرا ولم يخلقني عبدا، وخلقني يونانيا ولم يخلقني بربريا”، (البربري ما ليس يونانيا أو رومانيا)، هذه المقولة المتعالية تعكس العقلية الغربية الكامنة في نفوسهم، حتى النخبة العلمية منهم لم تسلم من عقدة الانتقاء والتفوّق.

والإنسان الغربي أصيب بنكبة الغرور والإعجاب المفرط بالذات، حتى في عصر الحداثة وما بعد الحداثة، الذي تخلّص من الفكر الأيديولوجي والشوفيني، وسوّى بين الأعراق والأجناس والألوان والألسن، في نطاق أن البشر متساوون في الخلقة والطبيعة والحقوق والواجبات، فجاءت لعنة الحرب الروسية الأكرانية، لتُظهرهم على حقيقتهم المخزية في العنصرية والتقعّر بتفوّق العرق واللون، وظهر هذا التمييز والتعالي من النخبة الإعلامية التي هي انعكاسٌ للعقل الجمعي الغربي الباطني، حين منعوا العرب والسود من الركوب في الحافلات هروبا من جحيم الحرب المدمِّرة، وقدَّموا كلابهم وقططهم وحميرهم على بني جنسهم، فقالوا بدون خجل ولا حياء ولا حرج، إن “الإنسان الأوكراني ليس هو الإنسان العراقي أو الأفغاني”، فكانت قسمتُهم بين البشر والحيوانات ضِيزَى، وبهذه العنصرية المقيتة غيَّروا معايير الأخلاق وداسوا على القانون الدولي، واعتذارهم يدخل في نطاق: رُبَّ عذرٍ أقبحُ من ذنْب.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!