-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

حتّى ذو القرنيْن في حاجة إلى عونٍ من المستضعفين

أبو جرة سلطاني
  • 614
  • 0
حتّى ذو القرنيْن في حاجة إلى عونٍ من المستضعفين

ردّ ذو القرنين على أصحاب السدّين ما عرضوا عليه من خراج، والتمس عونهم على إنجاز ما هم راغبون في إقامته سدًّا يحجز بينهم بين يأجوج ومأجوج، ليقرّر أنّ كلّ مخلوق بحاجة إلى عون ومساعدة حتّى لو كان ذا القرنيْن. قال لهم: امسكوا عليكم ذهبكم وفضّتكم وما عندكم من خراج املؤوا بها خزائنكم ووسّعوا بها ثرواتكم الماديّة. فما عندي من كنوز معنويّة خير ممّا عندكم. وما آتاني ربّي خيرٌ ممّا آتاكم. فاتركوا خراجكم لمَا جمعتموه له وقدّموا لي يدَ العون بقوّة تجمُّعكم وتعاونكم واشتراككم في شرف بناء سدود الخير المانعة من تقدّم الشرّ ومن انتفاش الطّغيان: ((فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا)) (الكهف: 95).

إذا كان ذو القرنيِن يسأل العون من قوم مسْترخين كُسالى، فنحن أولى منه بطلب العون من كلّ راغب في مساعدتنا على بناء سدود الخير المعنويّة لصدّ كلّ فساد. وإذا كان من أعطاه الله القوّة والتّمكين ويسّر له الأسباب بحاجة إلى أعوان ومساعدين فإنّ غيره أحوج إلى أدنى مساعدة ولو كان سلطانا متوّجا يعتقد أنه ليس بحاجة إلى مساعدة. فالمقصد ليس اتّخاذ أعضادٍ وإنما المقصد تحريك طاقة ميّتة واستنهاض قدرة نائمة لإشعار المسترْخين في ظلّ الكسل أنّهم قادرون على الفعل لو أرادوا.

فذو القرنيْن لم يكن بحاجة إلى مساعدة أقوام لا يكادون يفقهون قولا، لعلمه بحالهم؛ فهم كسالى لا يعملون ولا يتقنون من أمر البناء شيئا. ولم تكن نيته الاستعانة بخبرتهم لو أراد إقامة السّد وحده ورفْع ردْمه وحده.. ولكنه كان حريصا على انتشالهم من ثقافة التّفرّج على كلّ شيء دون المشاركة فيه ولو بالحضور في أرض المعركة دون رمي سهم ولا امتشاق سيف ولا تحريض مقاتل على الثّبات.

كان يريد تعليمهم أنّ سياسة الإنجاز الكامل ووضع “المفتاح في اليد” تورث الاستخفاف بالمنجز ولا تجعل للجيل القائم اليوم والجيل القادم غدا حماسةَ المحافظة على ميراث الآباء والأجداد لجهلهم بجهود من حرّر البلد ومن بناها ومن أقام السّدود في طريق الأشرار.. فسعى إلى تذكيرهم بأن كلّ الذي شاهدته أعينهم وعملته أيديهم رحمة من ربّه وربّهم، وأنهم كانوا قادرين على فعله، لو وجدوا رجلا رشيدا يأخذ بأيديهم إلى فقه الأخذ بالأسباب.

فالمواهب موجودة فيهم، وقد أتاحها الله لكلّ إنسان ووزّعها بعدل بين النّاس. وهذه المسخّرات من حولهم ذلّلها الله -جل جلاله- لهم بإذنه إذا أخذوا بأسبابها بلغوا مرادهم: فذكاء الإنسان وجهده وقدرته على بناء السّدود وتحويل خامات الحديد والنّحاس والحجارة والقطْر إلى وسائل أمن واستقرار ورفاه وعزّة ومنعة كلّها إنجازاتٌ بشريّة متاحة لكلّ أمّة ومقدور عليها لمن يأخذ بأسبابها ويسلك لها سننها التي لا تتأبّى على أحد بما أودعه الله فيها من سخْرة وبما وهب الإنسان من قدرة وقوّة وذكاء وفطنة.. تجعل المتناثر من بقايا المعادن “مادّة أوّليّة” للصّناعة تحوّلها يدُ الإنسان إلى ردْم ضخْم لا يستطيع أهل الفساد الظّهور عليه بتسلّق ولا تملك قوّى البشر خرْقه بإحداث ثغرة في عمقه أو نقبه بمثقاب: ((آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آَتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا * فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا)) (الكهف: 96- 97).

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!