-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المجاهد الراحل بن طوبال في مذكراته:

دباغين رفض قيادة الثورة.. هذا موقف “العلماء” من الاستقلال

زهية منصر
  • 3609
  • 0
دباغين رفض قيادة الثورة.. هذا موقف “العلماء” من الاستقلال
أرشيف

تحت عنوان “لخضر بن طوبال مذكرات الداخل” صدرت أخيرا، وبعد طول انتظار مذكرات المجاهد الراحل لخضر بن طوبال. صدر الكتاب عن منشورات الشهاب بقلم الباحث دحو جربال الذي ذكر في مقدمة العمل أنّ المذكرات هي حصيلة الشّهادات التي سجلها مع العقيد سي عبد الله بين سنوات 1980 و1985 وتأجّل نشرها عدة سنوات بسبب تحفظ عائلة بن طوبال. إذ كان من الصّعب نشر المذكرات خلال تلك الفترة نظرا لعدم الاتفاق مع دور النشر الفرنسية والمؤسسة الوطنية للنشر والتوزيع “سناد” والذين أشاروا خلال لقاء سنة 2008 بالمركز الثقافي الفرنسي بقسنطينة بشطب أسماء “بعض الشخصيات المؤثرة التي كانت في السّلطة في ذلك الوقت، لأن النص يبطل شرعيتها ويؤثر على مصالحها”.

استشهاد شيهاني عطّل عقد اجتماع لقادة الثورة
مؤتمر الصومام كان مقررا عقده في الشمال القسنطيني

وقال جربال في مقدمة الكتاب المذكرات التي صدرت هذا الأسبوع هي النسخة المتفق عليها مع “سي عبد الله” الذي أعطى موافقته النهائية لنشرها بعد ثلاث قراءات .
تكمن أهمية هذه الشهادة التاريخية كون صاحبها “بن طوبال” أحد الفاعلين الأساسيين في الثورة التحريرية منذ التحضير إلى الاستقلال حيث تقلد الراحل عدة مناصب ومسؤوليات في أجهزة وهياكل الثورة وكان من “الباءات” الثلاث الذين تركوا بصماتهم في محطات فاصلة في تاريخ الثورة إلى جانب كريم بلقاسم وعبد الحفيظ بوصوف.

بن مهيدي رفض إفشاء بن بلة أسرار الثورة للمصريين
ياسف سعدي قبل صفقة القاضي الفرنسي بإطلاق سراحه مقابل إعطاء أسمائنا

تتطرق مذكرات لخضر بن طوبال في هذا الجزء الأول لطفولته في ميلة فهو من مواليد1923 ودرس في المدرسة القرآنية ثم المدرسة الفرنسية كما توقفت المذكرات عند التناقضات الاجتماعية التي فتحت وعيه مبكرا على القضية الوطنية وكان أول اتصال له بالحركة الوطنية بدأ في 1937، وعايش التغيرات التي طرأت على المجتمع الميلي في تلك الفترة، مرورا على المنظمة الخاصة والتحضير لثورة أول نوفمبر وصولا إلى مؤتمر الصومام والخلافات التي عرفتها قيادات الثورة وكذا الأثر الذي تركه استشهاد ديدوش مراد في 1955 واثر ذلك على نفسية الثوار .

انبعاث الخيار الراديكالي
خصّص بن طوبال الجزء الأول من الكتاب تحت عنوان “كيف تكون مناضلا في حزب الشعب” لخطواته الأولى من النّضال في الحزب عقب أحداث 8 ماي 1945 حين بدأت فكرة “الخيار الراديكالي” ضد المستعمر تنمو وصار اختيار المناضلين للعمل السري يتم بصرامة ودراسة مسبقة دقيقة، وبعد ازدياد ملاحقات الشرطة الفرنسية للمناضلين اضطر أغلبهم للانتقال إلى الحياة السرية – يقول بن طوبال – تلك اللقاءات والاجتماعات السرية هي التي أذكت روح الوطنية والاقتناع أن خيار الراديكالية لا مفر منه . هذا الخيار هو الذي قاد بن طوبال للانخراط في صفوف أحباب البيان والحرية التي شكلت غطاء سياسيًا بديلا لمناضلي حزب الشعب المحظور .

هذا موقف جمعية العلماء من مسألة الاستقلال
توقف لخضر بن طوبال مطوّلا عند قضية دور جمعية العلماء المسلمين في الثورة وعلاقتها بباقي التشكيلات السياسية خاصة مع حركة أحباب البيان. ويطرح بن طوبال في هذا الجزء قضية مشاركة جمعية العلماء في الثورة ويجزم أن “العلماء لم يتخذوا موقفا من مسألة الاستقلال الوطني”. ويبني بن طوبال موقفه هذا انطلاقا من جملة من المعاينات والمعايشات لرجال الجمعية في ميلة، إذ يورد مثالا في ذلك بأنهم طلبوا يوما من الشيخ أمبارك الميلي أن يلقي محاضرة حول موضوع يختارونه وطلبوا منه بعد موافقته على إلقاء المحاضرة الحديث حول الشباب في التاريخ الإسلامي وإلقاء الضوء على شباب تلك الفترة والدور التاريخي الذي يفترض أن يلعبوه. وفي محاضرته تحدث الشّيخ الميلي حول معركة أحد والصحابة عمار وعلي وحمزة والرسول محمد صلى الله عليه وسلم، والذي كان شابا في البدايات الأولى للإسلام، تحدث الميلي عن الماضي – يضيف بن طوبال – ولم يتحدث عن الاستعمار ولا عن الشبيبة الجزائرية ولا عن الدور الذي يجب أن تلعبه ضد الاحتلال الأجنبي، وهذا الذي كان يهمنا في مسألة حشد الشباب حول القضية الوطنية” يقول بن طوبال.
ويسترسل بن طوبال في هذه المسألة قائلا “في 1937 كان لدي اجتماع الذي شارك فيه حاكم المدينة عبد الكريم بوسوف، ولم يتخذ العلماء موقفا ضد الاستعمار لأن هناك مصطلحات مثل أوروبا والإسلام يمكنها إبهار مستمعيها وكأنهم يطالبون بالوطنية ولكن عمليا كان هذا صعبا جدا”. “وإن كانت الكلمات مضللة ولكن الأفعال لا يمكنها أن تكون كذلك”. وقد عمل العلماء في الانتخابات البلدية لميلة على ترشيح أوروبي ضد بوسوف. “العلماء لم يصرحوا حول وسائل تحقيق الاستقلال الوطني وكانوا ضد كافة أشكال العمل على نطاق واسع”.

المنظمة الخاصة.. بداية العمل الجاد
في هذا الجزء يتطرق سي عبد الله كذلك إلى ظروف إطلاق المنظمة الخاصة وتأسيس أول خلية مسلحة بقيادة عبد الرحمن غراس في منطقته وديدوش مراد وطنيا” وحسب بن طوبال كان أول اجتماع للمنظمة الخاصة شارك فيه، عقد بعد 15 يوما ويتعلق باللجنة الجهوية، وقد وزعنا فيه – يضيف بن طوبال – المناشير والمطويات الأولى ذات الطابع العسكري، وكنت رفقة يوسف زيغود وسليمان بركات وفارس الحادي وعبد الرحمان غراس ومرد ديدوش والعربي بن مهيدي”. وتناول الكتاب ظروف اكتشاف وحل المنظمة الخاصة، وانتقال بن طوبال إلى الأوراس وتحدث عن الصراعات التي بدأت في الظهور حتى قبل اندلاع الثورة واجتماع 22 إذ كان الصراع قد بدأ يلوح بين قيادات الحركة الوطنية، وإن كانت لم تصل إليهم إلا عام 1953 وفي هذا السياق يقول بن طوبال “لقد عرفنا أزمة 1949، بين لمين دباغين، والبربريست، والقيادة، وكنا نعتقد أننا أمام نفس المشكلة… كنا نعتقد أن الحزب سوف يصل إلى إيجاد الحل، ويفرض سيطرته على الفصائل”. ويوضح بن طوبال أن ديدوش مراد تنقل إلى الشرق مع نهاية ماي 1954، لإعلام المناضلين بما كان يجري من شقاق. وأضاف “شرح لنا أصل الأزمة، وأسبابها العميقة وسياسة الحزب”.

قدماء المنظمة الخاصة يتحركون
يوضح بن طوبال أنه خلال هذه الفترة أعيد الاتصال بقدماء المنظمة: “شرعنا في الاتصال مجددا بالمناضلين بداية عام 1954، لأني أنا وزيغوت كنا نرغب في إعادة تشكيل المنظمة الخاصة، وتوقف هذا الجزء عند اللقاء الذي جمع بن طوبال وزيغوت وبن عودة الذي كان متواجدا في بلاد القبائل.
وكان الثلاثي في البداية ضد المركزيين، ولم يكونوا يتناولون قضية مصالي في لقاءاتهم، غير أن أسئلة كانت تطرح عن موقف مصالي من العمل المسلح، لأن المناشير والمقالات التي كانت تصلنا كانت تشير إلى أنه من أنصار العمل المسلح، لكننا لم نكن نثق تماما بصدق نواياه، يضيف بن طوبال.

دباغين رفض قيادة الثورة واعتبرها مناورة لتصفيته
من جهة أخرى يتوقف الكتاب مطولا عند الاجتماع التاريخي لمجموعة 22 الذي مهد لإعلان الثورة وهو الاجتماع الذي حضره زيغود يوسف وبن عودة، وترأسه محمد بوضياف.
وفي هذا السياق يتحدث بن طوبال عن رغبتهم كجماعة من مناضلين شباب غير معروفين أغلبهم كان في الحياة السرية في البحث عن شخصية وطنية كبيرة وجامعة يمكنها أن تكسب ثقة الشعب لتتزعم الثورة وهذا انطلاقا من المسؤولية التاريخية الملقاة على عاتقهم وخوفهم من فشل الثورة وهي الفرصة الوحيدة حسبهم للجزائر لتخرج من المأزق، ولأنهم لم يكن ممكنا الاتفاق مع مصالي الحاج الذي رفض السير معنا، اتجهت الأنظار إلى الدكتور لمين دباغين بوصفه شخصية نضالية منذ نهاية الأربيعيات، وهو من أنصار الحل المسلح، لكن لمين دباغين رفض العرض، واعتبر أن بوضياف يكرهه و”يقضي جل وقته في التآمر عليه للإيقاع عليه. ولا أثق فيه ولن أمشي في هذه المسألة…بوضياف كلف من طرف المنظمة الخاصة ليتتبعني ويتخلص مني”.
ويضيف بن طوبال “عرفت الدكتور لمين في السنوات اللاحقة، كان رجلا كثير الريبة وكان يشك في كل شيء، وكان يشعر دائما بالاضطهاد، ويعتقد أن كل العالم يتآمر ضده، لدرجة أنه حتى لو تحدث شخصان مع بعضهما فإن ذلك قد يشكل تآمرا ضده.. في النهاية إنه من دواعي السعادة انه لم يقبل ترِؤس الحركة، عرفته لاحقا كعضو لجنة التنسيق والتنفيذ ووزير الخارجية في الحكومة المؤقتة وكان يخلق دائما المشاكل، وتسبب في وضعيات الانسداد”.
في هذا الجزء أيضا يتطرق بن طوبال إلى دور منطقة القبائل في اجتماع 22 التاريخي فيقول قرّر مجموعة 22 الذهاب إلى المستقبل، لكن بقيت نقطة سوداء منطقة القبائل لم تكن ممثلة، وقد سعي بوضياف لحل هذا الإشكال، حيث اتصل بكريم بلقاسم وعمر أوعمران، وقد وافق هذا الأخير، وتم الاتصال بكريم وأعطي موافقته “كريم ومنطقة القبائل ستمشي معنا” النجاح كان كاملا على مستوى القرار الذي تم اتخاذه فقط من وجهة نظر الوحدة الوطنية “.

هجمات 20 أوت جعلت الجميع يلتحق بالثورة
خصّص بن طوبال جزءا من كتابه للحديث عن هجومات الشمال القسنطيني في 20 أوت 1955 مركزا على الاختلافات والانقسامات التي عرفتها قيادات الثورة.
واعتبر بن طوبال أن هجومات 20 أوت لم تساهم فقط في فك الحصار عن الثورة، بل كان لها دور حاسم في انضمام مختلف التشكيلات السياسية للثورة بما فيها البيان وحتى فرحات عباس وجمعية العلماء… كلهم انضموا بعد 20 أوت إلى الأفلان خوفا أو لحسابات سياسية أو بدافع الوطنية أو لكل هذه الأسباب مجتمعة… هذا أجهله، أنا بصدد سرد ومعاينة الوقائع… قبل 20 أوت ولا اتصال وبعد 20 أوت انضمام جماعي”.

استشهاد شيهاني عطل عقد مؤتمر للثورة
في ذات الكتاب يسرد بن طوبال أيضا التحضيرات لعقد مؤتمر جامع أو لقاء وطني لتقييم الثورة، إذ اقترح زيغود يسوف ضرورة عقد لقاء وطني سواء كان مؤتمرا أو ندوة تجمع جميع مسؤولي الولايات، ويذكر بن طوبال أيضا أن اللقاء كان مقترحا عقده في الشمال القسنطيني في جويلية 1956 حيث أعطى عبان موافقته لعقد اللقاء الذي دعا إليه زيغود، وفي وقت لاحق عندما أرسلت بعثة إلى الأوراس لدعوتها لحضور اللقاء تم أخذ العلم بإعدام مسؤول الولاية بشير شيهاني فتحوّلت مهمة البعثة إلى طلب استفسار رسمي ومكتوب من بن بولعيد حول الأسباب الحقيقية لإعدام شيهاني، وعقد لقاء بين الاوراس والشمال القسنطيني وهذا قبل اللقاء الوطني .
وحسب ما جاء في مذكرات بن طوبال فإن الرد جاء بعد 15 يوما أن شيهاني “تمت إدانته لأسباب أخلاقية، ولكن هذا التفسير لم يقنعنا تماما لأنها حتى لو كانت حقيقة فإنها لا تبرر هذا الفعل الخطير. وفي هذا الوقت أيضا وصل خبر استشهاد بن بولعيد الذي بقي سرا لم تعرف به فرنسا وقد شكل خسارة كبيرة للثورة” يقول بن طوبال.
ومن جهة أخرى يذكر بن طوبال أنه تم في البداية تحديد الفاتح من أوت لعقد المؤتمر في الشمال القسنطيني لكن بعد 15 يوما وصلت رسالة أخرى من العاصمة تؤكد أن بن مهيدي سيأتي من وهران وسيتم اللقاء في منطقة القبائل.
في هذه الأثناء بدأت تظهر الخلافات بين قيادات الثورة حيث علمنا يقول بن طوبال عن طريق بن مهيدي أن “كل ما كان يحدث في الثورة كان معروفا عند المصريين” ويذكر بن طوبال أن أزمة اندلعت عندما قام بن مهيدي بإثارة هذه النقطة مع بن بلة وقد مسّت هذه الملاحظة كثيرا بن بلة قبل أن يرفع يده على ممثل مجموعة 6″.

لم نكن نثق في بن خدة لأنه من القيادات القديمة للحزب
ويتحدث بن طوبال عن الاجتماع الذي عقد في العاصمة بدون بن خدة “لم يكن معنا بن خدة لأنه حتى هذه الفترة كان بن خدة حلقة بسيطة فقط في الاتصال لأنه لم تكن لدينا ثقة كاملة في القيادات القديمة للحزب. في هذا الوقت لم يتم بعد استحداث المنطقة المستقلة لأن يأسف سعدي كان مجاهدا بسيطا، وكان هو الذي استقبل ومنح مخابئ لكل من بيطاط وكريم وعبان وبن طوبال، ولاحقا عندما تم توقيف ياسف من طرف الفرنسيين قال له قاضي التحقيق إنه يريد رأس كريم وعبان واوعمران “كان يريدهم أحياء أو أموات” ويسترسل بن طوبال في كتابه “كانت لدينا معلومات من سجن بربروس وكنا على علم بمجريات الحوار بين ياسف والقاضي، وقد عرفنا عن طريق نفس المصدر أن ياسف سعدي قبل الصّفقة ووافق على إعطاء أحد أسمائنا”.
… يتبع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!