الرأي

حرامٌ علينا أن نفرح بمصاب المحتلّين!

سلطان بركاني
  • 1888
  • 9

أثار العلمانيون العرب مظلومية جديدة في أعقاب حادثة هلاك ما لا يقلّ عن 45 مستوطنا يهوديا إثر التدافع الذي حصل خلال احتفال “لاك بعومر” على جبل الجرمق شمالي الأراضي الفلسطينية المحتلة، ليلة الجمعة الماضية، وما تلاها من تعليقات ومنشورات تتشفّى بالصّهاينة المحتلّين، وهو الموقف الذي رأى فيه العلمانيون تنكّرا لقيم الإنسانية في مواساة المصابين والمكلومين بغضّ النّظر عن دياناتهم، بل ورأوا فيه حيدة عن أخلاق النبيّ – صلّى الله عليه وسلّم – الذي تساءل عندما سئل عن قيامه لجنازة يهوديّ: “أليست نفسا؟”.

من عادة العلمانيّ العربيّ أن يستهجن إقحام النّصوص الدّينية في النقاشات والحوارات، لكنّه قد يتحوّل فجأة إلى واعظ يستدعي الآيات القرآنية والأحاديث النبويّة، عندما يتعلّق الأمر بمُصاب غير المسلمين، وتزداد الغرابة حينما ينسى هذه المعاني إذا تعلّق الأمر بمصاب بعض المسلمين، خاصّة منهم أولئك الذين تصنّفهم قواميسه ومعايير الغرب التي يقدّسها “إرهابيين”؛ فهو لا يبدي أيّ شفقة عليهم أو تعاطف معهم في محنتهم، ولا يشجب الإرهاب المسلّط عليهم باسم محاربة الإرهاب، ولو كانوا من المدنيين العزّل! وهو الذي يرقّ قلبه ويدمع قلمه ويسيل بعبارات المواساة والتعاطف عندما يتعلّق الأمر بغير المسلمين، بغضّ النّظر عن كونهم ظالمين أو مظلومين؛ فها هو ذا يتناسى حقيقة أنّ اليهود الصّهاينة الذين كانوا في احتفال جبل الجرمق، قد احتلّوا أرضا ليست لهم وأخرجوا أهلها من بيوتهم وأراضيهم وأملاكهم وظاهروا على إخراجهم، وحملوا السّلاح بدعم من كيانهم الغاصب ومارسوا الإرهاب في حقّ الفلسطينيين.

والأغرب من هذا الموقف المنحاز ضدّ المسلمين، أنّ العلمانيّ العربيّ يتنكّر لمبدئه في محاربة التطرّف الدينيّ، حينما يتعاطف مع عشرات الآلاف من المستوطنين اليهود المتديّنين المعروفين بتشدّدهم ورفضهم للآخر وللقيم العلمانية والإنسانية التي يقدّسها العلمانيّ! هذا العلمانيّ الذي غضّ طرفه عن لحى وقبّعات وضفائر المستوطنين الذين كانوا في احتفالات “لاك بعومر”، لا يسمح لبصره أبدا أن يتغاضى عن اللحى والأقمصة والقلنسوات عندما يكون أصحابها مسلمين!

لو أنّ “إنسانا” كان في بيته آمنا مطمئنّا، قبل أن يفاجأ بعصابة تقتحم عليه بيته لتجبره على الرّحيل؛ سمع بعد مدّة من تشريده أنّ مصيبة قد حلّت بالعصابة، فأعلن فرحه وتشفّيه بمن أخذ منه بيته؛ لا شكّ في أنّ العقلاء جميعا سيعذرونه في موقفه، لكنّ العلمانيين العرب يأبون إلا أن يسلبوا المسلمين حقّهم في الفرح بكلّ مصاب يحلّ بالصهاينة الذين احتلوا أرضا يؤمن أتباع الدّين الحقّ إيمانا راسخا بأنّها أرضهم التي غدت أرضا إسلامية منذ العام 637 م، علاوة على أنّ اليبوسيين العرب هم أوّل استوطنها وشاركهم الكنعانيون العرب، قرونا طويلة قبل أن يهاجر إليها إبراهيم -عليه السلام- لأول مرة، كما يؤمنون أنّ دعوى حق المواطنة الذي منح لليهود في فلسطين، هو توجّه صهيونيّ معاصر يهدف إلى تحويل اليهودية من ديانة إلى جنسية.

المسلمون لا يفرحون بمصاب النّصارى المسالمين لهم، ولا بمصاب اليهود الذين لم يعتدوا على المسلمين وأراضيهم، إنّما يفرحون بمصاب الظّالمين المعتدين ولو كانوا من المسلمين، فبأيّ حقّ وبأيّ منطق يَسلب العلمانيون المسلمين حقّهم في الفرح بكلّ قارعة تحلّ بالصّهاينة المحتلّين؟! وعندما يستدلّ العلمانيون بقيام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لجنازة يهوديّ، هل علموا أنّ اليهوديّ الذي قام المصطفى –عليه السّلام- لجنازته كان محاربا للمسلمين؟ ولو فرضنا جدلا أنّه كان من المحاربين، هل قام النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- لأجل اليهوديّ أم لهيبة الموت وجلالته؟ واضحٌ أنّه قام خشوعا أمام هيبة الموت، لأنّه قد ورد في رواية أخرى للحديث عند النَّسائي أنّه عندما سئل عن قيامه، قال: “إنّ للموت فزعا”، قال العلامة السندي رحمه الله في شرح الرواية: “أي لا ينبغي الاستمرار على الغفلة عند رؤية الميت، فالقيام لترك الغفلة والتشمير للجد والاجتهاد في الخير، وفي بعض النسخ أن الموت فزع أي ذو فزع أو هو من باب المبالغة، ومعنى قوله “فإذا رأيتم الجنازة فقوموا” أي تعظيما لهول الموت وفزعه لا تعظيما للميت فلا يختص القيام بميت دون ميت” (شرح سنن النسائي: 3/ 208)، ولهذا فليس تناقضا أبدا أن يفرح المسلمون بما أصاب ويصيب الصّهاينة، ثمّ يقوم بعض المسلمين إذا مرّت بهم جنائز الصّهاينة تعظيما لأمر الموت.

العجيب في أمر العلمانيين أنّ ألسنتهم الحداد التي اعتادت سلقَ المسلمين والمسلمين وحدهم، بلغ بهم التطرّف إلى حدّ وصف تعبير المسلمين عن فرحهم بمُصاب الصّهاينة، بأنّه “مقرف”! في تناغم عجيب مع تصريحات النّاطق باسم الجيش الصّهيونيّ “أفيخاي أدرعي” الذي لبس لباس الوعاظ ليستنكر على المقهورين فرحهم بقارعة حلّت بالمحتلين، وهو الذي ما فتئ يتشفّى بكلّ مصاب ينزل بالمنتسبين إلى حركة المقاومة الإسلامية حماس، مع أنّ صهاينته قوم معتدون، وحماس حركة مقاومة تقاتل دفاعا عن الدّين والأرض والعرض.

مقالات ذات صلة