-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 حرب الفساد .. من القمة إلى القاعدة

 حرب الفساد .. من القمة إلى القاعدة

خلال 3 سنوات شاقة، من معركة سياسية وقضائية حامية الوطيس، أبانت مؤسسات الدولة العليا عن إرادة قوية في حماية المال العام، مثلما أبلى فيها القضاة والمحققون وكل أجهزة العدالة والضبطية بلاء كبيرا لاستئصال دابر الفساد من الجزائر.

لقد عمّت بلوى النهب والتبديد والتلاعب بثروات الأمة قبل حراك 22 فبراير المبارك، حتى شاعت اللصوصية في كل المستويات والقطاعات من أعلى مستويات المسؤولية برئاسة الجمهورية إلى أدناها وسط الجماعات المحلية، وهو ما أثبتته فضائح المحاكمات المتعاقبة منذ 2019، حيث جرجرت التحقيقات الوزراء والولاة والمستشارين إلى أروقة المحاكم وزنزانات السجون، لتكشف عن استهتار غير مسبوق ولا متخيل بأموال الشعب في زمن ترهّل الدولة وتفسخ السلطة وفقدان الشرعية، إذ رآها هؤلاء المجرمون في حق الوطن فرصة آمنة، للعبث بمقدرات البلاد وتحقيق أطماعهم المادية الدنيئة، من دون أي رادع قانوني ولا وازع أخلاقي ولا خوف من رقابة المجتمع.

وبهذا الصدد، سيكتب التاريخ أنّ الرئيس عبد المجيد تبون خاض حربًا شجاعة في مطاردة الفاسدين، جاعلا منها أولوية قصوى ضمن التزاماته الانتخابية وتنفيذ برنامجه الرئاسي، وها هي تؤتي اليوم أكلها بقطع دابر الآفة الفتاكة تدريجيّا، واسترجاع قرابة 23 مليار دولار حتى الآن، ولا تزال العملية متواصلة بفعالية في الداخل والخارج، وستحمل الآفاق القريبة مزيدا من النتائج النوعية، في ظل ما تبديه الفواعل الدولية من استعداد للتعاون القضائي، بفضل استعادة الجزائر لكاريزما الدولة.

وبعد ما أسدل “القطب المتخصص” بسيدي محمد الستار عن كل القضايا الكبرى المفتوحة منذ 2019، إثر جهود قضائية استثنائية وفي ظرف قياسيّ، بالنظر لحجمها وتشابكها، تناغمًا مع الإرادة السياسية الصارمة في استئصال أورام الفساد، ها نحن نعيش اليوم فصلا آخر من المعركة الوطنية النزيهة من أجل صون المال العام، بفتح ملفات الشركات العمومية التي نخرها سرطان السرقة، ولن يغمد القضاء سيف القانون المشهر، حتى يقطع كل رؤوس العصابات التي أودت بمؤسسات الدولة الاقتصادية والتجاريّة إلى الإفلاس، بتسيير فاسد حوّل الصفقات العمومية إلى سبيل غير مشروع للثراء الفاحش، بالمنح غير المستحق والتحايل وتضخيم الفواتير ومخالفة التشريع مقابل مزايا خاصّة.

ولا شكّ أن الغرض من ذلك، زيادة على إلزامية حماية الممتلكات العامّة، هو إعادة تفعيل القطاع العام ضمن دواليب الاقتصاد الوطني وصيانة مصادر رزق مئات الآلاف من عائلات المواطنين البسطاء، لأنّ التطهير هو الخيار الوحيد لإحياء تلك المؤسسات وضمان استمرارها في السوق، عكس ما يروج له المرجفون المتضررون من حرب الفساد بشأن قتل مزعوم للشركات الانتاجية، والتي أرادوها بقرة حلوبًا لهم ولذويهم الأقربين ومن يقاسمونهم الرشاوى والعوائد الوسخة.

للأسف، هناك فئة جاحدة لا يسرّها أي مكسب وطني مهما بزغ ساطعًا في الأفق، وعندما تخرسها الحجّة الدامغة تلتف حولها بالتأويل والانتقاص، من قبيل القول إن الرئيس تبون يريد من فتح ملفات الفساد كسب شرعية سياسية شعبية وكأنّ مثل هذا الأمر معيبًا أو مُجرّمًا، بينما هو في منطق الحكم عين الصواب والمسؤولية، وكل رئيس جمهورية يقود حربًا شريفة ضد الفساد فهو جدير بمنتهى التأييد والالتفاف حول قيادته الوطنية.

بل إن شريحة أخرى مُغالية في النكران تزعم أن ما يجري في الجزائر بخصوص الحرب على الفساد ليس سوى جولة من تصفية الحساب، ويا لها من فرية سخيفة يدحضها الواقع وتكذبها الوقائع التي تحاول أبواق المفسدين التغطية عليها بالتشويش والتضليل، والدليل أنّ العدالة لم تفرّق بين المتهمين من كل المراحل السابقة ولا الحالية، إذا ثبت لها ما يدينهم، مع الإشارة إلى أنّ القاضي الأول في البلاد قد قدم كل الضمانات القانونية للدفاع عن الإطارات النظيفة في حال ارتكاب أخطاء التسيير الواردة دائما في ممارسة المسؤولية العامة.

بقي المطلوب قريبًا هو مزيد من مواكبة القضاء الإقليمي والمحلي، وكل الأجهزة الضبطية المخولة، لوتيرة الحرب على الفساد، بالنبش في كل الملفات المشبوهة بالمؤسسات والإدارات الواقعة تحت نطاق اختصاصها، لأنّ مستوى النهب في الولايات طيلة السنوات الماضية لا يقلّ خطرا ولا حجمًا عن الجرائم المركزية، وعلى كل المواطنين وأعوان الدولة المخلصين التبليغ عن المعاملات المشوبة بشبهات الفساد، خاصة في ظل الحماية القانونية التي كرّسها مؤخرا التشريع الجزائري.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!