جريمة مروِّعة في مضايا السورية
تكشف الصور التي يتداولها الناشطون على مواقع التواصل الاجتماعي عن المجاعة التي تضرب بلدة مضايا السورية، بشاعة الجريمة التي تقع تحت بصر العالم أجمع وسمعه دون أن يتدخّل بفعالية لإنهاء المأساة.
لا جدال مطلقاً في أن النظام السوري يتحمّل نصيبا وافرا من المسؤولية فيما يقع؛ فهو الذي يحاصر البلدة رفقة “حزب الله” منذ سبعة أشهر، ويريد إسقاطها بأي وسيلة، ولو تعلقت بحصار 40 ألفاً من سكانها وتجويعهم ودفعهم إلى أكل الكلاب والقطط والعشب وأوراق الشجر لسدّ رمقهم.. ما يمكن أن يُدرَج ضمن الجرائم ضد الإنسانية.. ولكن بالمقابل، فإن المعارضة المسلّحة تتحمّل نصيباً من المسؤولية، فقد كان عليها وهي ترى السكانَ يموتون من الجوع، أن تضحّي من أجلهم بهذه البلدة، وحتى بمدينة الزبداني، وتُفاوض على الخروج منها كما فاوضت من قبل وضحّت بمدن وبلدات عدّة وخرجت منها في حافلات للأمم المتحدة، من دون أن يعني ذلك نهايتها، ولكن أنانيتها بدورها جعلتها تتشبّث بهذه البلدة وغيرها وتدفع بالتالي النظام إلى ارتكاب جريمته ضدّ آلاف المدنيين بدم بارد.
ما تعيشه مضايا لم تعشه غزة نفسُها برغم مرور أكثر من 8 سنوات من حصارها، فثمة دائماً شاحناتُ مؤنٍ تدخل بانتظام من أحد المعابر الصهيونية لسدّ رمق قرابة مليونيْ فلسطيني، ولم نرَ في القطاع أشباحاً ولا هياكل عظمية أنهكها الجوع، ولكننا رأيناها في مضايا، وقبلها في مخيّم اليرموك، أفلا يستحي النظامُ السوري أن يبدو الصهاينة أكثر إنسانية منه وهو يجوّع 40 ألفاً من مواطنيه منذ 7 أشهر كاملة؟!
والغريبُ أن المجتمع الدولي لم يكترث بمعاناة السكان طيلة هذه المدة، ولم يعمل ما ينبغي لفكّ الحصار عنهم، وقد كان بإمكان طائراته أن تخصّص بعض الوقت لإلقاء أطنان من المواد الغذائية على السكان الجائعين، عوض أن تنشغل طول الوقت بالبحث عن مواقع “داعش” وقصفها، ولكنها لم تفعل.
وإذا كانت الأمم المتحدة قد أقنعت النظام السوري أخيراً بإدخال مساعداتٍ إنسانية إلى البلدة المحاصَرة، فإن ذلك لن يعمل سوى على سدّ رمق السكان بعض الوقت، وتخفيف مجاعتِهم وتحويلها إلى سوء تغذية مزمن، لتبقى المشكلة قائمة ما دامت البلدة تقع بين فكي كماشة؛ فلا النظامُ استطاع إسقاطها بالقوة، ولا المعارضة تمكّنت من فك الحصار عنها ودحر الجيش و”حزب الله”.
وتبرز صورُ الجائعين بمضايا، وكذا صور اللاجئين السوريين في الخارج، درجة التعفن التي بلغتها الأزمة السورية بعد خمس سنوات من الحرب، بفعل عجز طرفيْ الصراع عن حسمه عسكرياً؛ فلا نظام الأسد قادرٌ على القضاء على المعارضة المسلحة، ولا المعارضة قادرة على إسقاط النظام ولاسيما بعد التدخل العسكري الروسي في 30 سبتمبر الماضي، في حين تراوح الحلولُ السلمية مكانها على كثرة الحديث عنها، وفي ظل هذا الوضع القاتم والأفق المسدود يدفع ملايينُ السوريين المشرّدين من ديارهم ثمناً باهظاً لهذه الحرب المجنونة دون أن يظهر في الأفق أي مؤشر لقرب نهايتها.