الرأي

حذارِ‮ ‬يا صاحب الجلالة

محي الدين عميمور
  • 16133
  • 1

أصبحت أرثي‮ ‬لجلالة العاهل الشقيق الذي‮ ‬يتحمل مسؤولية العرش المغربي،‮ ‬والذي‮ ‬قال الرئيس هواري‮ ‬بومدين‮ ‬يوما أنه لا بد من الحفاظ عليه لأنه ضمان استقرار المغرب الشقيق،‮ ‬وهو بالتالي‮ ‬ضمان الاستقرار في‮ ‬المنطقة،‮ ‬لكن ما نعيشه‮ ‬يعطيني‮ ‬الشعور بأن العاهل المغربي‮ ‬مُسيّر من قبل مجموعة من المستشارين والسياسيين الذين‮ ‬يغطون فشلهم بابتكار المواقف وصياغة البلاغيات التي‮ ‬تسيئ للعرش المغربي،‮ ‬ويذكر بالمثل الشعبي‮ ‬الجزائري‮ “‬خانها ذراعها قالت سحروني‮”.‬

ففي‮ ‬ذكرى ثورة نوفمبر المجيدة نجد الملك‮ ‬يقوم بواجبه الأخوي‮ ‬بأسلوب جدير بالتقدير،‮ ‬ولكن سرعان ما‮ ‬يتحول هذا من النقيض إلى النقيض،‮ ‬بما‮ ‬يذكر بحكاية‮ ‬‭”‬الدكتور جيكل ومستر هايد‮”‬،‮ ‬ويؤكد أفاعيل جماعة الوسواس الخناس،‮ ‬الذين وضعوا على لسان محمد السادس في‮ ‬خطابه الأخير تعبير‮ “‬غنيمة حرب‮”‬،‮ ‬ويبدو أنهم اقتبسوه من كاتب‮ ‬ياسين رحمه الله،‮ ‬لمجرد القول بأن الجزائر تتاجر باللاجئين الصحراويين في‮ ‬تندوف،‮ ‬ونسي‮ ‬أولئك المستشارون أن التاجر‮ ‬يقوم بهذا العمل ابتغاء الربح،‮ ‬ولكنهم هم أنفسهم‮ ‬يردّدون في‮ ‬كل المجالات بأن الجزائر تضيع أموالها على الصحراويين‮.‬

وعندما‮ ‬يضيف أولئك المستشارون صفة‮ “‬اللامشروع‮” ‬لمهنة التجارة التي‮ ‬يتهمون بها الجزائر‮ ‬ينصرف الذهن مباشرة إلى تجارة المخدرات اللامشروعة،‮ ‬ومعروف من هو الذي‮ ‬يتاجر بالمخدرات في‮ ‬المنطقة،‮ ‬بل ومن‮ ‬يزرعها تحت الحماية الرسمية لكبار رجال الدولة‮.‬

وأذكر هنا،‮ ‬لمجرد التأكيد بأن هناك بجانب الملك من‮ ‬يسيئ له،‮ ‬بما حدث خلال الزيارة الرسمية التي‮ ‬نصح بها بعض المستشارين محمد السادس إلى مالي،‮ ‬التي‮ ‬كان هدفها تأليب الجار الجنوبي‮ ‬على الجزائر عبر الجمعيات الدينية،‮ ‬فقد حدث أن رفضت سيدة من مالي‮ ‬مصافحة الملك،‮ ‬وكنت أنا وبعض الرفاق ممن‮ ‬غضبوا لذلك،‮ ‬وطالبت شخصيا في‮ ‬مقالات منشورة وفي‮ ‬تصريح متلفز بمعاقبة مسؤول البرتوكول الذي‮ ‬لم‮ ‬يضع في‮ ‬حسابه احتمال تصرف سيدة مالية محجبة تجاه الملك،‮ ‬الذي‮ ‬رأيناه‮ ‬يمسح عرقه وقد فوجئ بالموقف،‮ ‬وكان موقفنا هذا لأن كرامة الشقيق من كرامتنا برغم أن هناك من أخذ علينا ذلك‮.‬

ونحن نعرف جيدا أن هناك في‮ ‬القطر الشقيق من أرضعوا كره الجزائر منذ نعومة الأضفار،‮ ‬لأن هناك من‮ ‬يتصور أن ضمان الوحدة الوطنية حول القصر‮ ‬يتطلب وجود عدوّ‮ ‬مكروه إلى جانب المغرب،‮ ‬ولو قمنا بإزالة القشرة الذهبية التي‮ ‬تبدو للوهلة الأولى من بعض الأشقاء لوجدنا تشنجا عصبيا‮ ‬يدعي‮ ‬بأن الجزائر دولة هجينة ليس لها تاريخ موحد،‮ ‬وهي‮ ‬كانت مستعمرة تركية،‮ ‬وأرضها كانت هبة من فرنسا التي‮ ‬اقتطعتها من المغرب،‮ ‬وكان استقلالها بفضل الدعم المغربي،‮ ‬ولكنها نسيت خير المغاربة الذي‮ ‬دعموا ثورتها،‮ ‬وأموالها ضائعة لإرضاء نزوات الجنرالات،‮ ‬إلخ إلخ،‮ ‬وكل هذا نسمعه ونقرؤه في‮ ‬تعليقات كثيرة‮.‬

لهذا أجرؤ على القول‮: ‬حذار‮ ‬يا صاحب الجلالة من بعض مستشاريك فهم لعنة عليك وعلى شعب كريم،‮ ‬والقصر الملكي‮ ‬يجب أن‮ ‬يكون،‮ ‬كما قال الرئيس بو مدين‮ ‬يوما،‮ ‬جزءا من الحل وقاعدة للوفاق وليس جزءا من المشكلة وطريق نحو الشقاق‮.‬

ولقد قلت في‮ ‬خطابك البائس بأن الجزائر تستعمل الصحراويين للتسوّل‮.‬

حاشاك‮ ‬يا صاحب الجلالة

فالإعانة الدولية للاجئين هي‮ ‬مبدأ إنساني‮ ‬نشأ منذ قرون،‮ ‬شاهدناه في‮ ‬أوروبا خلال الحربين الأوروبيتين‮ (‬التي‮ ‬يسموها الحروب العالمية‮)‬،‮ ‬وشاهدناه في‮ ‬فلسطين بعد النكبة ثم شاهدناه في‮ ‬مأساة‮ ‬يوغوسلافيا وأخيرا في‮ ‬مأساة سوريا،‮ ‬ومعروف أن حالات اللجوء كانت نتيجة لغزو‮ ‬غادر قامت به قوات‮ ‬غازية،‮ ‬تماما كما حدث في‮ ‬الصحراء الغربية كما‮ ‬يعرف العالم كله،‮ ‬حيث أدت الملاحقات الإجرامية إلى‮  ‬فرار أعداد من السكان فتحت لهم الجزائر واحات ليتنسموا الحرية وليحافظوا على حياتهم،‮ ‬في‮ ‬انتظار تطبيق قرارات الأمم المتحدة‮.‬

والمعونة التي‮ ‬تقدمها مؤسسات دولية كثيرة لهؤلاء اللاجئين هي‮ ‬دليل إحساس تلك المؤسسات بعدالة القضية التي‮ ‬نتجت عنها عملية اللجوء‮.‬

وليس سرا أن كل حبة قمح أو زجاجة دواء أو ثوب قماش‮  ‬أو علبة حليب تذهب مباشرة لللاجئين،‮ ‬فالجزائر ليست من البلدان التي‮ ‬تتخذ من اللاجئ وسيلة للتسوّل الذي‮ ‬تستثمر مداخيله في‮ ‬شراء الأسلحة من كل نوع،‮ ‬والعالم كله‮ ‬يعرف أننا نشتري‮ ‬أسلحتنا بأموالنا،‮ ‬ونعتبر معونة الأشقاء جزءا من واجباتنا كأمة عربية مسلمة‮.‬

ويبقى‮ ‬يا صاحب الجلالة نقطة أخرى خدعك بها مستشاروك،‮ ‬وهي‮ ‬اللجوء إلى ما‮ ‬يسمونها ورقة‮ “‬القبايل‮”.‬

ونحن نعرف،‮ ‬وأنت أيضا تعرف إذا كنت تتابع الأخبار المحلية والدولية كمسؤول عن وطن وعن أمة،‮ ‬أن هناك مرتزقا جزائريا علاقاته العضوية بالعدو الصهيوني‮ ‬معروفة،‮ ‬وقيل إنه‮ ‬يوحي‮ ‬لكم بأنه جسر لقاء بين‮ ‬‭”‬بربر‮” ‬المغرب واليهود من أصل أمازيغي‮ ‬في‮ ‬إسرائيل،‮ ‬وهو‮ ‬يحاول أن‮ ‬يرتزق بإقناع القصر الملكي‮ ‬أن قضية‮ “‬القبايل‮” ‬هي‮ ‬نقطة ضعف النظام الجزائري،‮ ‬ستضطره إلى التراجع بلا قيد ولا شرط في‮ ‬موقفه تجاه الاستفتاء في‮ ‬الصحراء الغربية،‮ ‬لكن‮ ‬يبدو أنكم‮ ‬يا صاحب الجلالة لا تعرفون الجزائر ولا تعرفون القبائل،‮ ‬وبغض النظر عن أن الشعب الجزائري‮ ‬استفتي‮ ‬في‮ ‬1962‮ ‬على الاستقلال والوحدة الوطنية فليس هناك وطني‮ ‬جزائري‮ ‬يقبل المساس بالوحدة الوطنية التي‮ ‬وقعتها دماء الملايين من أبناء شعبنا منذ جوان‮ ‬1830،‮ ‬وليس هناك على وجه التحديد قبائلي‮ ‬شريف،‮ ‬ورث وصايا لالا فاطمة نسومر وعميروش وكريم بلقاسم وعبان رمضان وديدوش مراد ومئات الآلاف مثلهم،‮ ‬يرفع أصبعا واحدا لتأييد المغني‮ ‬الفاشل،‮ ‬اللهم إلا إذا كان سيدخله في‮ ‬مكان لا أذكره حياء‮.‬

ونحن نعرف أن بعض مستشاريكم‮ ‬يبحثون عما‮ ‬يرون فيه نقطة ضعف جزائرية،‮ ‬ولو حدث أن قامت مجموعة من المخنثين،‮ ‬الذين تعرفهم كل بلدان العالم وتجدونهم عندكم وعندنا،‮ ‬بالمطالبة بزواج المثليين في‮ ‬الجزائر فسيسارعون لتبني‮ ‬قضيتهم،‮ ‬لاتهام الجزائر بمحاربة حرية التعبير ومعاداة الحريات الشخصية‮.‬

لهذا‮ ‬يا صاحب الجلالة كتبت هذه السطور،‮ ‬محبة في‮ ‬الشعب المغربي‮ ‬الذي‮ ‬لا ننسى فضله وكرمه،‮ ‬وتسجيلا للتقدير والاحترام والمحبة التي‮ ‬نحملها لجدك العظيم،‮ ‬الملك محمد الخامس طيب الله ثراه،‮ ‬وآية وفاء لمجاهدي‮ ‬ومناضلي‮ ‬المغرب الشقيق وفي‮ ‬طليعتهم الأمير عبد الكريم الخطابي‮ ‬والمهدي‮ ‬بن بركة‮.‬

مقالات ذات صلة