-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

جهاد الماء والملح

جهاد الماء والملح

أشهد أن الفلسطيني من أعظم ما خلق الله في العرب والمسلمين. إنه الإنسان العجيب الذي ما فتئ يقدم لنا -من خلال المعاناة- أبلغ الدروس في الفداء والابتلاء، ويلهم الإنسانية بأنبل القيم في الجهاد والاستشهاد.

يبدع الفلسطيني، كل يوم في نحت المقولات والمفاهيم، ليجسدها في واقع المقاومة والجهاد، فمن أطفال الحجارة، إلى طائرات أبابيل، ومن الاستبسال بالطعن، إلى الجهاد بالأمعاء الخاوية، وبالماء والملح، وتلك هي فلسفة الموت من أجل الحياة.

تبارك الذي خلق الفلسطينيين شعباً يقاوم ولا يساوم. فهم، شيبا وشباباً، كهولاً وأطفالاً، ذكوراً وإناثاً، جبلوا على الصمود والتصدي، لمقاومة العدوان والتحدي.

إن ذلك ما نعيشه هذه الأيام، من خلال إخوتنا الفلسطينيين، بكل أنواع الشموخ، والإقدام، والإباء… 

فهل أتاكم نبأ الطفل الذي يقدم على طعن أعدائه وهو يبتسم؟ والفتاة التي تنتقم من غاصب أرضها، ومغتصب عرضها، بالحزام الناسف، والجرح النازف؟ والأسير مكبّل اليدين، والرجلين، فيقدّم أمعاء خاوية من الأكل، ويجترح جهاد الماء والملح بديلاً عن قمع الأعداء، وغذاء الدخلاء؟

هكذا تقف الإنسانية متبلدة بلهاء أمام هذا النوع الفريد من العطاء، الذي يعدم الفلسطينيين في أقبية السجون، وتحت قبة السماء، فلا نعرف شعباً في الأرض أبلى مثل هذا البلاء، وفعل كما يفعل أبناء فلسطين النبلاء، فقد نضبت عيون الثكالى والأرامل من الدموع، من شدة البكاء، وبحت أصوات اليتامى من تعالي نداءات الإغاثة المتعالية إلى عنان السماء.

ويتحدثون عن أسطورة المحرقة على أيدي النازيين، وماذا تساوي هذه –إن وجدت- أمام الجرح الغائر النازف منذ عشرات السنين في أجساد الفلسطينيين؟ كيف يكون جواب منفذي وعد بلفور الذين لا يملكون، وأعطوا لمن لا يستحقون؟ وكيف يبرر الكبار في الأمم المتحدة، الذين اتحدوا على سلب حقوق الملايين المشردة؟ وماذا بقي لأبناء فلسطين، بعد أن شردت جموعهم، وصودرت ربوعهم، واغتصبت نجوعهم، سوى رباعياتهم ودموعهم؟

إن من حق الشعب الفلسطيني، بعد أن تحالف ضد حقه، العربي، والدّعي، والأجنبي، وتنكر لدولته الحليف واللفيف، من حقه أن يكفر بمدريد وأوسلو، وأن يجعل كل ما أمكن من أسلحة المقاومة، ينمو ويعلو، فلا يهادن، ولا يسادن، وليفاوض زعماؤه، أو عملاؤه، فلن يلزمهم في شيء ما يفعلون، ولن يفت من عزائمهم عما هم مقدمون عليه ومصممون. فقد انقضت ستون سنة على النكبة، ولا تزال القضية الفلسطينية، في ما قبل الصفحة الأولى، الحرب الإبادية المستمرة، وعدوانية الصهاينة المتغطرسة المشمخرة.

ولئن جهل أو تجاهل أعداء الإنسانية أبعاد الاحتلال، وتخلوا عن أصحاب المقاومة والنزال، وانحازوا إلى أهل الباطل والضلال، فقد فهم المكتوون بنار هذا كله، وهاهم يجودون، بكل ما هو رخيص وغال، بدءا بذات الحال، وانتهاء بصاحب المقال.

ويمينا بره لا حنث فيه، كل المستضعفين بدءا بالعرب العاملين والمستغربين، أن قضية فلسطين هي أول الخير وآخره، فما لم تحل هذه القضية المصيرية، على أساس من الحق والعدل، وما دامت تنهب أراضيها، ويشرد أهاليها، فإن الدور سيأتي على كل أشقائها ومجاوريها، فالشر لا بنود له، والظلم لا حدود له.

نقول هذا، وقد ابتلينا بأسوإ أنواع الشر، وأشد أنواع الظلم، فما خلصنا منه إلا بوحدة الصف، ونبل الهدف. ذلك هو الدرس الذي علمتنا إياه جمعية العلماء المسلمين الجزائريين، التي نحتفل هذه الأيام بانقضاء ما يزيد على الثمانين سنة على ميلادها، حين صاح فينا رائد النهضة ابن باديس في رائعته الدستورية الخالدة، متوجها بها إلى… الرجاء، أن أقلع جذور الخائنين، واهزز نفوس الجامدين، وأذق نفوس الظالمين، فمنهم كل العطب.

وحين صاح فينا إمام التحرير محمد البشير الإبراهيمي: “إن الاستعمار شيطان، وإن الشيطان لكم عدو، فاتخذوه عدوا”.

ذلك هو درس الأولين، وذلك يجب أن يكون درس الآخرين.

فهذه الجمعية، جمعية العلماء، وهي خير جمعية أخرجت للناس، نريدها في ذكرى الثمانين أن يستلهم منها أشقاؤنا في فلسطين، معالم جهادهم المقدس، الذي يخوضونه من فوق الأرض، ومن تحت الأرض، وأن يجعلوا من أمعائهم الخاوية، قنابل تنفجر في كيان الأعداء، ومن جهاد الماء والملح لهباً ولهيباً، يحرق الأعداء والعملاء، والجبناء، والدخلاء، ولا نامت أعين الجبناء. ففي الوقت الذي ينعم فيه غير الفلسطينيين بتناول أحلى المآكل والمشروبات، ويتلذذون بأطيب الأطباق الشرقية والغربية، يمتنع المجاهدون الأسرى، عن تناول فُتاة السجون الصهيونية، صابرين محتسبين، فداء للقضية.

إن الفلسطيني المارد، الذي يقدم لنا أبلغ دروس الاستبسال والمقاومة، ليس في حاجة إلى رجال يقاومون، ولا إلى شبان يستشهدون، ولكنه في حاجة إلى المال الذي يقوي زناده، والدعم الذي يعزز جهاده، والسلاح الذي يحرر بلاده.

فمزيداً من الصمود يا إخوتنا القابعين في السجون… وصبراً صبراً يا آل البرغوثي، يا من باعتصامكم، وخواء أمعائكم، تنيرون لنا الدرب، وتفتحون لنا طريق التحرر، والخلاص من آل صهيون! 

إن بوادر النصر قد لاحت، وإن غطرسة دولة أعدائكم قد بادت، وانهارت، ﴿وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِين﴾، ﴿وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ﴾.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
  • بدون اسم

    69 عاما من البكاء و النويح حان وقتتطبيق المقولة الشهيرة (أكون أو لا أكون) أو (مت واقف ) التي رددها شهداء و مجاهدو الجزائر جازاهم الله خير الجزاء.

  • بدون اسم

    من ' يوسف الأوراس' إلى ' نادية الجيجلية' مِن أين لكِ هذه المعلومة : ( الذي كنت أحد منظريه).
    راكِ غالطة.

  • نادية

    اه لو خصصتم فى حياتكم سطر واحد عن ماعانته المراة الجيجلية فى الجبال وكيف قاومت ارهاب الفيس الذى كنت احد منظرييه.

  • بدون اسم

    لا تنسى في كلامك ان ارض الجزائر شاسعة فيها جبال غابات حدود شاسعة و ليس قرية منبطحة مثل فلسطين محاطة بالاعداء و الخونة و الجواسيس .

  • بدون اسم

    يا سلام على عبقريتك شجاعتك و نبوغك و انت تلوم الضحية .

  • بدون اسم

    يا سي قسوم الجهاد ليس بالماء و الملح بل بالسلاح و التضحية بالنفس نموت نموت و يحيا الوطن ليفعل الفلسطينيون ما فعله أحرار الجزائر النوفمبريون خاضوا حربا ضروسا ضد فرنسا و الحلف الأطلاسي و حرروا وطنهم بالحديد و النار و التضحيات الجسام الحرية تفتك و لا تعطى.على الفلسطينيين أن يعرفوا أن السبيل الوحيد للتحرر و الإنعتاق هو السلاح و لا شيئ آخر غير السلاح و يجب أن تنقل الحرب و الرعب إلى عمق إسرائيل

  • غلام

    السلام عليكم شيخنا عبد الرزاق، بارك الله فيك على هذا الكلام الذهبي واللغة الراقية والضمير الحي والتحليل المبدع والاستنباط الذكي، قلت فأحسنت فجزاك الله، وبدورنا نحي الشعب الفلسطيني الأبي سائلين الله سبحانه أن يثبتهم وينصرهم وأن يسخر لهم من يمدهم بما يعينهم على هزيمة خبثاء هصهوين ،امين والسلام عليكم

  • ماينفع غير الصّح

    كلام عاطفي مثله كمثل الزبد يذهب جفاء. الأستاذ يتحدث وكأنّنا في عصر المعتصم أو صلاح الدين وليس في عصر النووي وطائرات الدرون! الفلسطينيون هم أول مسؤول عما آلت إليه أوضاعهم و قضيتهم بفعل إنقساماتهم الصبيانية و سوء تقديرهم لموازين القوى و سذاجتهم السياسية. فهاهي حماس بعدما كانت سببا في تدمير غزة مرتين ترضخ أخيرا للواقع و ترضى بحدود1967. ونفس الشيء فعله عرفات في2000 برفضه إتفاق كامب ديفيد2 والنتيجة أنه الآن مع نتنياهو وترامب لن يحصلوا حتى على الصفر، ولن ينفعهم في ذلك لا إضراب عن الطعام ولا هم يحزنون.

  • مقواني حيران

    بارك الله فيك يا استاذ و بورك اهلنا في فلسطين و نصرهم الله على اعداء الانسانية الحرية و الكرامة .

  • ساسي

    واين طائرات التحالف السعودي الاماراتي الصهيوني الامريكي التي تقتل اخواننا العرب المسلمين باليمن وسوريا والعراق وليبيا وتونس والجزائر لتقصف اليهود الصهاينة الخنازير اين
    اين انتم يا ال سعود الماسونيون الصهاينة الذين يقتلون الابرياء الاطفال والنساء باليمن ببرودة دم وبدون دين ولا رحمة ولا انسانية لتقاتلوا اليهود وتحرروا فلسطين العربية السنية وترفعوا الحصار عن غزة
    700 مليون عربي جبنوا امام 6 ملا يين يهودي ملعون !!!!!؟؟؟؟؟؟
    وهل العرب جبناء الي هذه الدرجة من الذل والهوان
    اين علمائنا ليقتوا بالجهاد