-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

دا سيلفا.. شكرًا

حسين لقرع
  • 446
  • 0
دا سيلفا.. شكرًا

على هامش القمة الإفريقية الـ37 بأديس أبابا، أطلق الرئيسُ البرازيلي لولا دا سيلفا تصريحا مدوّيا أمام الصِّحافيين قال فيه بالحرف الواحد: “ما يحدث في قطاع غزة للشعب الفلسطيني لا مثيل له في لحظاتٍ تاريخية أخرى. في الواقع، حدث ذلك حينما قرّر هتلر قتل اليهود”.

مضى على حرب غزة الآن أزيد من أربعة أشهر ونصف شهر، ارتكب خلالها الاحتلالُ مجازر وحشية فاقت الوصف، وقتل نحو 36 ألفًا من أبنائها، باحتساب الذين لا يزالون عالقين تحت الأنقاض، وجرحَ قرابة 70 ألفًا، وأحدث دمارا هائلا في مساكن الفلسطينيين وفي البنية التحتية للقطاع وحوّله تقريبا إلى منطقةٍ غير قابلة للحياة، كما يمارس الاحتلال سياسة تجويع جهنمية متواصلة بحقّ 2.3 مليون فلسطيني بهدف تهجيرهم… ومع ذلك كلّه لم نسمع إداناتٍ قويّة من أغلب قادة الدول العربية والإسلامية، ولم يقُم أيُّ مطبِّع منهم بقطع العلاقات مع الاحتلال احتجاجا على جرائمه الهمجية بحقّ الأطفال والنساء والمدنيين، لكنّ الرئيس البرازيلي فعلها وشبّه الاحتلال بالنازية، وما يرتكبه في غزة من فظائع يومية بالمحرقة أو الهولوكوست، وحينما ردّ الاحتلال بانتقادات جارحة، لم يتردّد دا سيلفا في سحب سفيره من الكيان وطرد السفير الصهيوني من بلاده، إيذانا بقطع العلاقات مع هذا الكيان الفاشي العنصري.

قبل البرازيل، فعلتها بوليفيا والشيلي وكولومبيا وجنوب إفريقيا، واتّسعت دائرة الإدانات والمقاطعة في العالم، واستيقظت الضمائرُ الميّتة واستدرك الكثيرون مواقفهم، حتى في إسبانيا وبلجيكا وإيرلندا والنرويج وغيرها من الدول المحسوبة على الغرب سمعنا انتقاداتٍ قويّة للاحتلال على أعمال الإبادة والتجويع والعقاب الجماعي والتطهير العرقي التي يرتكبها يوميا، لكنّ بالمقابل لم يستيقظ ضميرُ أيِّ “زعيم” عربي أو مسلم مطبِّع مع الاحتلال، ويبادر إلى قطع العلاقات معه رسميًّا وغلق سفارة العار ببلده، بل إنّ منهم من تجاهل جوع سكان غزة وواصل تزويد الاحتلال بالأغذية والخضر، ومنهم من تبنّى التوصيفات الصهيونية والأمريكية والغربية التي تتهم المقاومة بـ”العنف”، ودعا إلى “محاسبة الدول التي دعمت حركة حماس حتى باتت بهذه القوة وسيطرت على قطاع غزة”، بدل أن يدعو إلى محاسبة الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم جيش الاحتلال بالسِّلاح والذخيرة لمواصلة ارتكاب مذابحه بحقّ الفلسطينيين وتدمير القطاع!

بالأمس كان الرئيس الفنزويلي تشافيز يعرّي جرائم الصهاينة بحقّ الفلسطينيين ويدينها بكلّ قوّة ووضوح، ويؤيّد الفلسطينيين بلا تحفّظ أو خوف، غير آبهٍ بغضب أمريكا وعقوباتها ضدّ بلاده، واليوم ينضمّ رؤساءُ بوليفيا والشيلي وكولومبيا والبرازيل إلى قائمة الشرفاء الأحرار الذين يتحدّون الظلم والجبروت والطغيان، ويسمّون جرائم الاحتلال بأسمائها؛ فهي محرقة حقيقية بحقّ الفلسطينيين تفوق المحرقة المنسوبة إلى هتلر بحقّ اليهود في الحرب العالمية الثانية، وليست “دفاعا عن النفس” كما تزعم الولاياتُ المتحدة ودولٌ غربية كثيرة، زورا وبهتانا وقلبا للحقائق.

شكرًا للرئيس البرازيلي دا سيلفا الذي ندّد بجرائم الاحتلال وناصر الحقَّ الفلسطيني، غير مكترثٍ بالحملة الشعواء التي تُشنُّ ضدّه واتِّهامِه بـ”معاداة السامية”، لقد برهن دا سيلفا بهذا الموقف التاريخي على أنّه أكثرُ شهامة ونخوة ورجولة وإنسانية من بعض القادة العرب الذين أصبحوا ظهيرا للاحتلال وباعوا فلسطين والقدس والمسجد الأقصى بأسعار بخسة من دون أن يرفّ لهم جفن.

هي مفارقة غير مسبوقة أن تُخذَل فلسطين وتُحاصَر وتتعرّض للمؤامرات في محيطها العربي الإسلامي، وتنصرها دولٌ أمريكية لاتينية تبعد عنها بعشرات الآلاف من الكيلومترات.. حتى دولة بيليز الصغيرة الواقعة في أمريكا الوسطى سجّلت موقفا تاريخيا بقطع علاقاتها مع الاحتلال يوم 16 نوفمبر 2023 احتجاجا على قتله 11500 فلسطيني آنذاك.. الآن ارتفع عددُ الشهداء إلى 36 ألفًا، أي أزيد من ثلاثة أضعاف، ومع ذلك لم تتحرّك في رؤوس المطبّعين العرب والمسلمين شعرةٌ واحدة! سجِّلْ يا تاريخ.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!