خُلِّد ٳيثارها في القرآن الكريم ورآها النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة
رحلتنا اليوم سفر بالعقول والقلوب مع صحابية جليلة عالية القدر كريمة النفس، قال عنها المؤرخ أبو نعيم الأصبهاني ٳنها المستسلمة لحكم المحبوب الطاعنة بالخناجر في الوقائع والحروب، هي أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب الأنصارية، وهي أم الصحابي الجليل أنس بن مالك رضي الله عنه، اختُلِف في اسمها فقيل سهلة وقيل رميلة وقيل رميصة أوالرميصاء وقيل الغميصاء.
عندما هلت تباشير الإسلام على أرض الجزيرة العربية، كانت أم سليم من بين الأوائل المصدقين لرسالة محمد صلى الله عليه وسلم، فلامس الإيمان شغاف قلبها وأحبت الإسلام حبا عظيما، حيث تحدت زوجها مالك بن النضر الذي غضب عليها غضبا شديدا عندما علم بقضية اعتناقها للإسلام، لكنها حاجّته بكل ما أوتيت من بليغ البيان ومنطق الحجة، بل وجعلت تلقن اِبنها أنس الشهادتين، ولما رأى مالك منها تلك العزيمة والاستماتة في الدفاع عن دين الإسلام خرج من البيت هاجرا لها غاضبا عليها، فلقيه عدوا له فقتله.
ولما بلغها نبأ مقتل زوجها، اِحتسبت وتعهدت بأن لا تتزوج حتى يكبر اِبنها أنس ويسمح لها بذلك، وفي بيت امتلأت أرجاؤه بنور اليقين ترعرع أنس رضي الله عنه، ونما في قلبه حب الإسلام وحب محمد صلى الله عليه وسلم، ليكتمل لهذه الصحابية الجليلة شرف الدارين لحظة وهبته غلاما لخدمة الرسول صلى الله عليه وسلم .
تعاظم شأن هذه المرأة الصالحة وتناقلت الناس ذكرها الطيب بإعجاب وتقدير، مشيدين بحسن أخلاقها وأخلاق ابنها أنس، فتسلل خبرها الى أسماع أبو طلحة، فتقدم ٳليها طالبا يدها للزواج وعرض عليها مهرا مغريا إلا أن المفاجأة أذهلته وعقدت لسانه، حينما رفضت ذلك بعزة وكبرياء وهي تقول: “ٳنني لاينبغي ان أتزوج مشركا، أما تعلم يا أبا طلحة أنّ آلهتكم ينحتها عبد آل فلان ؟ وأنكم لو أشعلتم فيها نارا لاحترقت ؟ “*
ولكن حبه الصادق لها جعله يعود في ثاني يوم ويمنيها بمهر أغلى عساها تلين وتقبل لكن هيهات لتلك المؤمنة أن يزعزع نعيم الدنيا قلعة الإسلام في قلبها قيد أنملة، حيث ردت عليه بأدب وأسلوب أذكى:
“ما مثلك يرد يا أبا طلحة، ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة لا تصلح لي أن أتزوجك، ٳن تسلم فذلك مهري ولا أسألك غيره ” رواه النسائي
فهزت هذه الكلمات كيانه وزاد حبه واحترامه لها، ومن أين له أن يجد مثيلتها زوجة له وأما لأولاده، فما شعر من حاله إلّا وهو يردد، أنا على مثل ما أنت عليه أشهد أن لا اله إلا الله وأن محمدا رسول الله، ومن تلك اللحظة أصبحت أم سليم أكرم نساء الدنيا مهرا كما جاء على لسان النبي صلى الله عليه وسلم .
وعد من الله أن لا يضيع أجر المحسنين، فقد كافأ هذه المرأة بحياة سعيدة مع زوجها الذي أسلم على يدها وانشرح صدره لدين الحق، فراح ينهل من نبع النبوة ومعين زوجته الصافي، حتى غدا مثالا للمسلم الكريم المنتصر لدينه المؤدي لفرائض ربه، وقد أنزل الله تعالى آية كريمة عناه بها هو زوجته رضي الله عنهما بعدما ضربا أروع مثال للإيثار، كيف لا وقد طوت أم سليم وزوجها طلحة وأبناؤهما بطونا على الطوى، ومنحوا طعام ليلتهم لعابر سبيل أصابه الجهد والجوع فأنزل الله تعالى قوله : “ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ” الحشر 9.
ومن نعيم الدنيا الذي اكتمل بزوج صالح وذرية مباركة حافظة لكتاب الله ٳلى نعيم الآخرة وجنة خلد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت كما بشر بذلك الصادق المصدوق حين رآها ليلة الإسراء والمعراج في الجنة فعن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “دخلت الجنة فسمعت خشفة فقلت من هذا ؟ قالوا هذه الغميصاء بنت ملحان أم أنس بن مالك” أخرجه مسلم
فسلام على هذه الصحابية الجليلة التي ستظل سيرتها العطرة أثرا يقتفى ٳلى رضى الله .
التهميش: *- الحافظ بن حجر في الاصابة (8/243)