-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حرام.. ولا مفتي فيه

حرام.. ولا مفتي فيه

“أقدم شاب، في الخامسة والعشرين من العمر في ولاية عنابة، قيل إنه يعاني من مشاكل اجتماعية معقّدة، على تقطيع شرايين يده بشفرة حلاقة، أمام مقر البلدية، بعد أن رموا ملف سكنه الريفي جانبا، وفي الوقت الذي هبّ بعض المواطنين لإنقاذه من الموت، التهم جرعة من سمّ الفئران، ليشلّ بدنه وحركة المدينة بين مسرع لنقل الفتى إلى المستشفى، وبين مستغل للحادث لأجل تحقيق مصالحه الشخصية، وبين معتبر ما أقدم عليه حلّا وحيد لمشكلات عابرة”.

 لا أظن أنه يوجد مشهد، أفظع من هذا الذي صار يحدث في الجزائر، في غياب دولة تهتم بحالة التيه، التي يتواجد فيها شعبها، ومجتمع مدني يهتم بالمجتمع وبالمدنية، أو إمام يصيح في القوم: أليس فيكم رجل رشيد.. أو حتى سليم؟

عندما انتقد بعض الفقهاء العمليات “الاستشهادية” أو “الانتحارية” التي ضرب فيها المستضعفون، الصهاينة في الأرض المحتلة، إنما كانت قناعتهم على أن الحياة هي الوسيلة الوحيدة لتحدي الظالمين، وأن الانتحار هو قنوط من رحمة الله، في الأمور المصيرية من دين وعرض وأرض وكرامة، فما بالك بسكن أو منصب شغل، والانتحار لا يحقق لنا النصر ولا العزة التي كانت وستبقى لله ولرسوله وللمؤمنين، والقرآن طالب بالمقاومة والصبر ولم يدعُ أبدا إلى قتل النفس، ورسول الإسلام طالب بتغيير الأذى بالفعل أو باليد أو بالقلب، وليس بقتل الثلاثة كما صار يحدث عندنا.

  وتقدّم الدولة هذه الأيام سياسة جديدة لا ديكتاتورية فيها ولا ديمقراطية، تمنح فيها الشعب كل الحرية، ليفعل ما يريد، في المكان والزمان الذي يريد، وتفعل هي بالمقابل ما تريد في المكان والزمان الذي تريد، بعد أن تهدّم الجسر الفاصل بين الطرفين فتحوّلت حياتنا إلى غابة، نلعب فيها جميعا دور الأسد.. ولا أسد فينا.

مشكلة الأئمة عندنا أنهم لا يخشون الحاكم فقط، وإنما يخشون الشعب أيضا، فالمسؤولون، يعِدون ولا يوفون بوعودهم، ويمنحون للفاسدين مناصب نهب المال والتحكم في رقاب الناس، ويشجعون على انتشار الرشوة والمحسوبية وظلم الناس، ولا أحد ينتقد أو ينصح، والمواطنون يقابلون حرام السلطة، بحرام آخر فهم يقطعون الطرقات وينتحرون، في بلد لا فعل ولا رد فعل فيه، بل تيهان في حلقة مفرغة، صارت الدولة تعتبر “شرب” النفط وتوزيع أمواله عبقرية وإنجازات إعجازية، وصار المواطن يعتبر الاحتجاج العنيف وحرق الأبدان بطولة وجرأة لتحدي ما يسميه بالظلم، ولا أحد يقول كلمة حق أمام حاكم جائر وشعب أيضا جائر في كثير من أمور حياتهما.

لم يعد يفصلنا سوى شهر عن موعد الانتخابات الرئاسية الأولى بعد أن بلغ سن حرية البلاد أكثر من نصف قرن من الزمان، والمشهد العام لا يوحي بأننا سنتقدم خطوة واحدة، وأكثر المتفائلين يتمنى استقرار الوضع العام بين حرام تبذير خيرات البلاد من طرف الدولة، وحرام مشاهد القنوط التي ينتهجها الشعب، وحرام صمت الشياطين الخرس.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • JEJE LABRUGUIERE

    بوركت

  • Abdeljalil

    هذه كلمة حق قالها هذا الرجل فهل من مستمع لمايقول الصحافيون الغيورون عن عرض الإسلام والعروبة و الوطن .
    لكن قلب ناظريك يا سي عبد الناصر في الوضع أكثر و زد قراء الجريد من تحريراتك الهادفة وتعليقاتك الصادقة و لعل اليوم الذي يكثر انصار الحق فيه قريب ................ولا أجد في الصحافة اليوم ما يفرح القلب بل أشعر بالانقباض والضيق كلما قرات الجرائد إلا ما كان من مثل هذا الكلام الذي وإن اختلفنا مع صاحبه في بعض التفاصيل إلا انه كلام نحسب صاحبه صادق الهجة صالح النية.