الرأي

حَراكٌ ضدّ لغة فافا

حسين لقرع
  • 1774
  • 14
ح.م

يؤكّد تصويت 94.4 بالمائة من الطلبة الجامعيين إيجابا على استفتاء وزارة التعليم العالي، المتعلّق بإحلال اللغة الإنجليزية محلّ الفرنسية في الفروع الدقيقة بالجامعات، الذي شارك فيه زهاء 100 ألف طالب، مدى تعطّش الجزائريين إلى تجاوز اللغة الفرنسية، التي فرضتها دفعة “لاكوست” على الجزائريين فرضا، طيلة 57 سنة، والذهاب إلى اغتراف العلوم والمعارف من منبعها مباشرة.

بعض المعترضين، قالوا إنّ المسألة تتعلق باستبدال لغة مستعمِرٍ بلغة مستعمِر آخر، فالولايات المتحدة وبريطانيا ليستا أحسن حالا من فرنسا تجاه قضايا الأمة. ولا ريب في أنّ طرح المسألة بهذا الشكل خاطئٌ، لأنها لا تتعلق باختيار حليفٍ سياسي واقتصادي وعسكري جديد، والتخلي عن حليف قديم، بل تتعلق باختيار اللغة الأكثر تقدّما عالميا من الأخرى، والأكثر استعمالا من شعوب الأرض، ومن الباحثين، وباللغة التي تتوفر بها المراجعُ والمعارف والعلوم بشكل أكبر من اللغة الأخرى.

كنّا نودّ لو ذهبنا مباشرة إلى تعريب الفروع الدقيقة بالتعليم العالي؛ أي أن يدرس أبناؤُنا هذه الفروع باللغة العربية، على أن تكون المراجع بالإنجليزية، ولكن إذا كان الذهابُ إلى التدريس بالإنجليزية بل الفرنسية ضرورة مرحلية لمواكبة آخر العلوم والمعارف العالمية، في انتظار أن تستعيد العربيةُ عصرها الذهبي، كما كان الأمرُ قبل قرون، فيجب أن تبتعد العملية عن الاندفاع العاطفي والتسرّع والحماس المفرط، وأن تخضع للتروي والعقلنة والتدرّج، تجنُّبا لفشلها وضرب مستوى التعليم العالي في مقتل. ولا شكّ في أن العملية تتطلب سنوات عديدة من التحضير الجدي وتكوين الكفاءات بالإنجليزية وكذا تحضير الطلبة لها…

ونعتقد أنه بدلا من الذهاب مباشرة إلى إحلال الإنجليزية محلّ الفرنسية في التعليم العالي، ينبغي أن نبدأ من القاعدة، عبر تقديم تدريس الإنجليزية إلى التعليم الابتدائي، وتأخير الفرنسية إلى المتوسط، أي عكس ما يجري منذ قرابة ستة عقودٍ، بقرارٍ من دفعة “لاكوست” المهيمِنة على مفاصل البلاد منذ الاستقلال. ومن خلال تكثيف تدريس الإنجليزية بأطوار التعليم الثلاثة، يكون التلاميذ قد حُضِّروا بشكل مقبول للدراسة بالإنجليزية في الفروع الدقيقة من التعليم العالي.

كل ما نريده الآن، توفّر إرادةٍ سياسية حقيقية، لوضع حدٍّ لهيمنة الفرنسية على نظامنا التعليمي، والذهاب إلى استبدالها بالإنجليزية، ولكننا نريدها عملية تدريجية حذِرة ومدروسة، وغير متسرّعة، فأن نصل بعد 10 أو 15 عاما إلى غايتنا بنجاح، أفضل من أن نصل إليها بعد 5 سنوات أو أقلّ، ثم نفشل وننتكس ونضرب مستوى التعليم العالي في الصميم.

وفي جميع الأحوال، فإننا نستبشر بالعهد الجديد، وبالتغيّرات التي بدأت تظهر، فبسقوط العصابة وذهاب الفاسدين وضباطِ فرنسا ودفعة “لاكوست”، ومجيء قيادة نوفمبرية على رأس الجيش، بدأت ملامحُ التحرّر من هيمنة الفرنسية، التي دامت طويلا، ونتوقع أن يتمّ قريبا استئنافُ العمل بقانون تعميم استعمال اللغة العربية في الإدارات والمؤسَّسات والهيئات العمومية والمحيط العام، في إطار العمل لاستعادة البلاد سيادتها اللغوية والثقافية، بعد 57 سنة كاملة من استعادة سيادتها السياسية.

مقالات ذات صلة