داعشٌ شيعية في العراق!
ما تمارسه هذه الأيام الميليشيات العراقية الشيعية أو بعضها، وفي مقدمتها “فيلق بدر” و”عصائب أهل الحق” بمدينة المقدادية ومحافظة ديالى عموما، من أعمال قتل وحصار وتجويع للسكان، وحرق للمساجد… يؤكد مدى تغوّل هذه الميليشيات وانفلاتها، ومدى خطورتها على وحدة العراق وشعبه.
تصريحاتٌ كثيرة لسياسيين عراقيين يتقدّمهم رئيس مجلس النواب سليم الجبوري، وتقارير فضائيات عراقية عديدة، تؤكد أن هذه الميليشيات تقوم بأعمال تنكيل واسعة ضد سكان المقدادية بتهمة “دعم داعش”، وقد قتلت 171 مدني إلى حد الساعة وأحرقت 9 مساجد سنية، وهي تحاصر المدينة منذ أسبوع، إلى درجة أنها منعت حتى رئيس الوزراء حيدر العبادي من دخولها، ما يعني أن هذه الميليشيات التي استغاثت بها الحكومة في صيف 2014 لإيقاف تمدّد “داعش” إثر سيطرتها على الموصل وزحفها على كردستان العراق، قد تجاوزت الحكومة، ولم تعد تخشى القوات النظامية، أو تخضع للقانون، فهي تعمل ما تشاء دون حسيب أو رقيب.
ويدلّ منع العبادي من دخول المقدادية على أن السلطة الحقيقية قد أصبحت في أيدي الميليشيات التي يُعَدّ عناصرُها بعشرات الآلاف، ولا يُستبعد أن تنقلب عليه وتستولي على الحكم، إذا لاحظت منه حزما وإصرارا على لجمها، لاسيما أنها تحظى بدعم قويّ من إيران، ولن تكترث بالعبادي إذا ما قرّر أن يوما أن يكون “حازما” معها.
ما يحدث في المقدادية من انتهاكات، هو ثمرة مُرّة للفساد الذي نخر الجيش العراقي؛ فقد أنفقت الملاييرُ على تسليحه وتدريبه وتأهيله ليخلف جيش صدام الذي حلّه بريمر في 2003، ولكن ما إن حانت ساعة الحقيقة في جوان 2014، حتى انهار 25 ألف جندي أمام 900 عنصر فقط من “داعش”، وهربوا دون قتال من الموصل، وتركوا أسلحتهم الأمريكية الحديثة غنيمة للتنظيم، فاضطرت حكومة العبادي التي خلفت حكومة المالكي، إلى الاستنجاد بالميليشيات الشيعية حتى لا تسقط بغداد نفسها في يد “داعش”، لكنها لم تكتفِ بمحاربة التنظيم، فكانت تقوم بين الفينة والأخرى بانتهاكات وأعمال قتل واضطهادٍ لأهل السنة، لا تكاد تتوقف بضعة أشهر في منطقةٍ سُنِّية ما، تحت الضغوط الإقليمية والدولية الهائلة، حتى تُستأنف من جديد في منطقةٍ أخرى.
من أجل تفجير مقهى يرتاده عناصرُها، على يد “داعش” قبل أسبوع، قامت هذه الميلشيات بحرق 9 مساجد سُنية بالمدينة، والتنكيل بمئات السنة، عوض أن تنتقم من الجناة من عناصر “داعش”، تُرى ما الفرق إذن بين الطرفين؟ فانتهاكات “داعش” الشيعية المسمّاة تجاوزا “الحشد الشعبي” ضد المدنيين لا تقلّ عن انتهاكات “داعش” السنية المعروفة.
ما ينبغي أن تستوعبه هذه الميليشيات الشيعية ومن يقف وراءها تسليحا وتمويلا وتشجيعا، هو أن هذه الممارسات لا يمكن أن تخرج منها منتصرة أبدا، بل ستؤدِّي إلى حربٍ طائفية طاحنة قد تُزهق فيها أرواحُ مئات الآلاف من السنة والشيعة هدرا، وقد تتجاوز فتنة عامي 2006 و2007 التي قُتل فيها نحو 180 ألف عراقي من الطائفتين.
لقد علّمتنا التجارب أن الحروب الأهلية والطائفية يخسر فيها الجميع ولا رابح فيها. فهل تغلّبُ هذه الميليشيات، ومن يقف وراءها، صوت الحكمة والعقل وتتوقف عن انتهاكاتها قبل فوات الأوان؟ أم أنها ستقود العراق برعونتها وتهوّرها إلى التفكك والانقسام؟