-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خلفيات البيت الإبراهيمي وسُبل المواجهة

محمد بوالروايح
  • 1827
  • 0
خلفيات البيت الإبراهيمي وسُبل المواجهة

قد لا يدرك كثيرون خلفيات البيت الإبراهيمي من وجهة النظر الصهيونية، ومن هذه الخلفيات الحلمُ الصهيوني التاريخي بنجاحهم في يوم من الأيام في الاندماج في المجتمع العربي الإسلامي وإزالة صورة إسرائيل المعتدية الغاصبة من أذهان العرب والمسلمين، وقد يعملون على استغلال “البيت الإبراهيمي” لجعله وسيلة من وسائل تحقيق هذا الحلم الصهيوني الذي ناضلت من أجله غولدا مايير وغيرها، فأتمنى ألا يتحقق لهم ذلك، لأن بتحققه سنخسر معركتنا مع خصومنا التاريخيين ونخسر أنفسنا.

لقد أصبح “بيت العائلة الإبراهيمية” أمرا واقعا وكيانا قائما وسيفرض علينا – شئنا أم أبينا – كثيرا من التحديات، ومنها التحديات أن تتجنّد نخبُنا الدعوية والفكرية والإعلامية لمعركة الدفاع عن القيم الإسلامية التي ستكون مستهدفة من قبل خصومنا في حال تخلينا أو تقاعسنا عن أداء واجبنا.

إن وجود الآخر لا يخيفنا طالما تمسكنا بأسلحتنا ووظفنا قدراتنا لهذا المسعى الإسلامي النبيل، فالتدافع سنة لا محيص عنها كما قال الله تعالى: “ولولا دفاع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز”.

إذا كان القصد من تأسيس “بيت العائلة الإبراهيمية” تعزيز قيم التسامح وتكريس مبدأ العيش المشترك بين أهل الديانات، فإن هذا المقصد الإنساني لا يعارضه أحد، لأن الأنسنة قيمة إسلامية عليا، ولكن ينبغي أن لا يُتّخذ هذا “البيت” مطيَّة لتجريد شريعة الإسلام من صفتها الخاتمة والقرآن الكريم من صفته المهيمنة، بدعوى أن مقتضى العدل معاملة الأديان السماوية على قدم المساواة حتى لا يكون لأحدها فضلٌ على الآخر، فهذه الفكرة مرفوضة من أساسها، لأنها تصادم نصوصا قطعية في القرآن الكريم بأن شريعة الإسلام هي الشريعة الخاتمة وبأن القرآن الكريم هو الكتاب المهيمن، والهيمنة هنا ليست بمفهوم الفكرة التسلطية كما توهَّمها بعض الحداثيين، ولكن بمعنى الوسطية التي يدل عليها قوله تعالى: “وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق” (المائدة 48).

لم يفقه كثيرون دلالات هذه الآية، بل عدّها بعضهم مظهرا من مظاهر ما يسمونه “العنصرية الإسلامية” التي لا ترى الحق إلا في الإسلام وتقصي وتلغي غيره من الأديان كما نطق بذلك القمص زكرياء بطرس الذي فهم قوله تعالى: إن الدين عند الله الإسلام (آل عمران 19) بأنه “دليلٌ على الأنانية الإسلامية والشخصانية المفرطة التي يبثها القرآن الكريم في نفوس أتباعه مما يقوض أركان التفاهم الإنساني والتسامح الديني” كما يزعم، فالتأويل الصحيح لهذه الآية أن الإسلام هو الحلقة الأخيرة في سلسلة الشرائع الإلهية، وأنه قد تضمَّن كثيرا من تعاليمها وضمَّ كثيرا من قيمها إلى قيمه، لأن هذه التعاليم والقيم تصدر من مشكاة واحدة وهي مشكاة الوحي الإلهي، وأنها قد اكتملت في صورتها التي عبَّر عنها القرآن الكريم: “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا” (المائدة 3)، فالإسلام وعاءٌ جامع لما تفرَّق في الشرائع السابقة مما جاء به إبراهيم وموسى وعيسى والنبيئون من قبلهم كما جاء في القرآن الكريم: “شرع لكم من الدين ما وصّى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه” (الشورى 13)، فهل حقق رواد “البيت الإبراهيمي” هذين الشرطين وهما إقامة الدين ونبذ الفرقة؟ كلا، لم يحققوا ذلك، بل يسعون -على العكس من ذلك- إلى محاربة الدين وتمجيد الفتنة وتسويقها إلى العالم مموَّهة بغلاف “نشر الديمقراطية” و”محاربة العنصرية”.

ونتمنَّى ألا يكون تأسيس “بيت العائلة الإبراهيمية” وسيلة لدعم تيار التطبيع مما يوفر للجانب الصهيوني هامشا كبيرا للحركة والمناورة من أجل تحقيق مشروعه التهويدي الذي بدأ بتهويد القدس فتهويد المقدس، فهذا المشروع يشكل خطرا كبيرا على كل الدول والشعوب العربية، لأن يد الموساد يد غادرة لا تُؤتمن ويُخشى استغلالها لـ”بيت العائلة الإبراهيمية” من أجل بدء عملية الهدم المنظم لمنظومة القيم الإسلامية التي استقرت على جسر من التضحيات بعد صراع مرير مع أعداء التوحيد وخصوم الوحدة.

 ليس من باب التهويل القول إننا -دولا وشعوبا- قد أصبحنا لقمة سائغة وصيدا سهلا لمليشيات صهيونية تتوارى وراء شعار “حوار الحضارات والثقافات” لتستغفلنا وتجعلنا نغفل عن أسلحتنا لتعمل عملها التدميري في مجتمعاتنا.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!