حديث الشعب!
حديث الجزائريين منذ فترة طويلة لم يخرج عن إطار بضعة أسماء يتداولها الناس، وعدد من المواضيع التي تتكرر في كل مرة بعيدا عن النقاشات السياسية والفكرية والاجتماعية التي تتناولها المجتمعات السوية، وبعيدا عن انشغالات مختلف أطياف المجتمع التي سئمت من سماع تلك الأسطوانات وتكرار الأسماء نفسها، وكأن الجزائر لم يعد لها تحديات وطموحات وآفاق، أو كأنها لم تعد تنجب ومصيرها مرتبط بأسماء شخصيات لا بديل عنها، ولا يمكن للجزائر أن تعيش وتزدهر من دونها!
بعدما سئم الجزائريون من الحديث عما يحدث في حزبي الأفلان والأرندي، وعن فضائح الخليفة وسوناطراك والطريق السيار، وتعبوا من تكرار الحديث عن تراجع قيمة الدينار وأسعار النفط وتراجع المداخيل وارتفاع نسبة التضخم، وبعدما شغلهم اختيار نبيل فقير للألوان الفرنسية، وتناول يوسف بلايلي لمواد محظورة، جاء الدور على مسلسل الإقالات والتعيينات في المؤسسة العسكرية ومختلف الهيئات العمومية، وعاد الحديث عن مشروع تعديل الدستور الذي لم يرَ النور وكأن مستقبل الجزائر ومصيرها مرتبط فقط بهذه الملفات!
كل أحاديث الشارع والصالونات في جزائر اليوم تتحدث عما يفعله ويقوله عمار سعيداني وأحمد أويحيى وعمار غول وعلي حداد ويسعد ربراب وعبد السلام بوشوارب ونورية بن غبريط ويوسف بلايلي، وكأننا نريد اختزال الجزائر في هؤلاء وأولئك، وفي بضعة مواضيع ومجالات جعلتنا رهائن نقاشات بيزنطية، ورهائن أفكار وأطروحات بعيدة تماما عن المواضيع والنقاشات الفكرية والعلمية والثقافية والفكرية التي تبني المجتمعات على أساس مشاريع حديثة تقوم على الأفكار وليس على الأشخاص.
حتى المحطات التاريخية الهامة في تاريخ الجزائر لم نعد نتذكرها ونتوقف عندها ونستلهم منها مثل ذكرى اندلاع الثورة وذكرى استرجاع السيادة الوطنية والربيع الأمازيغي، وكذا ذكرى أحداث أكتوبر التي خرج فيها الشعب ليطالب بالحياة الكريمة والمزيد من الحريات وتحقيق دولة الحق والقانون التي لم تتحقق لحد الآن! وحتى الشخصيات التاريخية والثورية العظيمة طالها النسيان ولم يعد يذكرها ويتذكرها الجيل الصاعد حتى نختزل البطولات والإنجازات في شخصيات لا تساوي شيئاً أمام عمالقة الجزائر الذين أبدعوا في مختلف المجالات، والذين ضحوا بحياتهم من أجل هذا الوطن!
مختلف وسائل الإعلام بدورها انشغلت بالمواضيع والأسماء نفسها بحثا عن الإثارة والتشويق، وحتى أبناءنا الصغار في مختلف شبكات التواصل انشغلوا بدورهم بالتعليق على تلك الأحداث والأسماء في نقاشات لم ترتقِ إلى المستوى الفكري والثقافي الراقي الذي يصنع الرأي ويثري الأفكار، ويزرع المحبة عوض الحقد والاحترام بدل قلة الأدب!
جمعيات المجتمع المدني من جهتها دخلت في“معمعة” التخلف والانبطاح ولم نعد نسمع لها صوتا أو نشاطا وسط زحمة الحديث الممل عن التفاهات بعيدا عن الانشغالات الحقيقية للأمة وبعيدا عن الأفكار والمشاريع التي تهم الطفل والتلميذ والمرأة والرجل والأسرة، وقطاعات التربية والتعليم والصحة والفلاحة، وكل الانشغالات اليومية للأجيال الصاعدة التي تبقى في حاجة إلى مرافقة وتنوير وتوجيه، وليس إلى تخويف وتخوين وصدام يعمق الجراح ويزرع مشاعر اليأس والتذمر والرغبة في الهجرة هروبا من تلك الوجوه والنقاشات والمواضيع!
هذا الوضع المؤسف الذي نتخبط فيه يثير فينا مشاعر الأسف والحزن والحسرة على أحوالنا، ويقودنا إلى التساؤل: ألا يوجد في الجزائر علماء ومفكرون وأدباء ومهنيون وشباب يصنعون الحدث بأرائهم وأفكارهم وإنجازاتهم؟ ألا يوجد في الجزائر مشاريع وأفكار ومواضيع أخرى تستحق النقاش والإثراء من طرف أبنائنا وبناتنا؟ هل كتب علينا أن نبقى رهائن تلك الوجوه المستفزة التي تتحكم في رقابنا ومصائرنا، وتفرض علينا أفكارها ومشاريعها؟