الرأي

حتى لا نتحول إلى “نكتة”!

ح.م

صرنا نخاف من الكوارث، ليس بسبب ما تلفظه من ضحايا وخسائر مادية وإحباط للمعنويات، المنهارة أصلا، وإنما بسبب ما تنتجه من هزات صوتية مدوّية، يطلقها بعض المسئولين، فتجد صداها في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي في كل بلاد العالم، وصار من الضروري توقيف فيضان اللعاب ووباء ردود الفعل التي يطلقها بعض الوزراء والساسة من موالاة ومعارضة والولاة وهي أشد ألما من الكوليرا ومن الطوفان، حتى لا نتحوّل إلى نكتة تستريح بها الأمم، وتسلّي نفسها.

ليس من حق شخصية عامة، ولا نقول مسؤولا ساميا بدرجة الأمين العام للحزب الحاكم أو والي ولاية عاصمة البلاد أو حامل حقيبة وزارية حاسمة، أن يتبختر بحريته وقيادته للمسؤولية، أن يطلق العنان للسانه من دون فرامل، عبر تصريحات خبط عشواء، دون إدراك الخطر الذي تجرفنا نحوه، ودون إدراك بأن الكلمة لم تعد “قشدة” تذوب مع شمس اليوم الموالي، وإنما تنتشر رائحتها بذبذبات تكنولوجية حديثة، حوّلت الكرة الأرضية إلى قرية صغيرة يسمع فيها ابن سنغافورة أو السلفادور، شخير ابن الهند أو اليابان، فما بالك أن يكون ما “شخر” به على شاكلة ما أطلقه زوخ وولد عباس وحزبلاوي وبن حمو، وما بالك أن تكون أطراف كثيرة من داخل البلاد ومن خارجه، تنتظر مثل هذه الهزات الصوتية المسيئة للبلاد عن غير قصد، من أجل تحقيق مآرب، عجزت عن بلوغها بالنار والحديد.

المعروف أن الأمين العام لأي حزب في العالم، إنما يقوم بالإشهار للتشكيلة السياسية التي يقودها، وليس التشهير بها، وما يقوم به بعض رؤساء الأحزاب إنما هو تنفير الناس من السياسة، وكلما قرع رئيس حزب طبول حنجرته، لصالح السلطة، كلما أضاف لمعارضيها نفرا جددا، كانت على الحياد فانضمت للمعارضة، وكلما حاول والي ولاية أو وزير تبييض صورة الحكومة بعد كل مأساة تصيب منطقة من مناطق البلاد، كلما صبغها بالسواد، بسبب تصريحاته غير المدروسة، وأعطى الأدلة على أن أطرافا من السلطة مازالت بعيدة عن الشعب وتلك مصيبة كبرى، والبقية تفتقد الكفاءة وتلك مصيبة أكبر.

لقد حان الوقت لتقليم الألسنة التي لا تدري ما تقول، وفرملة الحناجر المنطلقة من دون تفكير، وكنس الكثير من المسؤولين الذين يفتون في ما لا يفقهون، فقد تأكد مع مرور الوقت بأن مشكلة البلاد ليست في آبار نفط بدأت تنضب، وليست في أسعار نفط تتهاوى، وإنما في مسؤولين يتواجدون في غير أماكنهم، لم يكفهم خطف المسؤولية خطفا، فراحوا يتحدون المواطنين ويستفزونهم، ويضعونهم في حرج، وهم يتابعون تصريحاتهم ضمن خانة النكت عبر مواقع التوصل الاجتماعي العربية والغربية، وعبر الفضائيات الأجنبية، التي أغلقت بعضها ملف العشرية السوداء التي عاشتها الجزائر، وفتحت عشرية أخرى للنكت وللتصريحات الغريبة التي يطلقها بعض المسؤولين عقب كل مأساة.

مقالات ذات صلة