حركة وطنية لإنقاذ الجزائر
يعلق القراء كثيرا على ما يكتب في هذا الركن، مطالبين باقتراح الحلول عوض تشريح المشرح.الكل يتساءل: ما العمل أمام الوضع الصعب الذي أصبحت عليه الجزائر؟
ما العمل والجزائر لم يعد لها، خارجيا، أي تأثير حتى على أبسط الأحداث الواقعة على حدودها الملغمة كلها؛ وداخليا، تقول الأرقام الرسمية أن عدد تدخلات الشرطة لفك النزاعات ومواجهة المظاهرات الشعبية وإعادة فتح الطرق يبلغ حوالي عشرة آلاف تدخل كل سنة، مما يعني أن الجزائر لا تعيش وضعا طبيعيا أو عاديا.
يتزايد الغضب الشعبي كل سنة، لكنه غضب معبر عنه بطريقة غير مفيدة ولا موحدة ولا إيجابية.
عندما يغضب الناس لانقطاع الكهرباء، أو عدم وصول الماء للحنفيات، ولا يغضبون من المسؤول المحلي الذي يتقاعس في خدمة المواطن، فغضبهم هو آني ومحدود ولا يفيد إلا في حل مشكل بسيط كان من المفروض أن لا يكون لو أن كل مسؤول أدى عمله على أحسن وجه.
عندما يغضب الناس ويخرجون إلى الشارع ويقطعون الطريق بسبب أنهم لم يستفيدوا من سكنات أو محلات ولا يثورون على المنتخبين الذين يمارسون الفساد بكل أشكاله، فغضبهم لا يفيد الوطن لأن المسكنات متوفرة لمعالجة هذا النوع من الغضب.
عندما يغضب الشباب ويحطمون الطاولات وزجاج النوافذ لأن أسئلة البكالوريا كانت صعبة ولا يغضبون على كل المسؤولين الذين مروا بقطاع التربية، من الوزير إلى آخر مدير تربية نافق الوزير، والذين حولوا المدرسة الجزائرية إلى مجرد “حاضنة” أطفال يتخرج منها حامل الباكالوريا وهو لا يعرف لا الكتابة ولا التفكير ولا حتى القدرة على التمييز بين الجيد والرديء، فغضبهم، بالنسبة إلى السلطة، بسيط ويمكن علاجه برفع نسبة النجاح.
عندما يستشيط أفراد الحرس البلدي غضبا لتخلي الحكومة عنهم، بعد أن واجهوا لسنوات طويلة الإرهاب، ويقررون السير نحو العاصمة فيواجهون بوحدات الشرطة والدرك، لمنعهم من ذلك، فهذا لا يؤثر على الجالسين على كراسي المسؤولية بل يقدم لهم خدمات كبيرة لأن مثل هذا الغضب من شأنه أن يجعل جهاز الشرطة يضيع الكثير من الوقت والجهد في مواجهة حشود المضربين عوض الاهتمام بمحاربة الجريمة بكل أشكالها والتي منها: تبييض الأموال، المتاجرة بالمخدرات، عدم احترام قانون الصفقات …الخ.
الغضب موجود، لكنه مشتت، وما دام كذلك فهو ليس بالخطير على النظام السياسي الحالي، الذي تقول كل الدلائل بأنه أصبح يشكل خطرا على البلاد والعباد.
أصبح هذا النظام يشكل خطرا ليس فقط بسبب جموده وعجزه في مواجهة آلاف المشاكل التي يعاني منها المواطن، لكن أيضا، وخاصة، بسبب الأنماط البشرية التي يتكون منها، وهي أنماط لا حدود لنهمها ولفسادها ولتخلفها ولنتانتها الأخلاقية.
نظام هذا حال رجاله، لا أظنه يقبل أن يرحل أو حتى أن يغير من بعض ما به بسهولة، فالمصالح كبيرة والأموال كثيرة وهم يعلمون بأن مغادرتهم للسلطة معناها التوجه مباشرة إلى السجن. لقد أضروا كثيرا بالبلد وباقتصاده وبأبنائه وبثقافته وحتى بعقيدته وبدينه. فسادهم بلغ مستوى الخيانة العظمى وهم يدركون بان أي ضعف في صفوفهم سيجعلهم يدفعون ثمن خيانتهم.
مرض الرئيس وتأكدهم من قبر مشروع العهدة الرابعة نهائيا، ومعها حلم توريث الحكم، جعلهم يلهثون، هذه الأيام، بحثا عن صيغة يوهمون بها الناس بالجديد. هم يتكلمون الآن عن تحالف يكون قد بدأ التحضير له بين بعض الأحزاب للاستمرار في السلطة، وهي أحزاب أصبحت معروفة لدى العامة من الناس بانتهازية مناضليها وتملق قادتها وفساد جل كوادرها.
هناك إخراج جديد لنفس المسرحية المتواصلة فصولها منذ خمسين سنة. أكيد أن بعض الوجوه المرتبطة أساسا بالرئيس بوتفليقة ستغادر الساحة السياسية وأن بعض الفاسدين الكبار سيكونون كبش فداء لإيهام الناس بالتغيير، لكن لب النظام وطرق عمله وممارساته لن تتغير. هذه حساباتهم، فما هي حسابات الشعب الجزائري؟
ليس أمام الشعب الجزائري، في رأيي، سوى حل واحد وهو أن تعمل كل القوى الوطنية النظيفة والنزيهة على أن تلتقي في إطار حركة شعبية واسعة لتفرض التغيير بعيدا عن العنف وعن تزوير الأصوات.
الالتقاء في إطار حركة شعبية لا يعني إنشاء حزب جديد فالنزهاء من أبناء الشعب لم يعودوا يطيقون الأحزاب السياسية، بل أن تمهد القوى الحية للوطن بمختلف مشاربها وانتماءاتها وبكل أطيافها ومستوياتها: أساتذة، صحفيون، طلبة، إطارات، عمال ..الخ.، أن تمهد، عن طريق حوار واسع تستعمل فيه كل الوسائل المتاحة، من صحافة مكتوبة وقنوات تلفزيونية خاصة ومواقع اجتماعية ومدونات وندوات فكرية للبحث عن مخرج من الأزمات العديدة التي تعاني منها الجزائر وكذلك عن كيفية تنظيم كل الجزائريين الراغبين في إحداث التغيير الإيجابي بطرق سلمية بعيدا عن الأحزاب والجمعيات ورجال النظام الذين أثبتوا كلهم فشلهم.
لا بد من فتح نقاش واسع بين كل الفئات المذكورة للبحث عن رجل إجماع يتعهد أمام الجميع باحترام القانون واختيار الأفضل من بين الكفاءات الوطنية للمناصب العليا في الدولة. رجل لا يميز أقاربه ولا يمد يده للمال العام ويسعى بكل جد لمحاربة الفساد بكل أشكاله. رجل من عمق الجزائر لا يخشى أحدا ولا ينتمي لأية جهة أجنبية. رجل يعمل من أجل هدف واحد: إعادة الجزائر للجزائريين.
قد يقول البعض: أين نجد مثل هذا الذي أتحدث عنه؟
الجواب هو أن الجزائر لم تصب بالعقر بل أن النظام السياسي الحالي هو الذي أبعد الكفاءات وقرب الفاسدين وجعل أرذل الناس أسيادا فغلقوا الأبواب أمام الكفاءات والأتقياء من أبناء هذا الوطن.
نواصل، خلال الأسبوع المقبل، حول نفس الموضوع وكيفية تحريك المجتمع ليفرض الأفضل.