-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

حقّ الله.. بين دين الإسلام والديانة الإنسانية!

سلطان بركاني
  • 1102
  • 0
حقّ الله.. بين دين الإسلام والديانة الإنسانية!

الديانة الإنسانية، دعوة تهدف إلى جمع النّاس تحت مظلّة القيم التي يشترك فيها البشر جميعا بغضّ النّظر عن أديانهم ومعتقداتهم وقناعاتهم الفكرية.. ليس ضمن اهتماماتها أن يعبد النّاس الإله الواحد الأحد أو يعبدوا ثالث ثلاثة أو الشّيطان أو الدولار أو يكونوا ملحدين ينكرون وجود الخالق ويقدّسون العلم التجريبيّ الذي يصلح لهم دنياهم.. باختصار: الديانة الإنسانية تهتمّ بدنيا النّاس وعلاقاتهم فيها، ولا تُعنى بالأديان، ولا بوجود الخالق، ولا بحقّه الواجب على خلقه، ولا بالجزاء بعد الموت.

أتباع الديانة الإنسانية يؤمنون بأنّ الجنّة ينبغي أن يصنعها الإنسان في هذه الدّنيا بالعلم والعمل وإشاعة ثقافة التعايش بين النّاس، لكنّ بعض المنتسبين إليها يؤمنون بجنّةٍ بعد الموت يدخلها كلّ الإنسانيين الذين يؤمنون بقيم الإنسانية ويخدمون الإنسان بغضّ النّظر عن معتقداته؛ يدخلها النّصارى واليهود والبوذيون والمسلمون وحتّى الملحدون الذين قدّموا خدمات للبشرية في هذه الدّنيا؛ هذا الصّنف من أتباع الإنسانية يؤمنون بأنّ علماء الفيزياء والفلك وعلماء الأحياء والطبّ والمثقفين والمفكّرين سيدخلون الجنّة ولو كانوا في هذه الدّنيا ملاحدة يكفرون بالله ورسله وبدار الجزاء!

هذا الصّنف من الإنسانيين يستنكر على المسلمين اعتقادهم أنّ الجنّة خاصّة بمن يشهد أن لا إله إلا الله، ويزعمون أنّ عالِما مثل عالم الفيزياء ستيفن هوكينغ سيدخل الجنّة قبل المسلمين! وأنّ نوال السّعداوي وسيّد القمني وغيرهما من الملاحدة سيكونون من أهل الجنّة لأنّهم مثقّفون ومفكّرون مبدعون!!! وكأنّ هؤلاء الإنسانيين يريدون أن يملوا على الله الواحد الأحد سبحانه من ينبغي أن يستحقّ جنّته ممّن لا يستحقّها! أو أنّهم يتّهمون الله -جلّ وعلا- في عدله عندما قضى أن لا يدخل الجنّة إلا من شهد أن “لا إله إلا الله محمد رسول الله”! ويقولون له: لا يا ربّ، ينبغي لك أن تدخل جنّتك كلّ من قدّم خدمات للبشرية ولو كان يكفر أو يشرك بك، ولو كان يسبّك!

قبل سنوات قليلة كانت مسألة اختصاص الجنّة بالموحّدين واضحة لكلّ المسلمين، لأنّها وردت في آيات صريحة واضحة من كتاب الله، وفي أحاديث صحيحة متواترة من سنّة رسول الله، لكنّها الآن غدت محلّ نقاش وجدال، وأصبحنا نسمع ونقرأ لمن يقول إنّ الله يمكن أن يغفر للمشركين ويدخلهم الجنّة! ولمن يقول إنّ الترحّم على المشركين من اليهود والنّصارى وحتّى الملاحدة، جائز، لأنّ رحمة الله وسعت كلّ شيء.. وينسى أنّ الله العليّ -سبحانه- الذي قال: ﴿وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ﴾، قال بعدها مباشرة: ﴿فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآَيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالْأَغْلَالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آَمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنْزِلَ مَعَهُ أُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾، وقال سبحانه: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا﴾، وقال جلّ وعلا: ﴿وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾، وقال تعالى: ﴿وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِين﴾، وقال تقدّست أسماؤه: ﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّة﴾.

وقال خاتم أنبيائه -صلى الله عليه وسلم-: “والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة، يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار” (رواه مسلم).

هؤلاء الإنسانيون يتجاهلون حقيقة أنّ الله -جلّ وعلا- خلق دارين منفصلتين، الدّنيا والآخرة، وجعل لكلّ منهما قوانينها؛ الدّنيا يعطي منها المؤمن والكافر، والموحّد والمشرك والملحد، ويرحم فيها برحمته العامّة جميع خلقه مهما كان اعتقادهم في خالقهم، أمّا الآخرة فقد قضى -سبحانه- ألا يرحم فيها من كفر أو أشرك به، أو كفر بأنبيائه واليوم الآخر.. قضى -سبحانه- أنّ من أحسن في هذه الدّنيا وهو مؤمن يريد الله والدّار الآخرة، آتاه نصيبه من الدّنيا وجزاه في الآخرة خير الجزاء، ومن أحسن في هذه الدّنيا وهو يريد جزاء الدّنيا وفّاه الله نصيبه منها مالا وجاها وذكرا حسنا ورفعة بين النّاس، لكنّه لا يعطيه في الآخرة شيئا، لأنّه لم يكن يرجو ما عند الله، قال تعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآَخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾، وقال سبحانه وتعالى: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا﴾.. حتّى المسلم المؤمن، إذا أراد بعمله الدّنيا وُفّي جزاءه في الدّنيا، ثمّ قيل له يوم القيامة: اذهب إلى من كنت ترائيهم في الدّنيا فاطلب أجرك منهم.. هذا هو منتهى العدل: من أراد الدّنيا وحدها أعطاه الله منها ما يريد، ومن أراد الآخرة وسعى لها سعيها وهو مؤمن بالله أعطاه الله الآخرة مع نصيبه من الدّنيا.. لكنّ الفكر الإنسانويّ يريد أن يستثني حقّ خالق الدّنيا والآخرة من الحسبان؛ يريد أن يجعل من يؤمن بالله ويوحّده، كمن يكفر بالله ويشكرك به وينكر وجوده، ويكون لمعيار الحساب هو عمارة الدّنيا والإحسان إلى الخلق! وفات هؤلاء أنّ هذا المعيار يؤخذ بعين الاعتبار للمفاضلة بين من يؤمنون بالله ويوحّدونه، أمّا من يشركون به فيعجّل لهم جزاء إحسانهم في الدّنيا حتّى لا يبقى لهم عند الله في الآخرة نصيب.

في بداية دعوة الحبيب المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- كان مشركو قريش يفاخرون المؤمنين بخدمة الحجيج وعمارة المسجد الحرام، فجاءهم الردّ القاطع: ﴿أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ﴾.

إنّ أعظم ظلم في الوجود، أن يُنسى حقّ الله الواحد الأحد الخالق الرازق، في أن يوحّد ويكون هو المعبود الأوحد؛ يخلق عباده ويرزقهم، ثمّ يكون بينهم من يخاطبه -سبحانه- قائلا: ينبغي لك أن تتنازل عن حقّك في أن توحّد وتعبد وحدك، ولا تحاسب النّاس على هذا الحقّ يوم القيامة!

محنة عظيمة هذه التي نعيشها في هذه السّنوات الأخيرة التي أصبح فيها الإسلام غريبا بين أهله، وأصبحت حقائق الإسلام تعرض للنّقاش ويخوض فيها كلّ أحد؛ يخوض فيها من لا يفهم سورة الفاتحة ولا يحسن تفسير سورة الصّمد وسورة الكافرون، ويخوض فيها من لم يختم تلاوة القرآن كاملا ولو مرّة من حياته.. والمصيبة أن يوجد بين الأمّة من يسعى لاسترضاء أتباع الديانة الإنسانية ويريد أن يصهر دين الله الحقّ في قالب الإنسانية، فيعمد إلى نصوص القرآن والسنّة تأويلا وتحريفا حتّى يوافق دينُ الله الديانة الإنسانية!

الإسلام بدأ غريبا، وها هو يتّجه ليعود غريبا كما بدأ، وها نحن نعيش مصداق ما أخبر عنه حبيبنا المصطفى -عليه الصّلاة والسّلام- الذي قال: “بَدَأَ الإِسْلامُ غَرِيبًا، وَسَيَعُودُ كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا، فَطُوبَى لِلْغُرَبَاء” (رواه مسلم).. ها نحن نرى كيف تنقض عرى الإسلام عروة عروة، تماما كما أخبر الحبيب المصطفى -صلّى الله عليه وسلّم- حينما قال: “لتُنْقَضنّ عُرى الإسلام عُروةً عُروةً، فَكلَّما انْتَقَضتْ عُروةٌ تشبَّثَ الناسُ بالَّتي تلِيها، فأولُهُنّ نَقضًا الحُكْمُ، وآخِرُهنَّ الصَّلاة” [صحيح الجامع].

أصبحنا نسمع من المسلمين من يقول: لا يهمّني دينك، المهمّ أن تكون إنسانا، ومن يقول: إنّ اليهود والنّصارى سيدخلون الجنّة إذا كانوا أصحاب أخلاق حسنة وخدموا البشرية! ومن يستهين بأمر الصّلاة بحجّة أنّ الأخلاق هي الأهمّ، ومن يقول إنّ الحجاب ليس فرضا على جميع النّساء إنّما هو فرض على نساء النبيّ وبناته فقط، ومن يقول إنّ الحجاب ليس حجاب البدن إنّما هو حجاب الأخلاق، ومن يقول إنّ الحجاب في القلب، ومن يقول إنّ بناء المستشفيات والمصانع أولى من بناء المساجد، وإنّ إطعام الجائعين أولى من الحجّ إلى البلد الأمين، والصّدقة على الفقراء أولى من ذبح الأضاحي… وهكذا.. أفكار يزيّنها العلمانيون وأتباع الديانة الإنسانية فيتلقّفها بعض شبابنا من دون عودة إلى كتاب ربّهم وسنّة نبيّهم، بل ومن دون العودة إلى عقولهم لوزن هذه الدّعوات والشّعارات؛ فلماذا لا يقال إنّ بناء المستشفيات أولى من بناء الملاعب والمسارح؟ لماذا لا يقال إنّ إطعام الجائعين أولى من الاحتفال بالكريسمس ورأس السّنة وعيد الحبّ؟ لماذا فقط تُجعل أعمال البرّ والخير دائما في مقابل حقّ الله الذي يخلق ويرزق؟ أليس من يبنون المساجد ويحجّون ويذبحون الأضاحي هم أكثر النّاس إنفاقا على الفقراء والمساكين؟

يتبع…

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!