حول التحالف (الاسلاموبربريست)
في عالم البيولوجيا.. يحدث أن يقع زواج متعة مؤقت بين حمار (ذكر) وفرس (أنثى الحصان)، فينتج عنه بغل جميل.
أما في عالم السياسة، فالوضع أعقد قليلا، لأنك ستصدم في حراك الجزائر بمصاهرة غريبة، بين إسلاميين من بقايا (الانتقريست)، وعلمانيين من عتاة (الفرانكوبربريست).. بين رموز وتيارات الاستئصال، وبين من كان يفترض أنهم ضحايا المحرقة في التسعينيات.
شيء من الخيال العلمي يحدث، أو إن شئت قل.. شيء من العبث اللطيف، الذي يثبت أنك في الجزائر فعلا ولست في أي مكان آخر من العالم.
النتيجة، أننا نرى اليوم مسوخا أيديولوجية تتحرك، وتحالفات “خارج دائرة الطبيعة” تتطور، وإرادات كانت بالأمس متعارضة إلى درجة التناقض، تتحالف اليوم وتتوافق.. سمن على عسل، كأن لا دماء سالت بالأمس، ولا انتهكت أعراض أو حرقت جوامع.
من كان ضحية للانقلاب على الصندوق، يعانق بحب منقطع النظير من انقلب عليه، ومن كان يقول الديمقراطية كفر، صار عشيق الديمقراطيين، شيخ طاعن في السن بلحية بيضاء، تسنده فتاة شقراء بكل روح وطنية، وملتح من زمن عليها نحيا، يحمل الميكروفون لخطيبة من زمن “بوفوار أساسان”.
وطالما أن الهدف هو معاداة مؤسسات الدولة، ومعاداة المؤسسة العسكرية، فكل شيء مباح، بل وكل شيء حلال لا شية فيه ولا شبهة.. والله المستعان.
ضمن هذه الخالوطة الوطنية، يتساوق خطاب الأفافاس العلماني المطالب بالمجلس التأسيسي، بخطاب “رشاد” المتأسلمة المنادية بالمرحلة الانتقالية، بل يتطور الأمر إلى ما هو أبعد، حين يصبح التحالف مع “الماك” الانفصالي ضرورة تكتيكية كما قال أحدهم، ويصبح التنسيق معهم قضية وطنية (لقاء دبوز / فرحات مهني).
نفس الخطاب، ونفس التشنجات في عروق الرقبة، تصيب رؤوس هذا التيار وذاك في نفس الوقت، حتى إنك لا تفرق بين ما يقوله قامة من قامات الإسلاميين، وما تقوله زاوية قائمة من الزوايا العلمانية المنفرجة.
لقد اكتشفوا معا الله مؤخرا، فصار فلان (عدو الله)، واكتشفوا معا معنى الحرية، فصاروا يصرخون بلسان واحد “الشعب يريد الاستقلال”(..).. لكن لا أحد يفسر هل يقصدون الاستقلال الذاتي عن الجزائر؟ ولماذا هذا الشعار المشبوه تحديدا بعد سقوط العصابة التي كانت تأتمر بأوامر باريس؟ أم إننا وقت العصابة والسطوة الفرنسية، ومجازر بن غبريط اللغوية، كنا ننعم بالسيادة الوطنية الكاملة؟
لذلك، يتناغم الخطاب الإعلامي لهذه الجهات بشكل سيمفوني، يكاد يكون خطابا طبق الأصل، لاحظوا التسويق الممنهج لـ(للقنوات المعارضة بالخارج) على أنها صوت الشعب، في مقابل إعلام العار الوطني في الداخل كما يقولون.
بالمحصلة، أن في هذا الزواج غير الطبيعي، من المؤكد أن هناك فاعلا ومفعولا به، وسيد وتابع، وصاحب خطة واستراتيجية وصاحب حنجرة صوتية، وحين ينتهي النزال الحالي، سيكتشف الإسلاميون وبقاياهم المشتتة، أنهم قد استعملوا استعمالا غير أخلاقي، وأن طريقة التخلص من تبعات التحالف معهم، ستكون صادمة.
لقد أثبت بعض إسلاميي التسعينات من جحافل الفيس، ضحالة في التفكير وعجزا عن التحليل، رغم الفرصة الذهبية التي أتيحت لهم وقتها ليكونوا الرقم الصعب في المعادلة، وقد كان الغباء وعدم التبصر والبصيرة، وراء جزء كبير مما حصل من انقلاب عليهم، فقد أعطوا الفرصة لأعدائهم (عشاق اليوم) ليسحقوهم دون أن ترف للعالم طرف من عين، وها هم ينتجون اليوم، نفس القصور في الرؤية، ونفس السذاجة في التحليل، ولولا أن فيهم بعض العقلاء، مثل عبد القادر حشاني في الماضي، وبوخمخم وجدي اليوم، لكان الفيل الذي تحدث عنه يوما عباسي مدني، تسوقه نملة سعيد سعدي من خرطومه إلى حتفه.
وللتاريخ فقط، فإن الكثير من هذه الكيانات المتناقضة فكريا، والمتحالفة استراتيجيا، تم اعتمادها في يوم واحد في بيت العربي بلخير، وكان وقتها الرئيس الشاذلي خارج أرض الوطن.