-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

خير الزّاد.. ما حظّك منه؟

سلطان بركاني
  • 430
  • 0
خير الزّاد.. ما حظّك منه؟

مع توالي أيام رمضان ولياليه الغالية بهذه السّرعة اللافتة، حريّ بكلّ عبد مؤمن يريد الله والدّار الآخرة، أن يتلمّس قلبه وروحه وحاله بحثا عن أعظم ثمرة فُرض صيام شهر رمضان لتحصيلها، يقول جلّ من قائل: ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُون)). إنّه ما فرض الصيام في شهر رمضان إلا لأجل أن يتّقي العبد المؤمن ربّه ويخافه ويخشاه، ويستشعر رقابته في كلّ ما يقول وما يفعل، بل وفي خطراته ونزغات نفسه، تماما كما يستشعر رقابته في الامتناع عن المطعم والمشرب والشّهوة في نهار رمضان.

تقوى الله؛ إنّها أعظم كنز يظفر به عبد من عباد الله في هذه الدّنيا، وأعظم سبب من أسباب السّعادة والتّوفيق والنّجاح في هذه الحياة، والفوز والنّجاة والنّعيم بعد الممات؛ منزلة من بلغها كتب الله له رضاه ومحبّته، ووضع له القبول في الأرض وألقى محبّته في قلوب العباد، فما يراه أحد إلا أحبّه.. شرفٌ من حازه فاز بمعية الله في هذه الحياة الدّنيا، وكان له الأمن والاطمئنان، وعاش بقلبه جنّة الدّنيا التي من لم يدخلها لم يدخل جنّة الآخرة.. زادٌ هو خير زاد يتزوّد به العبد لدنياه وأخراه، من ظفر به جعل الله له من كلّ ضيق مخرجا ومن كلّ همّ فرجا ورزقه من حيث لا يحتسب.

التقوى أن يجدك الله حيث أمرك ويفتقدك حيث نهاك

هذه هي التقوى باختصار؛ أن يجدك الله حيث أمرك، ولا يجدك حيث نهاك.. أمرك بالصّلاة لوقتها، تقول: سمعت يا ربّ وأطعت، وتعقد العزم على ألا تضيّع صلاة ما حييت، فما أن يؤذّن المؤذّن حتى تُلقي الدّنيا خلف ظهرك وتبدأ في التهيؤ للصّلاة، مستحضرا في قلبك أنّك ستقابل ملك الملوك وتقف بين يديه.

أمرك الله ببرّ والديك، تقول: سمعت يا ربّ وأطعت، وتسعى في برّهما والإحسان إليهما وقضاء حوائجهما والبشاشة في وجهيهما. لا تفضّل زوجتك وأبناءك عليهما، ولا تقدّم حقّ مخلوق على حقّهما، مهما منعاك من متاع الدّنيا الزّائل.

أمرك الله بوقاية أهلك نارا وقودها النّاس والحجارة، تقول: سمعت ربّ وأطعت، وتُلزم زوجتك وبناتك الحجاب الواسع، وتلزم أبناءك الصّلاة لوقتها وتلاوة القرآن وحفظ الأذكار. أمرك الله بغضّ البصر، تقول سمعا وطاعة يا ربّ، وتغضّ بصرك عن النّظر إلى ما حرّم الله، وكلّما عرضت لك نظرة محرّمة في الشّارع أو على صفحات الجريدة أو شاشة التّلفاز، تتذكّر أنّ النّظرة المحرّمة نكتة سوداء تنكت في القلب، وأنّ من نظر إلى ما حرّم الله حرمه الله النّظر إلى وجهه يوم القيامة، فتقول بلسان حالك ولسان مقالك: كلا إنّي أخاف الله. وتصرف بصرك. أمرك الله بحفظ لسانك، تقول: سمعا وطاعة، وتمسك لسانك عن الغيبة والفحش والبذاءة والخوض فيما لا يعنيك.

نهاكَ الله عن أكل الحرام، تقول: سمعا وطاعة، فلا يراك تتاجر في الحرام، وتعطي الحرام وتأخذ الحرام. نهاك عن شهادة الزّور، فلا يراك وأنت تشهد بالباطل، وتجعل الحقّ باطلا والباطل حقا لأجل رضا فلان أو حياء من فلان. نهاك عن الرّشوة، فلا يراك وأنت تبذل الأموال والهدايا لأجل منصب أو حظّ من حظوظ الدنيا الفانية.

أمركِ -أيتها المؤمنة- بالحجاب ونهاك عن التبرّج، فلا يراكِ وأنت تلبسين ما يعجب المخلوقين وتنسين ما يحبّه ربّ العالمين، ولا يراك وأنت تتعطّرين وتتزيّنين قبل الخروج، ولا يراك وأنت تتثاقلين وتتمايلين في مشيتك، وتوزّعين النّظرات والابتسامات يمنة ويسرة.

تُرى.. ما حظّ قلوبنا وأرواحنا من تقوى الله وخشيته ونحن نودّع العشر الأولى من رمضان؟ بل ما هو حظّ الواحد منّا من تقوى الله وقد أمضى من عمره ثلاثين أو أربعين أو خمسين سنة أو أكثر من ذلك وهو يسير إلى الله؟ إنّ منتهى الحرمان والغبن أن يُفني العبد عمره ويرحل عن هذه الدّنيا خاوي الوفاض من تقوى الله، وقد جمع من الأموال ما جمع، وبنى من الدّور ما بنى، وركب من المراكب ما ركب.

تستطيع أن تكون تقيا بإذن الله

إنّه لا أحلى ولا أمتع من أن تحيا –أخي المؤمن- في هذه الدّنيا تقيا نقيا تتقلّب في رضوان الله باللّيل والنّهار، وتحمل معك جنّتك في قلبك حيثما حللت وحيثما ارتحلت. وأن تأتيك منيتك يوم تأتيك وأنت متلهّف للقاء خالقك ومولاك.. تستطيع أن تكون تقيا نقيا بإذن الله، إن أنت استعنت بالله ودعوته أن يرزقك تقواه، وجعلت محبّته ورضاه نصب عينيك، فلا يهمّك نظر المخلوقين. لا يهمّك مدح المادحين ولا يضرّك قدح القادحين، المهمّ أن يرضى الله عنك.

استشعر رقابة الله في كلّ مكان وفي كلّ حين

التقوى هي أن تستشعر رقابة الله –جلّ وعلا- في كلّ مكان وفي كلّ وقت، فتكون في الخلوة كما في الجلوة، تكون وأنت وحيد في غرفتك كما تكون بين النّاس. تستحيي من الخالق أكثر من حيائك من المخلوقين. بل تكون في الخلوة أفضل منك في الجلوة.. إذا خلوت بنفسك تبكي على ذنوبك وتنكسر بين يدي خالقك ومولاك، وتطيل السّجود، وتبكي في الدّعاء. إذا حدّثتك نفسك بمعصية الله، تتذكّر أنّ الله يراك، فتستحيي منه جلّ في علاه، وتستغفره وتتعوّذ به من شرّ نفسك ومن شرّ الشّيطان وشَركه.

ربّما جرّبت من نفسك -أخي المؤمن- أنّك تستحي من أبيك وأمّك، وتستحي من أصدقائك، وتترك كثيرا من طبائعك وأعمالك السيّئة إذا شعرت بنظرهم إليك، ولكنّك في المقابل تستهين بنظر الله، وربّما تجعل الله أهون النّاظرين إليك؛ فإذا خلوت بنفسك وأمنت اطّلاعَ المخلوقين عليك هتكت السّتور ووقعت في المحظور.

علاج جرأة النّفس على الله في الخلوة

العلاج لهذا الدّاء أن تتذكّر -أخي المؤمن- أنّك ستقف بين يدي الله يوم القيامة، فيقرّرك بذنوبك التي كنت تستخفي بها من المخلوقين ولا تستخفي بها منه جلّ في علاه، ويقول لك: عبدي أجعلتني أهون النّاظرين إليك؟ إذا تذكّرت هذا فإنّك ستشعر بالحياء من الله، ويدعوك ذلك إلى استحضار رقابته واطّلاعه سبحانه وتعالى في كلّ وقت وفي كلّ مكان.. يروى أنّ رجلا دخل على امرأة وأغلق الأبواب باباً تلو الآخر، حتى إذا وصل إليها قالت: أغلقتَ الأبواب؟ قال: أغلقتها، قالت: بقي باب، قال: أين هو؟ قالت: الذي بينك وبين الله. فارتعدت فرائص الرّجل، وخرج خائفاً يستغفر الله.

فعلى العبد المبتلى بالجرأة على الله في الخلوة، أن يتذكّر أنّ الله يراه، وأنّ الملائكة التي تحصي أعماله تراه، وأنّ من سنن الله الماضية في خلقه أنّه يلبس عبده الذي يعصيه في الخلوة لباس المعصية وذلّها في الجلوة، يقول أبو الدرداء -رضي الله عنه-: “ليتّق أحدكم أن تلعنه قلوب المؤمنين وهو لا يشعر”، قيل: كيف ذلك؟ قال: “يخلو بالمعاصي فيلقي الله له البغض في قلوب الناس”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!