الرأي

حتى لا نقع فيما وقعوا فيه

محمد سليم قلالة
  • 1098
  • 5
ح.م

لم يكن ما يُسمَّى بالربيع العربي ربيعا بالمطلق على الشعوب العربية، بل كانت نتائجه نارا ووبالا وخسائر زادت الوضع سوءا على ما كان عليه. لقد جاء ومازال يشتغل اليوم لإعادة تشكيل المنطقة بصورة مختلفة أسوأ مما كانت عليه. وهو ينتقل من بلدٍ إلى آخر لا ينجو من تداعياته إلا من استطاع التكيُّف بسرعة وقَلَّلَ إلى الحد الأقصى من الخسائر. وتُعَدُّ الجزائر اليوم هي الحلقة التالية من بين حلقاته، يتراوح وضعُها بين الاستعصاء والمقاومة تارة وإشارات السقوط فيما سقط فيه غيرُها تارة أخرى. وعلينا الانتباه إلى ذلك واستباقه بسياساتٍ قادرة على منع السقوط وتعزيز القدرة على التكيُّف والتمكن من الخروج منه بسلام…

لقد قام أستاذنا الدكتور وليد عبد الحي في إحدى محاضراته الأخيرة بتلخيص تداعيات الربيع العربي على المنطقة في المؤشرات التالية:

1 – تراجع إجمالي الناتج المحلي العربي بـ28% بين 2010 و2019.
2 – قارب حجم الخسائر خلال هذه الفترة 870 مليار دولار.
3 – زاد عدد العاطلين عن العمل عما كان موجودا في سنة 2010 بما يساوي 22 مليون عاطل.
4 – بلغ عدد القتلى جراء هذا الربيع 650 ألف قتيل.

ولعلَّ هذا المؤشر الأخير هو الأكثر خطورة لِمَا له من تداعيات سلبية يتجاوز مداها العقود، خلافا لِمَا حدث في ربيع أوروبا الشرقية والاتحاد السوفياتي سابقا، إذ لم يزد عدد القتلى بسبب ربيعهم على حسب تقديرات المحاضر عن الألف رغم كل التبدُّلات الكبرى التي حصلت خاصة في روسيا.
بما يعني أنّ علينا ليس فقط الانتباه والحذر والاستعداد إنما الاستباق أيضا.

لن ننجو من هذا الاتجاه العام نحو السقوط إلا من خلال وعي استراتيجي متكامل وإدارة صراع مُحْكَمَة، خاصة وأن المؤشرات الجزائرية تقول:
1 – تراجع إجمالي الناتج المحلي الجزائري باستمرار منذ سنة 2014 من 213 مليار دولار إلى 180 مليار دولار.
2 – تراجع مداخيل الصادرات من المحروقات من 78 مليار دولار سنة 2011 إلى 35 مليار دولار في 2019.

3 – استهلاك كل ما تم وضعُه من احتياطي سنة 2014 في صندوق ضبط الإرادات المقدر بـ32.5 مليار دولار وغلق الصندوق تماما في 2017.
-4 انخفاض احتياطيات الصرف من 193 مليار دولار سنة 2014 إلى 62 مليار دولار سنة 2019. وستُصبح هذه الاحتياطيات صفرا بعد سنة 2022.

كلّ هذا يعني أننا في الإطار العام لا نختلف في شيء عن بلدان الربيع العربي إلا في مسألة الخسائر البشرية، وهو مؤشرٌ أكثر من إيجابي بالنسبة لنا، إذا مَنَعنا وقوعه، وإذا ما اتحدت جهودنا لكي يكون العامل المحرِّك لباقي المؤشرات لتعود نحو الإيجابية وليس العكس.

لذا، فإننا اليوم في مرحلة خيار استراتيجي لا شك فيه؛ إما نترك المؤشرات السالبة تدفعنا إلى الصراع مثلنا مثل البقية، والنتائج معروفة.. أو نتحكم فيها ونسعى، كل من موقعه، لأن نكون طوق نجاة ونهضة ورقيّ وأمل لبلدنا. ولا نقع فيما وقعوا فيه.. الأمر بين أيدينا.. والمسألة مسألة عقل ووعي وإدارة صراع.. لا عاطفة واندفاع والوقوع مرة أخرى ضحية سوء إدارة الصراع.

مقالات ذات صلة