حربٌ عالمية على “داعش”
مع بداية تشكّل تحالف دولي واسع يضمّ نحو 40 دولة لمحاربة “داعش” في العراق وسوريا، تبرز ملاحظاتٌ عديدة تستدعي التوقف عندها وتساؤلاتٌ لا بدّ من طرحها، ولا سيما فيما يتعلّق بالحرب على “داعش” في سوريا.
أولاً: الدولُ المشكِّلة للتحالف هي نفسها التي حرفت الثورة السورية عن مسارها السلمي الصحيح وعسكرَتْها ودعمت المعارضة بالسلاح والمال والتدريب وتوفير ممرّات آمنة إلى سوريا للمتطوعين من كل البلدان بهدف إسقاط النظام بأي وسيلة، وتجاهلت كل التحذيرات بأن هذه الجماعات التي تحرص على تقويتها اليوم ستنقلب عليها غداً وتهاجمها في عقر ديارها، وهو ما حدث مع “داعش” التي حظيت كغيرها من الفصائل المسلحة بالدعم التسليحي والمالي، وحينما قويت شوكتُها، قامت بالسيطرة على مساحات واسعة في سوريا والعراق بلغت مجتمعة 215 ألف كيلومتر مربع دون احتساب مساحة القرى الكردية السورية الـ21 التي سيطرت عليها الخميس. وقد أقامت بها “دولتها” وبدأت تهدّد بالزحف على دول الجوار لضمها إلى “دولتها” وإزالة عروشها ولم تكترث بأنها كانت تدعمها مدة طويلة، وهنا تداعت هذه الدول إلى تحالف عالمي ضدها، فمن يحاسبها الآن على دعم ما أصبحت تسميه “إرهاباً“؟ ثم ألم يكن “إرهاباً” حينما كان يحارب النظامَ السوري وأضحى كذلك فقط حينما تحوّل إلى تهديد عروشها؟
ثانياً: هذا التحالف يستبعد النظام السوري الذي يملك جيشاً لايزال قويا برغم حرب الاستنزاف التي خاضها ضد المعارضة طيلة ثلاث سنوات، حتى لا يعترف بشرعيته ويعيد تطبيع العلاقات معه، وهو يعتمد فقط على فصائل المعارضة السورية لمحاربة “داعش” في سوريا بعد إعادة “تأهيلها” وتدريبها وتسليحها، فهل تستطيع هذه الفصائل الانتصار على “داعش” بالاعتماد على الغطاء الجوي الأمريكي والغربي وهي التي هُزمت أمامها في جولاتٍ عديدة وتركت لها مدناً وأراضي واسعة لتسيطر عليها؟ وقبل ذلك: هل تؤمن أمريكا حقا بأن هناك “جماعات إسلامية معتدلة” في سوريا يمكن التحالفُ معها وتسليحها وتدريبها والمراهنة عليها لمحاربة “داعش” والقضاء عليها؟ وهل تقبل مختلف التشكيلات الإسلامية بعقد صفقة مع التحالف العربي – الغربي ضد “داعش” وتنضمّ إليه في حربه عليها، وهي قريبة إليها إيديولوجياً، وتتخلى عن مبادئها ونظرتها إلى أمريكا والغرب “الصليبي” كما تسمّيه، مقابل مساعدتها لاحقاً على الإطاحة بالنظام السوري؟ وهل تنجح مساعي التصفية الجسدية، الجماعية والفردية، لقياداتها الرافضة للحرب على “داعش” في تخويف هذه الجماعات ودفعها إلى الانضمام إلى التحالف؟ ألا يُحتمل أن ينشقّ عنها الآلاف من مقاتليها وينضمّوا إلى “داعش” فتزداد الأوضاع تعقيداً في الميدان؟ وإذا قبلت الجماعاتُ الإسلامية بـ“الصفقة” وانضمت إلى التحالف، هل يمكّنها لاحقاً من حكم سوريا، أم يقوم بتصفيتها بدورها وتسليم الحكم للعلمانيين؟
ثالثاً: مادامت “جبهة النصرة” هي أقوى الجماعات المقاتلة على الأرض بعد تمرّد “داعش“، فهل تشملها عملية إعادة التأهيل والتدريب والتسليح وهي لا تُخفي انتماءها لـ“القاعدة” ومصنفة دولياً جماعة إرهابية؟ وهل يكون المقابل هو رفعها من القائمة الدولية للإرهاب وقبول التعايش معها؟ هل يُعقل أن تكون هناك “قاعدة” مقبولة لدى الأمريكيين ويصنفونها مع “الجماعات المعتدلة” إذا حاربت خصومَهم، و“قاعدة” غير مقبولة وتُصنف في خانة “الإرهاب الدولي” إذا هددت حلفاءَهم؟
هي أسئلة تطرح نفسها ونحن على أبواب حرب عالمية واسعة على “داعش“؛ حرب قد تستمر 10 سنوات كما قال وزير الخارجية السعودي للقضاء عليها نهائياً، ولكن هذه النتيجة غير مؤكدة، المؤكد فقط أن دماء العرب وأموالهم وثرواتهم ستكون، كالعادة، أكبر ضحاياها…