-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حال العِلْم: جامعة وهمية وشهادة مزيفة! 

حال العِلْم: جامعة وهمية وشهادة مزيفة! 

تُصْدِر دار شبرينجر بسويسرا سلسلة من الكتب باللغة الإنكليزية تحت عنوان “الأخلاق والنزاهة في السياقات التعليمية”. وتُعنَى هذه السلسلة، بوجه خاص، بجودة التعليم، والأخلاق في الجامعة، وأخلاقيات النشر والبحث ونزاهته، وأخلاقيات تكنولوجيا التعليم، مثل تقنية المراقبة والتعلم الآلي والذكاء الاصطناعي المستخدَم في التعليم.

وقد صدر عن هذه السلسلة خمسة كتب، آخرها جاء تحت عنوان “شهادات علمية مزيفة وبيانات اعتماد وهمية في التعليم العالي” (2023، 291 صفحة). وأشرف على هذا المؤَلف ثلاثة أساتذة جامعيين كنديين، وشارك في محتوياته أزيد من عشرة مؤلفين، منهم خبير مكتب التحقيقات الفدرالي (FBI) الأمريكي المتقاعد “آلن إيزل” الذي كان أحد المؤلفيْن لكتاب “مَعامل الشهادات: صناعة تَدرُّ مليارات الدولارات، باعت أكثر من مليون شهادة جامعية وهمية” (2005، 466 صفحة).

مؤسسات سيئة النيّات

هناك حدودٌ لهذه الدراسة، كما هو الحال في أي دراسة علمية. وذلك راجعٌ بالدرجة الأولى إلى نقص في المنشورات الأكاديمية بشأن هذا الموضوع. وحتى الآن، غالبا ما يتم الاعتماد على القصص والروايات الإعلامية. وعلاوة على ذلك، يشير المؤلفون إلى أن البلدان النامية تحتاج إلى تمثيل أكبر في هذا النوع من التحقيقات، لأن المشكلة المطروحة مشكلة عالمية وليست حكرا على دول من دون أخرى. ومهما يكن من أمر، فحتى لو قامت المؤسسات الجادة بأداء مهامها على وجه أكمل فستستمر المؤسسات سيئة النيات في التطور والبحث عن ثغرات لاستغلالها من خلال الوسائل التكنولوجية والقانونية والبشرية.

والجميل أن المؤلفين دقّقوا منذ الصفحات الأولى مصطلحاتهم، فعبارة “صناعة الشهادات المزيفة” مصطلح شامل يشير إلى الصناعة التجارية التي تبيع جميع أنواع المستندات والوثائق والشهادات الأكاديمية المزيفة. كما أوضحوا أن العبارة الإنكليزية contract cheating (التي يترجمها البعض “الغش في العَقد”) تشير إلى الاستعانة بمصادر خارجية غير مشروعة للعمل الأكاديمي لدى الطلبة إذ يدفع هؤلاء لغيرهم مقابلا ماديا لاستكمال الأعمال الأكاديمية المطالبين بها في إطار تكوينهم الجامعي.

تذهب تلك الجامعات إلى الترويج لمكانتها بنشر صور لأساتذتها (وهم أساتذة وهميون)، وتقدّم سيرهم العلمية وهي تبيع الشهادة مثلا بـ1400 دولار؛ واستخدمت مُعالج الصور لتظهر مباني حقيقية كما لو كان لديها حرم جامعي حقيقي، وهي لا وجود لها في الأرض. ومن تلك الجامعات ما باعت 10815 شهادة إلى 9612 شخص عبر 131 دولة. وبلغ إجمالي إيراداتها حوالي 7.4 مليون دولار!

ويلاحظ المؤلفون أن ثمة عددا قليلا من الدراسات الأكاديمية التي اهتمت بهذا الموضوع. ولذا فالغالب، كما أسلفنا، أن وسائل الإعلام هي التي تسلط الضوء على هذه المشكلة من خلال سرد أحداث عن قضايا الغش بمختلف أشكاله في التعليم العالي، في حين يتم تجاهل الموضوع بشكل ملحوظ من قبل العلماء الأكاديميين، وهي مفارقة غريبة. كما لاحظ أحد الخبراء قبل ستين سنة فيما يتعلق بالشهادات العلمية الوهمية أن “عمليات الاحتيال التي يرتكبها حاملو تلك الشهادات ليست مسؤولية المؤسسات فحسب بل إن حامليها أيضا مذنبون”. وبعبارة أخرى، فإن المسؤولية عن بيع وشراء المستندات الأكاديمية المزيفة تقع على كاهل البائع والمشتري معا.

وكمثال على ذلك أبرز الكتابُ الفضيحة في الولايات المتحدة التي عُرفت باسم  “Varsity Blues” عام 2019، وقد دفع فيها المئات من أولياء التلاميذ ملايين الدولارات لمنظمة متشعبة الأطراف تعمل، باستعمال الرشوة ونحوها، على تسجيل هؤلاء التلاميذ في الجامعات الأمريكية المرموقة. وقد حكم القضاء على عدد كبير من المتهمين (السجن، ودفع ملايين الدولارات)، منهم الأولياء والمنظمة الراشية والمتعاملين معها. ويبدو أن القضاء لازال لم ينهِ عمله بعد إذ أن من بياناته ما صدر في شهر ماي الماضي!

الجامعة الوهمية والشهادة الوهمية

في مصطلح الكتاب فإن “الشهادة الوهمية” شهادة مزوَّرة من جامعة وهمية غير موجودة. و”الشهادة المزوَّرة” هي درجة علمية تبدو أنها من جامعة شرعية (وأحيانًا جامعات مرموقة جدًّا)، لكن الشخص الذي يحمل هذه الشهادة لم يزاول أو لم يكمل دراسته في الجامعة المذكورة في شهادته. وغالبا ما يتم شراؤها من مورد عبر الإنترنت. ويقوم الموردون بشراء نسخ من المخطوطات الأصلية للشهادات بعدة طرق، نذكر من بينها:

  1. يتوجه هؤلاء إلى الجامعة بدهاء لتساعدهم دون علمها بالمكيدة.
  2. يستنسخون الشهادات الموجودة على شبكة الإنترنت. وهنا تم التنبيه إلى الممارسات المتساهلة لبعض المؤسسات التعليمية عندما يتعلق الأمر بالإعلان عن بعض الخدمات ونشر نماذج وعينات للشهادات التي يمكن الحصول عليها. يمكننا أن نضيف إلى ذلك أنه أصبح من الممارسات الشائعة للخريجين الجدد نشر صورهم عبر الإنترنت، وهم يرتدون قبعات وعباءات التخرج، حاملين شهادتهم الممنوحة حديثًا. توفر هذه الممارسة للمزوِّرين إمدادًا لا نظير له من الصور التي يمكنهم بعد ذلك التلاعب بها وإعادة بيعها كما يحلو لهم. كما قد يؤدي ذلك أيضًا إلى تعريض الطالب المتخرج (الذي ينشر شهادته) لخطر الاحتيال في الهوية.
  3. البيع والشراء في مواقع الانترنت الخاصة بالعقار، وأسواق المزادات عبر الإنترنت. وفي هذا السياق كشف المحقق آلن إيزل وزميله في كتابهما، الوارد ذكره أعلاه، أنهما وجدا أكثر من 2300 شهادة للبيع في تلك الأسواق الالكترونية بأثمان تبدأ من 4500 دولار (دبلوم يحمل اسم جامعة أمريكية مرموقة) وصولاً إلى مبلغ بيع زهيد لا يتجاوز 15 دولار!
  4. سرقة صور الشهادات المعلقة على جدران بعض الخريجين، مأخوذة بكاميرا رقمية.
  5. يقدم بعض الناس نسخا من شهاداتهم حصلوا عليها بصفة شرعية من جامعة معينة معترف بها من أجل الحصول على شهادة ثانية من جامعة أخرى ذات سمعة عالية. على سبيل المثال، يقدم المشتري للمحتال نسخة من شهادة الماستر التي حصل عليها من جامعة ستانفورد، وذلك من أجل شراء شهادة الدكتوراه من جامعة هارفارد!
  6. استغلال الموظفين غير الأمناء الذين يعملون في الجامعات المحترمة للحصول على وثائق رسمية للجامعة تسهِّل الاحتيال في بيع الشهادات.
  7. سرقة المخطوطات الشرعية من حامليها… علما أنه بمجرد حصول المحتال على نسخة من شهادة غير مزوَّرة من إحدى الجامعات فقد حقق خطوة كبيرة في مشروعه الخبيث: فإذا دخلت إحدى شهادات هارفارد غير المزوَّرة إلى السوق، فلن تكون هناك حاجةٌ إلى المزيد للغش والاحتيال.

وتحدَّث المؤلفون في هذا السياق عن “الجامعة الوهمية”، وهي جامعة موجودة بالاسم فقط، وليس لديها أي اعتماد. وغالبًا ما توجد مثل هذه الجامعات ضمن عنوان إلكتروني على شبكة الإنترنت لا أكثر. وقد يكون لها صندوق بريد تابع لسوق أو محل تجاري. أما أسماؤها فيتم اختيارها شبيهة بأسماء جامعات معروفة.. ويذكر هنا المؤلفون العديد من الأسماء. بل تذهب تلك الجامعات إلى الترويج لمكانتها بنشر صور لأساتذتها (وهم أساتذة وهميون)، وتقدّم سيرهم العلمية وهي تبيع الشهادة مثلا بـ1400 دولار؛ واستخدمت مُعالج الصور لتظهر مباني حقيقية كما لو كان لديها حرم جامعي حقيقي، وهي لا وجود لها في الأرض. ومن تلك الجامعات ما باعت 10815 شهادة إلى 9612 شخص عبر 131 دولة. وبلغ إجمالي إيراداتها حوالي 7.4 مليون دولار!

كل ذلك يدعونا نحن في البلاد إلى التزوّد بالأدوات الفعالة والآليات المرنة التي من شأنها أن تحدّ من تغلغل هذه الآفة في مؤسساتنا الجامعية. وما المجلس الوطني للآداب والأخلاقيات الجامعية الذي أسَّسته وزارة التعليم العالي منذ سنوات إلا أداة من تلك الأدوات، نتمنى أن يؤدي دورا رائدا في مجال اختصاصه بالتعاون مع مختلف فئات الأسرة الجامعية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!